أردوغان في السعوديّة: إخواني على وهابي، يفتح الله

30 ديسمبر 2015

الذي يراجع الصحافة (شبه) الرسمّية في تركية، سيجد أنّها تناست فجأة وعلى حين غفلة، أنّ المملكة العربيّة السعوديّة، ذات المذهب الوهابي معادية وجوديا، لتنظيم الإخوان وفكره، وأخطر من ذلك مثلّت (كمثل التظاهرات الكرويّة) «الراعي الأبرز والأرفع» لانقلاب السيسي على مرسي.

في المقابل، ستمحو الصحافة السعوديّة أو من تلعق من على موائد آل سعود، من لسانها كلّ ما كانت تذكره (في المناسبات وعند الضرورة) عن «الجذور الاخوانيّة» لحزب العدالة والتنمية وكذلك أنّ هذا الحزب وهذه الدولة، أيّ تركية مثلت (كمثل التظاهرات الكرويّة) «الراعي الأبرز والأرفع لارهاب الاخوان» في مصر.

الحديث (الصحفي) سيكون سمنا على عسل البيانات (الدبلوماسيّة) بمناسبة زيارة رجب الطيّب أردوغان إلى المملكة العربيّة السعوديّة، وسيتناسى الطرفان أو هما سيفتحان قوسًا (مؤقتا) لا أحد يعلم مسافته الزمنيّة أو مدى «شهر العسل» هذا…

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2015-02-26 15:55:20Z | | ÿ%$kÿ%(sÿ))|ÿ¯´>

أردوغان ـ الملك سلمان

 

الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ رجب الطيب أردوغان ذهب إلى المملكة وقابل الملك سلمان وهو «يطلب نارًا» يستعين بها على «الدبّ الروسي» (أوّلا) العدوّ المشترك الأكبر، والمهدّد الأساسي للطرفين، حين يمكن لأيّ عقل سياسي أن يفهم أو يدرك أنّ «الخطر الروسي» (المشترك) على الطرفين، كاف ليس فقط لنسيان (مؤقتا) أحقاد الماضي وضغائن التاريخ، بل للدخول (من أجل البقاء) في حلف استراتيجي (ربّما) قد يدوم إلى حين…

يتعارض مع «الخط الروسي» (المشترك)، «المدّ الشيعي» الذي لا يراه الطرفان بالعين ذاتها، حين لا تميّز الرياض بين «الخطر الروسي» و«الخطر الايراني» سوى في الشكل وكيفية التهديد، في حين ترى أنقرة أنّ الروس أخطر بكثير، حيث تأتي العلاقات بين أنقرة وطهران ممتازة بل متطوّرة في شدّة على المستوى الاقتصادي، رغم «الحرب الباردة» الدائرة بين الطرفين في سورية.

من الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ الرياض لا تنظر إلى العلاقات التركيّة الإيرانيّة بعين الرضا، ومن الأكيد كذلك، أنّ الرياض عملت وتعمل وستعمل دون هوادة، على «عزل إيران» عن جميع جيرانها وعن جميع شركائها وعن جميع حلفائها، إن استطاعت، ومن ثمّة يمكن الجزم أنّ الخلاف حول هذه النقطة «شديد وجوهري» بين الطرفين، بين الرياض الذي ترى في إيران «عدوّ» تاريخي ووجودي، سيّما على المستوى العقدي والمذهبي وترى في الروس خطرًا عسكريا، (قد) يبدأ بكسر شوكة المملكة في سوريا وينتهي إلى التركيع في اليمن (أو العكس)، على خلاف أنقرة، التي عملت وتعمل وستعمل على تحييد نظام طهران وجعله أقلّ فاعلية في «الحرب» (الدافئة) التي تدور بينها وبين الروس…

لا معنى لدى أنقرة ولا رغبة لها في إنشاء هذا «الحلف الاسلامي المعادي للارهاب» (الذي دعت إليه السعوديّة) حين لم يهدد هذا الارهاب تركية، بل هو نفع (مباشر أو غير مباشر) لها، حين تأتي جميع «الحركات الارهابيّة» (ضمن المفهوم التي تريد السعوديّة تسويقه) في عداء مع «عدوّ تركيا» (أي النظام السوري).

البعد العقدي والمذهبي، سواء على مستوى الانتماء أو تحديد الحلفاء أو تعيين الأعداء هو الأهمّ، على المستوى الاستراتيجي، ومن ثمّة تأتي العداوات «ثلاثيّة» أحيانًا، كمثل «الإمارات ـ تركية ـ سورية» حيث يعادي كلّ منهما البقيّة، في حين عملت السعوديّة وتعمل منذ وصول الملك سلمان، بحكم «الخطر الحوثي» على انزال «الاخوان» (واخوانهم الأتراك) من رأس قائمة الأعداء، بل (وهنا تأتي أهميّة زيارة أردوغان) تحويلهم إلى «العمود الفقري» لمحاربة الروس ومصارعة إيران.

يدرك الأتراك أنّ السعوديّة (الوهابيّة حتّى النخاع) لم تُشف من عقدتها تجاه «الاخوان» ومن ثمّة ستتحدّد العلاقات بين الطرفين، أو بالأحرى مستقبل التعاون بينهما على أساسين:

أوّلا : حجم الخطر المشترك

ثانيا: حجم المنافع المتبادلة

يتفق الطرفان في تحديد الخطر الروسي، وأنّ بوتين لم يُنزل جنوده وعتادهم الضخم والاستراتيجي في الساحل السوري، ليخسر ويعود إلى موسكو «يجرّ أذيال الخيبة». روسية تلعب وجودها ومستقبلها وتأثيرها على مدى عقود عديدة إن لم نقل قرونًا، ومن ثمّة (في أقلّ الحالات) لن يدفع الروس الثمن بمفردهم، بل سيجعلون الأخرين يألمون مثلما يألمون، ممّا يعني أن «هزيمة» موسكو أمر استراتيجي مشترك بين أنقرة والرياض، إلاّ أن تحديد الخسارة وشكلها، بل ومفهومها وكيفية انجازها، ستبقى من المسائل الخلافيّة بين البلدين.

يعلم الملك سلمان وكذلك الرئيس أوردوغان، أنّ لغة الصحافة الرقيقة ولسان الدبلوماسيّة الرطب، عاجزة عن محو «الثأر التاريخي» بينهما، حين وضع تنظيم الإخوان ولا يزال (ذراعه الدوليّة على الأخصّ) إسقاط النظام السعودي على رأس الأولويات التاريخيّة:

أوّلا: لرمزية المكان، حيث مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة ومهبط الإسلام، وما لذلك من قدرة على احداث الرمز وصنع الرسالة (الاخوانيّة)

ثانيا: يعتبر الإخوان أنّ نفط آل سعود ملك لجميع المسلمين، ومن ثمّة هو قادر على دفع تنظيمهم

الخطر الإخواني على قائم السعودي منذ نشأة التنظيم، وتأتي الخلافات داخل المملكة في تحديد أولويّة الخطر: هل الجيش المصري (الذي فتح في السابق جبهة اليمن)، وسعى (زمن عبد الناصر) لقلب النظام في المملكة أخطر، أم الاخوان وما يمثلون من «منافس عقائدي»، علمًا أنّ المملكة صرفت منذ نشأتها على نشر المذهب وجعله يغطي العالم الإسلامي، أكثر مما صرفت على شعبها وجيشها وكل متطلبات الدولة، لعلم قادة المملكة ويقينهم أن «المذهب الوهابي» مقرون بالسيطرة على الأماكن المقدّسة الإسلاميّة يأتي أفضل سلاح بيد المملكة…

يعلم أردوغان هذا ويعلم أن قادة المملكة يعلمون أنّه يعلم، ومن ثمّة تأتي العلاقة بين الطرفين أقرب إلى «تأجيل الحساب» إلى حين الانتهاء من اسقاط «الدبّ الروسي» أوّلا، ومن ثمّة يكون لكلّ حادث حديث، خاصّة وأنّ الحالة الاقتصاديّة لتركية أفضل بكثير ممّا هي عليها المملكة، سواء على المستوى تركيبة الاقتصاد أو شكله، ممّا يعني في السنوات القليلة القادمة، أن أنقرة ستعاود «العادة العثمانيّة» في إرسال العطايا والهدايا (من الباب العالي) إلى «أكابر مكّة»… حلم يراود (سي) الطيّب بالتأكيد…


336 تعليقات

  1. شكرًا على التفضل بالمطالعة والتعليق:
    علينا أوّلا الحسم في مسألة المعلومات المجرّدة، التي لا يمكن لأي كان سواء أن يختلقها أو ينفيها:
    أولا: الصراع قائم ومتواصل وهو صراع وجود بين المملكة (المتبنية بالكامل للفكر الوهابي) في مقابل تنظيم الاخوان، ولم تتجاوز “حالات الصفاء” (بينهما) زمن فيصل (أو غيره) وجود “عدوّ مشترك” (حينها) ممثل في “مصر” (تحت حكم الجيش) الذي أرسل جيشه إلى اليمن لمساندة أعداء المملكة، وبالتالي يمكن الجزم (بالثوابت التاريخية) بحال العداء وكذلك بوجود “عدو مشترك” حينها.
    ثانيا: دعم السعودية (زمن عبد الله) للانقلاب على الاخوان، يتأسس ضمن العقيدة الوهابية وضمن مسعى آل سعود لكسر الاثنين بأن يضربا بعض، بل ان الخلاف بين السعودية والامارات يأتي على مستوى أولوية العداء للجيش ام للاخوان في مصر؟ حين الحسم ثابت (للسعودية والامارات) بأنهما يمثلان خطرا.

    امّا عن علاقة تركيا بالكيان الصهيوني، فأنت تدخل جانب التعليل القائم على القناعات الذاتية، التي أحترمها ولا أتقاسمها، ومن ثمة يكون النقاش فيها مردود على كل منّا (من الأخر) بحكم الانطلاق من ثوابت مختلفة، وليس (بالضرورة) من “الجهل” (كما تقول)…
    دون ذلك أهلا وسهلا

  2. د. محمد الصّحبي العمري

    بادئ ذي بدء أتمنّى لك أخي نصر الدّين سنة مباركة، ثمّ كنت أودّ أن تأخذ في تحليلك الذي تناولت فيه التقارب القسري بين الرياض وأنقرا، عامل أراه مهما، ألا وهو تزامن هذا الإلتقاء على إسقاط الرّوس (الحامي/الحرامي) مع تقارب آخر مع اسرائيل وعودة تركيا إلى أحضان طليقتها (لأنّ الطلاق لم يكن بالثلاثة) وماهي خلفيات وأسرار هذه العودة إلى تل أبيب بعد سنوات عجاف؟ هل هو لضمان دور ونصيب لتركيا في التركيبة القادمة في الهيمنة على مقدّرات الدّول الشرق أوسطية الغنية المتهاوية أو التي ستتهاوى حسب خارطة الشرق الأوسط الجديد؟ وأعتقد على هذا الأساس ننظر إلى ما افتعلته فرنسا من عمليات ارهابية لتنضم على عجل للدّفاع عن الشعب السوري ونصرته حيث البكاء على حالته أدمى مقلة هولاند الرشيد ومزّق قلب لوران (س) العرب فابيوس اليهودي

    • شكرا على عبارات الودّ والمحبّة ولك مني مثلها أو أفضل منها
      أمّا بخصوص ملاخظاتك، فالرد يكون على المستوى الشكلي (حصرًا): هذا مقال وليس دراسة أو كتاب، حتى أستوفي الموضوع من جميع الجوانب
      مقالاتي تدور جميعها في فلك 700 كلمة (تنقص أو تزيد قليلا)، ومن ثمة وجب أن أختار زاوية رؤية
      مع التحية والاحترام

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي