الجزائر : ما عجز عنه الحراك وما اقترف النظام…

18 مايو 2021

بعد أن انطلق «حراك 22 فبراير» في صورة «الحالة الإيمانيّة» ضمن المعنى المطلق للكلمة، بما هي الحقوق السياسيّة والمدنيّة ضمن تسليم شامل بما هي مرجعيّة «بيان نوفمبر» سواء على مستوى «دولة تحترم الحقوق» وكذلك «دولة العدالة الاجتماعيّة، ها هو (أيّ الحراك) قد انقلب أو بالأحرى انحصر مجرّد «طقس» أقرب إلى «منسك» وجب تأديته كلّ أسبوع رغبة في تأمين الرضا بالذات، وكذلك (والأمر لا يقلّ أهميّة) الإحساس بتلك «الألفة الجماعيّة»، اللاعبة لدور المعوّض للوحشة في بعدها الذاتي.

على ضفّة السلطة، وجب للنظام أن يرقص فرحًا وأن يقيم الأفراح والليالي الملاح : حراك سلمي، يجترّ ذاته، وقد تقوقع على مستوى الخطاب ضمن دوّامة «تقديس الذات» مقابل «تدنيس الآخر»، والنزول إلى الشارع انقلب ادمانًا في ذاته، يحقن «الحراكيين» بجرعة «مسكّن» تكفي أسبوعًا بكامله. عوض ذلك، سواء كانت رغبة أحد أجنحة السلطة في تأزيم الوضع بحثًا عن تصفية الحسابات مع جناح أو أجنحة أخرى، أو هو الخوف الكامن في نفس بعض من الجالسين على كراسي القرار، نزلت الشرطة لتمارس عنفًا غير مبرّر (بالمفهوم الأمني ذاته)، لتنقل أو بالأحرى هي تنتقل بالحراك من «الطقس» الأسبوعي المعتاد، إلى مجال لممارسة عنف شديد وإيقاف لجملة من الناشطين، لم يمارسوا عنفًا ولم يعتدوا على أجهزة الأمن.

تجاوزًا لما هي الحقوق في بعدها الشامل والعريض أو ما هي الأعراف في الجزائر، يُحسب لمظاهرة يوم 22 فبراير، أنّها نسخت (بالمعنى الفقهي) جميع قوانين السلطة في ما يخصّ التظاهر ومن ذلك صار أو هو ترسّخ «التظاهر» والنزول إلى الشارع في صورة «الحقّ المطلق» غير القابل للنقاش، وبالتالي يمكن الجزم أنّ السلطة أو بالأحرى أنّ المسؤول الذي يريد الرجوع بالتظاهر من (هذا) «الحقّ المطلق» إلى وجوب التقيّد بما هي «قوانين» لم تحم أحمد أويحى، أنّه أقلّ ما يُقال عنه «متخلّف سياسيّا» بمعنى العجز عن قراء الماضي وتحليل الواقع واستشراف المستقبل، بل أخطر من ذلك، لا يكفّ (هذا المسؤول) عن المقامرة بأمن الدولة واللعب (إن لم نقل التلاعب) بمستقبلها.

في المقابل سقط الحراك من تلك «الحالة الإيمانيّة» القادرة على احتواء أو هو توجيه جميع الطاقات نحو بناء «دولة جديدة» إلى مجرّد الباحث عن «دور سياسي» ضمن المعنى المباشر، بل تلبّست هذه الجماهير أو بالأحرى الأصوات التي صدّرت ذاتها دفاعًا عن الحراك، قميص «الحزب السياسي المعارض»… أحزاب ديدنها الإدمان المرضي على «شيطنة» السلطة والاكتفاء بذلك سبيلا، دون القدرة أو هو العجز عن تقديم البديل وبسط تصوّر فعلي وفاعلي لمشروع بديل.

هو استثمار من قبل «أعيان الحراك» في «رأسمال الضحيّة» المالكة أو هي المحتكرة لرأسمال أخلاقي (رمزي) لا تزال تستدعيه على مدار اليوم والساعة، سواء رغبة في محاكمة هذه السلطة أو هو الإدمان على شيطنتها وجعلها المسؤولة بمفردها دون غيرها عن جميع ما أصاب أو قد يصيب البلاد.

فهم أو هو إدراك لمهمّة الحراك ضمن أفق سياسي (ذاتي) بحت، مردّه قصور في الرؤية وكذلك حاجة سيكولوجية لمداوة أوجاع الفرد، ومحاربة السلطة من باب تصفية حساب شخصي معها، يكون من الأفضل إدراجه ضمن أفق أرحب (على مستوى المشهد) أو «الحراك»، رغبة في تأمين فاعليّة أعلى ومجد شخصي تليد.

تقف الجزائر أمام ما يشبه «اتفّاق المصلحة» بين «إقطاع النظام» مقابل «دهاقنة الحراك». يتصارعان في الظاهر، لكن يتبادلان المنافع في الواقع. الأوّل محتكر للمال والسلطة والسلاح»، في حين يرى الثاني ذاته محتكرًا للأخلاق والشرف والوطنيّة. لا أحد من الطرفين قادر أو فكّر أو هو قابل لمعالجة الذات بمعنى التقييم، خارج بعد اللحظة العابرة واختزال المشهد في العواطف الجياشة، بمعنى أن يتلبّس النظام دور المسؤول بالكامل عن أفعاله ويطرح سؤالا، سواء عن دوره في ما جدّ وأساسًا المسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع، وكذلك الحراك : هل خرج الناس إلى الشارع رغبة في تأمين دولة القانون والحقوق والعدالة الاجتماعيّة، أم للإدمان على النزول إلى الشارع في بعده «الطقسي» حصرًا؟

من ذلك لا أفق للجزائر بمعنى استقرار «الجبهة الداخليّة» ما دام يرى العديد (داخل النظام كما الحراك) في الصراع الدنكيشوطي أساسًا للوعي بالحقيقة وكذلك قاعدة لصراع أشبه بما كان مع «طواحين الريح» حين أدمن (ذلك) الفارس العجوز» ليس القتال، بل (أخطر من ذلك بكثير) توهّم «الأعداء» والاقدام على مهاجمتهم دون هوادة.

على شاكلة «دون كيشوت» ينعدم وعي «إقطاع النظام» وكذلك «دهاقنة الحراك»، بالعالم خارج محور الصراع بينهما، حين لم تشكّل جائحة كورونا (مثلا) فرصة لتجاوز «إطار الصراع» (وليس الصراع بالضرورة) والذهاب نحو وعي شامل للطاقات جميعها وجامع للنوايا دون حدود.

على العكس من ذلك، تعامل النظام تجاه جائحة كورونا (كعادته) في صور «المسؤول الأوحد» وكذلك «صاحب القرار» دون غيره، والأخطر من ذلك، من يتدبّر هذه المسألة دون الحاجة لأي فكر أو نصيحة أو مساعدة، وعلى الجميع السمع والطاعة، سواء من منطلق أنّها «السلطة»، أو من باب أنّ التفكير المشترك وتبادل النصح وتقاسم المسؤوليّة، جميعها (دون استثناء) مفسدة وباب بلاء.

الحراك (بدوره) لم يعر أيّ أهميّة لهذه الجائحة بمعنى أنّه لم يتنظّم أسوة بما أقدم عليه تجاه النظام، ناسيا أو متجاوزًا لما أعلن «قادته» من دور (عند انطلاقته)، أيّ «إنقاذ البلاد»، مع وجوب التوضيح أنّ «الإنقاذ» لا يعني سوى «النظام»، كأنّ كورونا لم تحصد الأرواح، أو (بالأحرى) أنّ الأرواح التي حصدها هذا الفيروس لا قيمة لها ولا تمثّل «رأسمال» سمين، ما دام «المجرم» ليس النظام…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي