آمال القرامي: صناعة «المعرفة» وتصنيع «الحقيقة»…

17 أبريل 2016

مشكلة آمال القرامي وكامل المدرسة التي تنتمي إليها، خاصّة (العُراب) عبد المجيد الشرفي، ما يعيشون من «قطيعة» أو هو «الانفصام» (بمعنى علم النفس السريري)، بين ما يرون في أنفسهم من «معرفة» (أكاديميّة)، من جهة، مقابل عجزهم التام (سواء بمفردهم أو بالمساعدة) عن جعل الناس، في مأكلهم ومشربهم وسائر شؤون عيشهم يتوافقون مع هذه «المعرفة» (الأكاديميّة)…

يتعمّق هذا «الشعور» عندما يقارنون بين المناصب «الأكاديميّة» (الأرفع) في البلاد التي يتقلّدون من جهة، وبين ما هو «الإشعاع» الحقيقي داخل المجتمع…

 

دون الحاجة إلى دراسات أكاديميّة أو أبحاث اجتماعيّة (ميدانيّة)، يمكن الجزم أنّ الشأن «السياسي» (في علاقة بالمسألة «الدينيّة») لم يعد بين «طرفي الصراع» طوال العقود الثلاث الماضية، أيّ «العلمانيّة» مقابل «الإسلام السياسي»، مع ما جدّ من «عنف» (ضمن أوجه عديدة)، بل تحوّل الأمر إلى صراع بين «طيف» (داخل تونس) «يطير» من خلال «جناحين»، أيّ النهضة (الاسلاميّة) والنداء، مقابل «اسلام سياسي متطرّف» (أي السلفيات بأنماطها)، ممّا يعني:

أوّلا: أنّ (طيف) «الإسلام السياسي» تفرّق بين طرفي الصراع، أيّ أنّ «محاربة التطرّف» (الإسلامي) يمرّ (حتمًا ولزامًا) من خلال «التحالف» (الوثيق) مع «الاعتدال الإسلامي»، علمًا وأنّ هذا «الرأي» غالب على «مراكز القرار» في العالم. «مراكز قرار» تحظى بما يمكن الجزم أنّه «احترام شديد» من قبل أصحاب هذه «المعرفة الأكاديميّة»…

ثانيا: لم يعد «النظام» (أيّ الدولة العميقة) في حاجة إلى (هذه) «المعرفة الأكاديميّة»، حين لم يعد «الإسلام السياسي» (بكامله خصمًا)، بل أقصى ما تمارسه آمال القرامي ومعيتها، أن تكون «أداة استفزاز» أو هي «مشاكسة» للنهضة، من باب «المقايضة» وليس حرب «الوجود» أيّ «تجفيف المنابع» (في السابق)… [كمال الجندوبي أنموذجًا]…

من «تابعٍ» (في الترتيب)، من باب «التحالف» مع «النظام» (قبل 17 ديسمبر)، حين جمع «كره الإسلاميين» الطرفين، تحوّلت (هذه) «المعرفة الأكاديميّة» إلى «جيش احتياط»، تُخَاتل به «الدولة العميقة» حركة النهضة من باب تحسين شروط «التفاوض»، ممّا يعني ليس فقط «سقوط» (هذه) «المعرفة» (الأكاديميّة) إلى درك أسفل، بل (وهنا الخطورة) أنّها تتلقى (أحيانًا) بعض «التأديب»، سواء جاء ذلك من باب «التذكير» (بالمقامات) أو (وهذا الأخطر) ارضاء للنهضة وعمقها الشعبي.

 

تصريح الأستاذة آمال القرامي بقبول «وزارة الشؤون الدينيّة» في حال عُرضت عليها، يأتي استفزازًا مجانيّا (من منظور سياسي) لطيف (غير قليل من المجتمع)، حين لا تميّز هذه الأستاذة (ومن معها) بين:

أوّلا: أنّ مسألة «الاسلام السياسي» انتقلت (بل قفزت) إلى «الاسلام الاجتماعي»، حيث يشعر «المدمن على الخمر» في «أقذر حانة» (في البلاد) بأفظع شعور بالذنب وهو يحتسي «المعصية» (التسمية المتداولة بين السكارى)، وفي قرارة نفسه يحلم بأن يواظب الابن على صلاة الفجر حضورًا، دون أدنى اقتراب من «أم الخبائث» وأن تكون البنت عفيفة شريفة أو (ربّما) كان أفضل لها «ارتداء الحجاب»…

ثانيا: يأتي «العمق الإسلامي» (في تونس) بفعل «سنوات الجمر» وكذلك (وهذا الفارق) «الخوف المتواصل»، دون أن نُغفل فشل مشاريع «الحداثة» (في البلاد)، أقرب إلى «سلفيّة السيد قطب» (أمّ السلفيات جميعها) على مستوى الوعي والادراك، ممّا يعني أنّ (إعادة) إخراج «الحاكميّة» إلى «الشارع» (السياسي) ليس من الأمور الواردة، فقط، بل هو «السلاح» الذي سيستفيق حتمًا في دماغ «حسين الجزيري» (عاشق راقصة الحصان) وكذلك سمير ديلو (غير الرافض للمثلية الجنسية في البلاد)، ليس (ضرورة ولزامًا) من باب «العقيدة» (أي الإيمان) بل على اعتبارها (الحاكميّة) «السلاح الأفضل» بل «المجاني» لشحذ الهمم ورفع المعنويات، بل (وهنا المفصل) تمثّل الدرب (الأوحد والوحيد) إلى «الجنّة»، حين تصير «جهنّم» على الأرض…

 

في بلد لا يزال الصراع (العنيف) والخوف (على الوجود)، أساس الفعل وردّ الفعل السياسي، يمكن الجزم أنّ «المعرفة الأكاديميّة» (سلاح أمال قرامي ومن معها) لا تعدو أن تكون سوى «ماعون صنعة» أيّ «غاية في ذاتها» حين انعدمت جدواها الاجتماعيّة، بل يمكن الجزم أنّ «أصحاب المعرفة» في عجز عن فهم:

أوّلا: الفوارق الأبستمولوجيّة والسيكولوجيّة بين «المعرفة» (الأكاديميّة المجرّدة) في مقابل «الواقع» (الاجتماعي والسياسي)، ممّا يعني أنّ «الحديث» (الأكاديمي) عن «الواقع السياسي» لا يمثّل (في معظم الحالات) «التعبير السياسي» (الأفضل)، حين نعتبر «السياسة» (من منظور علم الدلالات) على أنّها تخضع إلى «جدليّة التلقّي» وليس «أليات الصياغة»، ممّا يعني (اختصارًا) أنّ «بهاء الخطاب الأكاديمي» عاجز (بمفرده) عن التحوّل إلى «قيمة مضافة سياسية»، بل فقط (في أقصاه) يمثّل «محفّزًا» catalyseur، مثل ما حصل أثناء الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة، حيث طبخ «أهل المعرفة الأكاديميّة» ليأكل الباجي ومن معه، ثم يتنكرّون لهذا «الطبّاخ» أو يلعنونه…

ثانيا: اللجوء إلى «تكثيف الخطاب» أو إلى «الخلاصات» يأتي (دائمًا) أقرب إلى «الصدمة» (أو هي الصدمة) التي جعلت المجتمع، المحافظ على مستوى المرجعيّة الأخلاقيّة، والأقل محافظة على مستوى الممارسة، يرفض (رغم هذا الانفصام) هذه الأحكام، سواء تعلّق الأمر بتقلّد امرأة مثل أمال القرامي لمنصب وزير الشؤون الدينيّة، أو ممارسة الجنس خارج مؤسّسة الزواج أو زواج المسلمة بغير المسلم أو المساواة في الإرث، حين تأتي جميع هذه المواقف «رائعة» بل «بطوليّة» ضمن «النسق الأكاديمي» (الحاضن للجماعة) أو حتّى تصلح جدّا للتسويق في الغرب، لكنّها (وهنا الانفصام والقطيعة) عاجزة عن التصريف داخل «الحدود الجغرافيّة للبلاد التونسيّة»، بل هي تؤتي عكس «الأُكل» المطلوب…

 

هي أزمة فكر، وأزمة عقل، وأزمة وعي، تمسّ البلاد بكاملها، ممّن تريد أن «تصير وزيرة شؤون دينيّة» إلى «الاسلامي» الذي «يحلم» بأن تصير «راقصة الحصان» جليسته في «مونبليزير»…


284 تعليقات

  1. أعتقد أن أهل النهضة إستحبوا النفاق و المداهنة علهم بذلك يجتازون الأزمة الراهنة
    أما جماعة آمال القرامي فإنهم تائهون بوصلتهم في متاهتهم هي التغريب والعداء للدين
    فك الله أسرنا و نجانا من النفاق و التيه

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي