الإسلام «المسيّس» في تونس: من «سيدي الميزوني» إلى لطفي زيتون…

2 فبراير 2018

لطفي زيتون القيادي في النهضة، الجالس على كرسي وثير على مكتبه في مقرّ الحركة في حيّ «مونبليزير» عاجز كلّ العجز عن السفر أو التفكير في السفر إلى مسقط رأسه «رأس الدرب» الكائن على أطراف المدينة العتيقة وأحد أهمّ منابت «الفتوّات» (جمع فتوّة)، ليخبر أصدقاءه وأبناء حيّه وأتراب الطفولة أنّ «المثليّة وجهة نظر وموقف شخصي» (كما كان أعلن مرّة)، مخافة أن تأكله نظرات الريبة ليس فقط في قوله بل في «قناعته» وعلاقة الرجل بجسده.

لطفي زيتون كذلك عاجز أن يؤتي سفرة في الزمن والعود إلى «نشأة» ما كان يسمّى «الاتجاه الإسلامي» في ثمانينات القرن الماضي، وإخبارهم أنّ النهضة تخلت عن «الثوابت» في أبعادها «الأخلاقيّة/الدينيّة» وصارت تنظر إلى «المثليّة» مثلما تنظر إلى «الزواج الشرعي». لا أحد يتخيّل ردود فعل «شيوخ الاتجاه» أمام هذا التصريح، وما هي فتاويهم بخصوص من هم على هذا الرأي.

في الحالتين، سواء في حيّ «راس الدرب» (العمق الجغرافي) وكذلك «شيوخ الاتجاه الاسلامي» (العمق التاريخي)، يظهر حجم الانفصام الذي تعيشه حركة النهضة، ليس فقط في علاقة لما أسّست له من «إسلام سياسي/اجتماعي»، بل حين صارت تنسخ ذاتها، أيّ أنّها تفسخ ما كانت تنادي به، سواء بالإسم والمسمّى أو بما هو المناخ العام لما آلت إليه الأمور، أو بالأحرى آلت إليهم الأمور داخل حركة النهضة من انقلابات على الذات…

أخطر ممّا صارت إليه الحركة وطيف كامل من المريدين من تناقض مع عمقها الشعبي الحالي وعمقها التاريخي القائم، يكمن في ذلك «السعي المرضي» لإيجاد المسّوّغات الأخلاقيّة/الشرعيّة لما صارت من مواقف، بدءا بما هي «المثليّة» (لحساسيّة كلّ ما تعلّق بالجنس في المجتمعات العربيّة الاسلاميّة)، وصولا إلى ابتداع (ما يسمّى) «فقه المحرّمات» أيّ جواز اتيان منكر والمجاهرة بذلك، أسوة بالعفو على الفاسدين وتبييضهم علمًا وأنّ «الذات الهيّة» لا تغفر المعاملات سوى حين يغفر أهل الضرر، على نقيض الباجي والغنوشي حين غفرا للفاسدين في تجاوز للمتضررين وفي قفز فوق «هيئة الحقيقة والكرامة»…

zitounمنذ أن وطأت أرض دمياط في مصر (المحروسة) قدم جندي من حملة نابليون، فهم العلماء الذين صاحبوا (هذا) الامبراطور الحالم بملك «اسكندر المقدوني» أن تدمير هذه المجتمعات يتمّ من داخلها، أيّ بصناعة «إسلام» يرضى عنه الغرب، مثلما صرّح إيمانويل ماكرون أمام مجلس نوّاب الشعب، الذين وقفوا أسوة برياض الأطفال مثلّ السذج الأغبياء يصفقون لمن شتمهم حين اعتبر «الفرنكوفونيّة» منبتا ومرجعا…

مصيبة النهضة الكبرى، أنّ لا رابط عضوي أو وظيفي، مرئي وظاهر وشفاف ومعلن، وفق بين أطراف لا تملك قدرة الاصداع أنّها لم تعد منفصلة، ولا تملك الجرأة أن تقدّمها في صورة الذات الواحدة، لأنّها تعلن «فكّ ارتباط» بعضها ببعضها. لا قدرة للنهضة لتعلن صراحة ودون مواربة وفي وضوح معرفي لا يحتمل اللبس ولا يتحمل المناقشة أنّها غير معنيّة بما هو «ميراث الحبيب اللوز»، كما أنّها لا تملك القدرة لتعلن صراحة ودون مواربة وفي وضوح معرفي لا يحتمل اللبس ولا يتحمل المناقشة أنّ الشيخ الحبيب اللوز لا يزال «صاحب حقّ» في مشروع «التمكين» الذي قامت من أجله الحركة وعلى أساسه تقوم…

هذه الحالة الوسيطة بين نهضة مكتملة/منفصلة أدّى إلى تكريس «منطق اللحظة»، حين تعني المراكمة عود لطفي زيتون بما هي «المثليّة» إلى حيّ رأس الدرب وسفره ضمن الزمن إلى الأباء المؤسّسين، ليكون السؤال عمّا هو موقف/رأي/مسؤوليّة راشد الغنوشي ليس فقط عمّا يقوله ويفعله ويصرّح به (سي) لطفي، بل الأدهى والأمّر يكمن في صمته وسكوته وغضّ الطرف عن كلّ «حالات الخروج» التي يأتيها زيتون سواء بعلمه أو هو بأمره ومباركته، لتكون مسؤوليته المباشرة، أو هي «من وراء ظهره» (والأمر مستبعد)، والحديث حينها عن مدى قدرة «الشيخ» في أن يبقى «الكابو» (بالمفهوم المافيوزي)، أي مالك حقّ الوجود والفناء، ومن ثمّة الحياة والموت (بالمعنى السياسي)….

لا حاجة للتأكيد بأنّ النهضة «أجنحة» يمنع إنفجارها، إن لم يكن التشظي، وجود الغنوشي على رأس الحركة، وكذلك الخوف من الكلفة (الأمنيّة) لأيّ تشرذم، لأنّ الواقع المحيط من أجواء «ديمقراطيّة» وروح «التوافق» تعلم النهضة وتدري قيادتها ولدى العمق الشعبي اليقين، بأنّها حالة من «التنافق السياسي» (أيّ تبادل النفاق بين الأطراف السياسيّة الفاعلة)، بل هناك يقين لا يشوبشه شائبة بأنّ اللجوء إلى «قواعد النهضة» (التي تحدّث عماد الحمّامي مرّة عنها وقال أنّها على ذمة وزارة الداخليّة) تحت شعار «عليها نحيا، عليها نموت» مسألة وقت ومسافة زمن، لا غير.

دليل الأزمة الفكريّة والذهنيّة والوجوديّة التي تعصف بالنهضة، قائم على مستوى خطابات قياداتها وكتابات مناصريها، حين يمكن الجزم دون الحاجة إلى قراءة علميّة أنّها مرت من «التأصيل الفقهي» (أيّام زمان) إلى «التبرير الفعلي» (الراهن)، أيّ الانتقال من عظمة المشروع إلى ابتذال البحث عن مسوّغات أقرب ما تكون إلى لغة الغريزة الباحثة عن مخبا زمن العاصفة أو ملجأ أمام مرور الإعصار.

على المستوى الاقليمي والدولي، هناك اعتراف بدور حركة النهضة، وهناك اقرار بأنّها أقلّ سوءا من غيرها، لكن الإقرار قائم بأنّها الأشدّ خطرًا على دول الإقليم والدول الكبرى، بدءا بما هي عليه من سعي لإرضاء الجميع دون استثناء، وثانيا والأهمّ، اليقين لدى دول الاقليم والدول الكبرى بأنّه يكفي اعلان النفير ليقول اللوز للغنوشي لبيك، ويتمّ إغلاق القوس الذي طال فتحه، لذلك يسعى الغرب إلى قطع دابر العلاقة بين قمّة الحركة المنفتحة على «المثليّة» (وغير المثلية) وعمق بشري وقف ولا يزال أغلبه عن «حاكميّة» (السيّد قطب)


تعليق واحد

  1. عبدالرزاق الحمامي

    اصبت الحقيقة في تحليلك انه التنافق السياسي ولحظة التنازلات والهروب الى الامام والقفز على التاريخ

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي