أسامة الخليفي: دموع تمساح أمام قناع متهالك

29 فبراير 2016

مهما يكن الموقف ممّا قاله أو بالأحرى نطق به أسامة الخليفي ممثلا لحركة نداء تونس في افتتاح المؤتمر الجهوي للنهضة في ضواحي تونس العاصمة، إلاّ أنّ الجزم قائم بأنّ الرجل «لم يرتجل شيئا»، بل جاء لينطق «نصّا مكتوبًا»، بل هي «رسالة» (مضمونة الوصول)…

الخطاب أو هو المحتوى مثّل «مفاجأة»:

أوّلا: لوضوح المحتوى وابتعاده عن «الغموض» القادر على فتح الباب أمام «التصنيفات المريبة» أو «التأويلات المغرضة»، بل جاء الكلام «صافيا» على مستوى «المبنى» (اللغوي) كما هو «المعنى» (الدلالي)…

ثانيا: للصدمة التي أحدثها داخل قاعة المؤتمر أوّلا، وكذلك أمام الرأي العام السياسي والإعلامي، ومن ورائهما كلّ دوائر الالتقاط والتقاطع…

الاعتذار جاء أكثر من (مجرّد) رغبة في «اغلاق حقبة» أو هو رغبة في «فتح أخرى»، بل هو «اعتراف من «الدولة العميقة» (أو جزء منها على الأقلّ) بما كان في الماضي من «آلام ودماء وجراح وعذابات»…

 

أسامة الخليفي

أسامة الخليفي

يدرك نداء تونس، أو هو شقّ الباجي قائد السبسي أنّ لا خيار أمامه (بمفهوم الحساب العقلاني والقراءة البراغماتيّة) أمام حجم الصراعات الدائرة والرهانات القائمة سوى «اللجوء إلى بيت أبي معاذ» (راشد الغنوشي) ليجد الحماية والرعاية وحسن الوفادة، في حين تفهم النهضة جيّدًا، أن هذا «الاعتراف» (الصريح والعلني) يعفيها من سنوات من الجهد والعناء وربّما من الصراعات المريرة والحروب المكلفة.

 

مهما تكن التسميات أو هي التوصيفات للعلاقة القائمة بين كلّ من النهضة والشق الذي يمثله أسامة الخليفي في النداء، ومهما تكن «القاعدة الندائيّة» المؤمنة بضرورة إعلان هذا «الاعتذار»، يمكن الجزم من باب اليقين أنّ العلاقة في أساسها علاقة «مصلحة» أملتها «قراءة موضوعيّة» (من الطرفين) بناء على مقاربة أبعد ما تكون عن «العواطف الجياشة» وكذلك «النوايا الحسنة» أو هي «الأماني الصادقة»…

فهم الباجي قائد السبسي كما راشد الغنوشي، بناء على قراءة المشهد السياسي في تونس، وتأكّد الأمر بُعيد الانتخابات التشريعية والرئاسيّة، أنّ «الخيارات الأخرى» أيّ التحالفات التي تمّ التلويح بها أو العمل من أجلها (أثناء الانتخابات) لا تتجاوز صلاحياتها أو بالأحرى جدواها «زمن الانتخابات»، ومن ثمّة نفهم «انقلاب» الباجي من «التصويت المجدي» Le vote utile إلى «التوافق» مع «صديقه اللدود» راشد الغنوشي، حين كانت النهضة فهمت المعادلة مسبقا، وأرسلت من «الغمز» (المبطن) وكذلك «الغزل» (المفضوح)، ما جعل الباجي ومن وراءه، يفهم بل يدرك بمعنى اليقين أنّ «صوت العقل» هو السائد بل المسيطر على القرار السياسي (داخل الحركة)، في حين ذهب «رعاع الحركة» وجزء من القيادات الوسطى في خدمة (الخصم) محمّد المنصف المرزوقي، من باب «تلطيف المشهد» أكثر من «تعديل الموازين»…

 

حين نريد مشهدًا تشبيهيا، يمكن الجزم أنّ تونس أشبه بباخرة «تيتانيك» (مع تأجيل التنفيذ)، على ظهرها كوكبة من السياسيين، يتوزعون بين من يبحث بل يحتاج إلى «حلاوة المشهد» في حين يبحث «الشيخان» عن «فاعليّة الحركة»، لاختلاف «وازع الوجود» بل تضاربه داخل هذا «الطيف السياسي» المتراوح بين من يبحث، بل يرضى بمنصب «عمدة» (في حيّ هامشيّ)، مقابل من يحمل «هاجس التاريخ» ومن ثمّة «ترك البصمة»….

 

كمثل الأحياء الشعبيّة، حيث القيل والقال يحدّد جزءا هامّة من «الهويّة المجتمعيّة»، لم يعد النداء والنهضة يوليان أهميّة إلى مثل هذه «الأحاديث» التي تتدثّر بما هي «الأخلاق» أو «الثورة»، أو حتّى «مقاومة التطرّف» وربّما «محاربة الظلاميّة»….

زيجة مصلحة أمضى الغنوشي نصفها الأوّل من على مؤتمر النداء، وجاءه أسامة الخليفي ليردّ التحيّة بما أراد أن تكون أحسن منها، بأنّ جعل من (سي) راشد الغنوشي، «زعيمًا وطنيّا» أرقى من «حركة النهضة» ومن ثمّة «أوسع مصداقيّة» من مجاله «الاسلامي» (التقليدي)، أي بصريح العبارة في مصاف الثعالبي وبورقيبة و(سي) الباجي…

 

هو كلام بكلام في جزء منه، لكنّه «كلام» يصلح للفرز الداخلي، سواء بين صفوف حركة نداء تونس، التي تحمل «هاجس البقاء»، أو داخل صفوف «حركة النهضة» التي لا تزال تعيش (على مستوى الوعي والذاكرة)، هي الأخرى «هاجس البقاء»، لذلك نفهم وندرك بل نوقن، أسباب ومردّ هذه «البراغماتيّة» (المبالغ فيها أحيانًا)، والتي حوّلت «التوافق» من «لعبة» (مغشوشة) بين من تبادلا الاتهامات جهرًا وعلانيّة، إلى «عقد زواج» كاثوليكي، أيّ غير قابل للفصل أو الانفصال، فما بالك بالطلاق أو حتّى «النشوز»…

 

في بلد الأفق «الأفق المسدود» وكذلك «الغد المجهول» وبلد «التغيرات الممكنة» المفتوح بين «الارهاب» (الرابض) وكذلك «التحركات الاجتماعيّة» (المغرضة) لا مناص أمام أسامة الخليفي (ومن معه) سوى اختيار «أقّل الحلول سوءا»، أو هي أقلّها كلفة إن لم تكن الأفضل استراتيجيا….

في المقابل، تفهم النهضة وتدرك أنّ معاركها جمّة وأن حروبها متنوعة ومتوزعة بين عمق نهضاوي لم يحسم أمره بين «ثقل التاريخ» مقابل «اهتزاز الحاضر»، وما هي العلاقة بين «التمكين» (بالمفهوم الاخواني) مقابل تصريف «المسلم الديمقراطي» (بالمفهوم المزايد على الحداثة)، وكذلك أمام محيط اقليمي وفضاء دولي، لم يحسما الأمر بخصوصها وإن كان في حاجة إلى «التصديق» (المؤقت والمرحلي) بدورها في الاستقرار، لغياب البديل المحلّي وكلفة ضرب النهضة أو التخلّص منها.

 

مهما تكن «نوايا» أسامة الخليفي عند نطق هذه «الخطبة» (العصماء) ومهما تكن «خفايا» ابتسامة شيخ النهضة عند سماعها، وهو من يوزّع الابتسامات دون حساب، فاليقين قائم بل هو جازم بأنّ هذا وذاك، لم يختر واقعه ولم يكن يملك غير (هذا) «الزواج»، ليكون السعي (من هذا وذاك) للتأكيد بل الجزم بأنّ «الحبّ» صادق (لوجه الوطن) وأنّ «النوايا» صافية…. إلى أن يأتي ما يغيّر المعادلة….


356 تعليقات

  1. هو اذا زواج المتعة”المجدي” ولو مؤقتا في بلد المؤقت الدائم ما دام مسار الثورة المتعثر كما الشعب نائم.

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي