باكورة أعمال «مؤسّسة أبعاد» : أبعد من العقل وأعمق من البحث….

20 أكتوبر 2020

تراكمت لدى المتابع العادي للأخبار على القنوات الفضائيّة صورة عن مراكز الأبحاث والمؤسّسات التي تتولّى الاستشراف، عبر مشاركة خبراء هذه المراكز والمختصّين من هذه المؤسّسات، في تحليل الأحداث السياسيّة وشرح الخلفيات واستقراء قادم الأمور، ليتأكد (بما لا يدع للشكّ) أن هذه المراكز، أو بالأحرى العديد، تمثّل المعين الذي يكرع منه أصحاب القرار السياسي في الدول الغربيّة، بل تحوّل بعضها إلى «صانع محتوى» لسياسات دول كبرى مثل الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

ماذا عن مراكز الأبحاث ومؤسّسات الاستشراف في الوطن العربي؟

عن هذا السؤال وما أسّس له وتفرّع عنه يسعى العدد الأوّل من منشورات «مؤسّسة أبعاد للدراسات المستقبليّة» أن يجيب، أو بالأحرى يحدّد السياقات ويعدّد المسارات، ويقدّر الوضع سواء تعلّق الأمر بخارطة هذه المراكز ضمن الواقع العربي أو دورها، ليس فقط في صنع القرار وصياغته، بل كذلك في توفير «المناخات» العامّة التي تشتغل ضمنها «آلات التفكير» هذه، وكذلك «الآليات» المعتمدة عند المرور بالقرارات من مرتبة «الفكر» إلى مستوى «التنفيذ»

تسليط الأضواء على من يرون أنهم في صورة مالك الأضواء ذاتها، صعب بل وشديد الصعوبة، لأنّ من يرى في ذاته (البشر كما المؤسّسات) ماسك لنواصي المعرفة، من غير اليسير عليه (سيكولوجيا) أن يقبل بأن يلعب دور «موضوع» المعرفة.

هذا العدد الأوّل يأتي غوصًا في غياهب عديد معاهد الأبحاث ومؤسّسات الاستشراف، القائمة ضمن الواقع العربي، حين أتى بعضها فرعا لمؤسّسات قائمة الذات ضمن الفضاء الغربي، ليتبيّن للقارئ أنّ عنوان العدد : «مراكز الدراسات العربيّة : الأولويّات البحثيّة وصناعة العقول» لا يعمد تعريف «العربيّة» ضمن معنى المراكز العربيّة ذات النشاط العلمي الجدير بالمتابعة، بل (وهنا الخطورة) المراكز القائمة ضمن الواقع العربي، والتي تعتبره، لأسباب تاريخيّة كما إستراتيجية موضوع بحث دائم.

العلاقة بين أولويات البحث وصناعة العقول جدليّة، لأنّ الهدف الأساسي لهذه المراكز، وإن كان في الظاهر يتمثّل في «صناعة القرار» إلاّ أنّه مسعاه الأوّل يتمثّل في «صانع للعقول» سواء التي تستنبط (هذا) «القرار» أو الأخطر من ذلك بكثير، تتولّى إنفاذه، ليكون السؤال عن العلاقة الجدليّة بين جميع حلقات السلسلة التي تتأسّس عليها هذه المعاهد وهذه المؤسّسات، أيّ «النفعيّة» على اعتبارها الغاية والمنتهى، حين قامت هذه المراكز (افتراضًا) على «المعرفة المجرّدة» في بعدها الأكاديمي الصرف والخالص.

120622828_3483545008333959_5723007828930568018_nأولويات البحث أخذت من هذا العدد حيزًا هامّا على اعتبار المعرفة غابة مجهولة العمق، ليكون السؤال عن مسار البحث ومصير العلم الحاصل، لتتأكّد المعركة أو هو الصراع الباحث رغبة في تحصيل التوازن التوازن وليس تأمين الغلبة، بين من ناحية بين المقاربات الأكاديميّة المجرّدة، في بعدها الهلامي أحيانًا، مقابل ما يعترض السياسيين من أسئلة مفاجئة بل صادمة أحيانًا، على هذه المعاهد وهذه المؤسّسات أن تنطلق من مقاربات مجرّدة لتصنع من الأدوات ما يمكّن صاحب القرار السياسي من تأمين جواب فاعل ونافذ، بمعنى تأمين «المصالح»، وهو الغاية والمنتهى في السياسة.

هذا العدد الأوّل، التي تصدره مؤسّسة «أبعاد» رغم محدوديّة الأمثلة التي شملتها الأبحاث، أيّ 11 مركزًا، إلاّ أنه صنع باب معرفة ليس فقط لم يسبق لغيره أن صنعه، بل لم يجل بخاطر أيّ باحث أو معهد أو مؤسّسة ضمن الفضاء العربي، خاصّة «أولويات البحث»، أيّ تأثير الواقع المعيش، بالمعنى المصالح في أبعادها الشاملة، على المقاربات العلميّة المجرّدة (افتراضًا)، وكذلك «صناعة العقول» أيّ اليد التي ستمسك آلة صناعة القرار.


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي