أمريكا تقصف، فرنسا تفضح، تونس تكذّب، ليبيا تنزف، والجزائر تتوجّس

28 أكتوبر 2016

مسألة «القواعد العسكريّة الغربيّة» الأمريكيّة (في تونس)، تتجاوز مجرّد «خبر» أوردته هذه الوكالة أو تلك الصحيفة، مقابل «نفي» (لا يرقى إلى التكذيب القاطع) من قبل الجهات التونسيّة «المسؤولة»، ليكون ويكوّن صحبة أخبار أخرى (سابقة ولاحقة) لمناخ كامل من «الشكّ» وكذلك «الريبة»، ومن ثمّة «الخوف» المشوب بما هو «الغضب» (الشعبي)…

خطورة المسألة، أنّها خروج القضيّة من مجالها المحلّي البحت إلى مرتبة إقليمية أكيدة وبعد دولي لا يمكن نفيه، لتكون تونس (أو هي كانت ولا تزال) بحكم موقعها الاقليمي، والحركيّة التي تعرفها منذ 14 جانفي، أحد المحاور، أو (ربّما) «قلب» معادلة تمتد (على الأقل) من العراق إلى المغرب، مرورًا بكلّ من سورية وليبيا…

 

من ذلك يمكن الجزم أنّ الأهمّ من الخبر الذي أوردته ، وتناقلته وسائل إعلام أخرى بدءا بقناة «فرانس 24» وصولا إلى وكالة «رويترز» الأمريكيّة، ليكون السؤال (الأوّل) عن توقيت هذا «الاعتراف/التسريب»، وكذلك (ثانيا): ما الغاية من توريط تونس وجعلها في «عداوة» (حربيّة) مع (ما يسمّى) «داعش»؟؟؟

 

المهمّ (بل الأهمّ) ليس البحث عن مدى صدقيّة «واشنطن بوست»، وما نقلت عنها قناة «فرانس 24» (الفرنسيّة) أو وكالة «رويترز»، في النقل عن «مصادر حكوميّة أمريكيّة» صرّحت أنّ «طائرات (حربيّة أمريكية) تقلع من مطارات تونسيّة لضرب (ما يسمّى) «داعش (في ليبيا)»، بل السؤال أو هو التساؤل (مع وضع أسوأ الاحتمالات) عن الأسباب الذي دعت «واشنطن بوست» إلى «التفويت» في مثل هذا الخبر، وكذلك (والأمر لا يقلّ أهميّة) إسراع قناة «فرانس 24» (الحكوميّة الفرنسيّة) إلى التقاط الخبر ونشره على نطاق واسع، لينتشر الخبر انتشار النار في الهشيم زمن صيف قائظ؟؟؟

الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّنا لسنا ويستحيل أن نكون أمام «مصدر صحفي» (واشنطن بوست) مقابل «جهة عسكريّة» منفلتة أو غير منضبطة، بل نحن أمام «تعاون» وثيق، إن لم نقل «تباد خدمات وتقاسم منافع» بين «القرار العسكري»، ومن ورائه أو فوقه «القرار السياسي»، ليكون السؤال عن مصلحة «العقل المدبّر» (الأمريكي) في هذا «التفويت.

 

التكذيب التونسي جاء فاترًا، بل لا يزيد عن «الحدّ الأدنى المطلوب»، ليكون السؤال (من منطق الشكّ «المشروع») عمّا «خفي من الأمر»، خاصّة وأنّ سلسلة من الأخبار الأخرى المصاحبة (أو السابقة)، أسّست لمناخات من الريبة والشكّ، بدءا بإعلان وزير دفاع «جلالة الملكة» عن وجود 40 جنديا، يتعقبون (ما يسمّى) «داعش» في تونس، مرورًا بالمسلسل الأمريكي الذي يشخّص ضرب الجزائر بالأسلحة النوويّة، وصولا إلى «إلقاء القبض عن شابين أمريكيين بصدد الإعداد لعمليات ارهابيّة في منطقة جندوبة» في إشارة إلى القرب مع «الحدود الجزائريّة»، بل أبعد من ذلك (وهنا الخطر) أنّ الملف تكفّل به «قطب مكافحة الإرهاب» ليتم الإفراج عن «الشابين»، بفعل «ضغوطات من السفارة الأمريكيّة» (وفق مصادر عديدة)…

 

 

الأهمّ في خبر «القصف» يكمن في «هدف القصف» أيّ الجهة التي قصفتها الطائرات الأمريكيّة، ممّا يعني (وهذا لا يخفى عن رأي الحصيف) وضع تونس في علاقة «دم وثأر» مع (ما يسمّى) «داعش»، الذي سبق له أن «شرّع» عملياته الإرهابيّة بما يلقى من «هجومات»…

14724378_196165157458737_7037160534014785593_nملخص هذا «التصريح الأمريكي» أنّ تونس «ستصبح ضمن دائرة العمليات» لما يسمّى «داعش»، أيّ أنّها «قد» (ونقول «قد») تتحوّل إلى أرض قتال أسوة بالقطر الليبي، خاصّة وأنّ منطقة «سرت» بحسب عديد التقارير الصحفيّة، شهدت فرار عددا غير محددّا من مقاتلي هذا التنظيم الارهابي إلى تونس…

 

أعمق من هذا «التصريح/القنبلة» يأتي السؤال (بل هي إعادة طرح)، عن مصلحة تونس من «دخول (هذه) اللعبة» أصلا، مع التذكير أنّ كلّ من بورقيبة وكذلك بن علي رفضا «الجلوس تحت هذا السقف»، خاصّة وأنّ لحكومات ما بعد 14 من «الشرعيّة الديمقراطيّة» سواء منها الشكليّة أو الاعتبارية ما لم يكن لبورقيبة وبن علي، ممّا يعني أنّ هذه الحكومات ذات موقف أقوى وسقف أعلى أمام «الطرف الأمريكي»…

 

على المقلب الآخر، وضمن دائرة هذا «الاستهداف» المعلن، على الأقلّ وفق ما تنقله مصادر اعلاميّة «موثوقة ومعلومة»، يأتي تقرير «معهد الشركات الأمريكيّة» AEI التي حرّره «ميشال ريبان» الذي تمّ تقديمه في صورة «مسؤول سابق كبير في البنتاغون» وفيه (ملخصًا):

أوّلا: نبوءة بأنّ «الجزائر ستكون ثالث دولة غير مستقرّة في القريب العاجل، بعد اليمن وسورية.

ثانيا: نصيحة بعدم الاستثمار في المنطقة بكاملها.

أهميّة «التقرير» تكمن في أنّ صاحبه كان «المسؤول عن تدريب ضباط الجيش (الأمريكي) قبل ارسالهم إلى (منطقة) الشرق الأوسط وشمال افريقيا»، وهو يعلن أنّه اعتمد على «مؤشرات سياسيّة واقتصاديّة»… دون أن ننسى «المسلسل التلفزيوني» الذي يصوّر اعلان الحرب على الجزائر.

 

هو «مناخ» بكامله تسعى الإدارة الأمريكيّة للتأسيس له، بغية السيطرة على المنطقة، سواء من باب «خوف الأطراف الاقليميّة» واسراعها إلى «المطلوب» أو (وهذه الخطة البديلة) تحريك الارهاب (بمقدار) يمكّن من الذهاب بالوضع نحو الهدف المطلوب.

 

«محامو الشيطان» (أيّ من يمثلون دور «الدفاع» عن الموقف الحكومي التونسي) يجدون في «محاربة الإرهاب» مخرجًا وتعلّة، وكذلك أنّ «الوضع الاقتصادي» (في تونس) يدفع إلى مواقف «مهادنة» خاصّة وأنّ واشنطن تربط «آليا» بين مواقف تونس وموقف «البنك الدولي» الذي يخضع ليس فقط لضغوطات أمريكيّة، بل إلى أوامرها المباشر.

هدف الولايات المتحدة، وضع يدها المنطقة من خلال اسقاط الأنظمة القائمة وإحلال أخرى تكون ليس فقط أكثرًا لينًا، بل تعمل وفق نظريّة «الطاعة التامّة» سواء على مستوى استغلال الخيرات ومقدرات المنطقة، أو حرمان «أعدائها» أيّ روسية والصين (خصوصًا) من هذه الخيرات…

 

الولايات المتّحدة من خلال «التفويت» في المعلومات إلى صحافة في خدمة «المشروع الرسمي» ترمي إلى بثّ الرعب وإشاعة الخوف، لتنال بهذا «الرد» ما تقول (وتؤكّد) أنّها قادرة على نيله بالقوّة، أو بالأحرى من خلال إشاعة الفوضى المدمرة للشعوب والمنطقة…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي