الباجي: بعض من معاوية، أشياء من المتنبّي والكثير من بورقيبة.

30 سبتمبر 2018

يمكن الجزم دون أن شكّ أن الباجي، يأتي على المستوى الشخصي وحتّى السياسي والاعتباري أخر العنقود لجيل ليس فقط طبع زمانه وأثّث مسيرة طويلة ومسار عامر، بل صنع ماضي البلاد، واستطاع أشبه بطائر الفينق أن يثور من رماده بعد 14 جانفي، ويقفز في سرعة البرق من «رفوف التاريخ» أو «علبة المتحف» [كما وصفه الغنوشي] إلى لعب ضمن الصفوف الأولى أو هو المربّع الحاكم إن لم نقل المتحكّم في مصير تونس والمحدّد الأساسي لخياراتها الاستراتيجيّة.

جاء الباجي إلى الساحة السياسيّة أو هو عاد أو ربّما استيقظ حين عجزت الطبقة السياسيّة القائمة حينها عن لعب الصفوف الأولى وتأمين تقاطع مستقرّ وثابت، بين المتغيّرات التي حلّت بالبلاد بعد 14 جانفي من ناحية، مقابل ما هي استمراريّة الدولة وما هي التزامات دوليّة وسط متغيّرات أشبه بإعصار جاءت تونس أو هي مثلت عينه أو القلب منه.

BCS2عاد الرجل إلى السياسة بعد غياب طال عشرية تنقص أو تزيد قليلا، لا ذخيرة له سواء ما وقر في ذاكرة من عايش فترة مجده، ليعيد هذا المجد أو هو يعود متكلا على صورة وقرت في الأذهان، وكذلك على لسان جيل تربّى على يدي بورقيبة الذي «غزل الحرير» بلسانه.

قام الباجي من رماده في بلد غلبه اليتم وسيطر على أجياله الضياع وعمّت أطياف السياسيين الحيرة، بين عجز عن صناعة المشهد وصياغة الموقف السياسي. أشبه بلاعب كرة قدم متقاعد أمام أشبال في عمر الزهور، وقف الباجي يستعرض قدراته التي ليس فقط أبهرت العالم، بل جاءته أشبه بالترياق القادر على تخليص البلاد من سموم راكمت السنين، أو هي سنين شهدت تراكم الأدران القاتلة.

أشبه بمسرحيّة أوْلى بالكاتب شكسبير أن يستيقظ ليؤلفها، وجد الباجي قائد السبسي نفسه في صدارة المشهد، دون أن يسأل شكسبير [المفترض] إن كان بطله من القوّة والقدرة على تقدّم الأخرين أم أنّ التراجع جزء من قدر السياسة في تونس، حين لا يرضى من يجلس أعلى الهرم بالجليس على سدّة المُلك.

جلس راشد الغنوشي على كرسي الباجي وإن كانت الصورة المسرحيّة فرقّت على مستوى الأضواء والديكور والنصّ، وجعلتهما شريكين على درج التوازن الضروري ليستمرّ قطار البلاد المتهالك في المكوث على سكّة التوازنات الاقليميّة وما هي استحقاقات لزوم الانتقال من لغة الثورة إلى خطاب الديمقراطيّة القائمة على الخيار بين أبطال هذا المسرح الذي لم يحلم به موليار لا في «مريض الوهم» أو هو «تاجر البندقيّة»، بل هو «وهم التوافق» وكذلك «تجارة الكلام»….

بلسان غزل الحرير استطاع الباج أن ينسج «نداءً» خرج من فمه في يسر قدرة الخطابة عنده، قال «كن» فكانت «الصرخة» في بلاد احتجات الأمن حين غاب الأمان، سوى في أغان تحمل نقيضها وشعارات لم تعد تؤدّي دورها.

لأنّ المسرح فعل زائل وخطاب الركح أعجز من أن تغازل أبعد من خيال المتفرجين، جاء «نداء تونس» أشبه بسلعة ذات استعمال واحد، وبطارية غير قابلة للشحن خاصّة وأنّ الباجي فقد القدرة على إحياء الرميم من عِظام حزب رفضت «العناية الهيّة» أن تعيده إلى مسرح الأحداث، بعد أن تلقّى من الأوراق الصفراء والحمراء وكامل ألوان الطيف ما جعل مسرح الباجي يكون فعلا ذلك «الربيع» الفاقد للطعم والمنزوع الرائحة ودون ذوق، إلا علقم من امتطى الحمير بعد أن عاش على صهوة الخيول الأصيلة.

من ضروريات المشهد الاغريقي أن تغادر الآلهة الأولمب بعد «حوار» الوداع..

 


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي