أمريكا و«الإخوان»: من «قطيع» أوباما إلى «فريسة» ترامب…

12 نوفمبر 2016

من بركات «نجاح ترامب» في انتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة، أن أمر الرئيس المباشر باراك أوباما قيادات الجيش الأمريكي بما قالت وسائل الإعلام أنّه «استهداف قيادات» (ما يسمّى) «جيش الفتح»، أي التسمية البديلة التي اتخذتها «جبهة النصرة»، حين أرادت دخول معترك «الوجود السياسي» في سورية، استعدادا وتحسبّا لأيّ مفاوضات مقبلة أو قادمة.

وجب التذكير أنّ قيادات الولايات المتحدة (السياسيّة منها كما المخابرات والجيش) رفضت أو هي تفادت وتهرّبت من تحديد الفوارق بين (ما يسمّى) «داعش» من ناحية، مقابل (ما يسمّى) «المعارضة المعتدلة»، أيّ التي تحمل السلاح دون حمل «أفكار متطرفة» ومن ثمّة يكون من حقّها (وفق هذه النظرة الأمريكيّة) الجلوس على طاولة المحافظات وبالتالي تحويل مكاسبها العسكريّة إلى «رصيد سياسي»، سواء تمّ «إعلان كيان» (سياسي) أو ضمن لعبة «الفيدراليّة»، أو حتّى سياسة «الأمر الواقع» الذي تعيشه سورية على الأخصّ..

 

لا جزم بوجود علاقة تبعيّة (مباشرة أو غير مباشرة) تربط الولايات المتحدة (أو بالأحرى إحدى أدوات مخابراتها) من جهة، بما يسمّى «جيش الفتح» (أو «جبهة النصرة»)، فقط اليقين قائم بوجود «علاقة» سواء على مستوى «المصلحة» في اسقاط النظام، أو حتّى التنسيق وتقاسم المهام مع «التشكيلات المسلّحة» (الأخرى)…

 

انتصار ترامب، لن يمسّ هذه النقطة فقط من علاقة الولايات المتحدة بهذا «الفصيل» (المتطرّف)، بل سيعيد قراءة الولايات المتحدة (أو العقل المدبّر فيها) لكامل «المشهد الإسلامي» سواء منها «التنظيمات المعتدلة» (أيّ «الإخوان» ودوائرهم) أو «التنظيمات المتطرفّة» (أيّ ما يسمّى «داعش» وكذلك «النصرة» وغيرهما من ذات الطيف)…

راشد الغنوشي

راشد الغنوشي

وجب التذكير أنّ خروج بوش الابن وما أسّس له هذا الرئيس (ومن معه من طاقم تفكير وإدارة وقرار)، من تدخّل عسكري مباشر، وأساسًا الإفلاس الذي بلغه مشروع «المحافظين الجدد»، دفع (حتّى قبل هذا الخروج وهذا السقوط) مراكز أبحاث قريبة من الديمقراطيين أو هي تابعه لهم، إلى بلورة «علاقة» (أخرى) مع «الإسلام السياسي»، تواصل من خلالها (أي العلاقة)، اعتماد (ما يسمّى) «الإرهاب» من أجل زعزعة «المشهد الإسلامي» بل الانتقال به (أيّ الإرهاب «الإسلامي») من طيف «الجماعات الفاعلة» (في الخفاء) إلى مصاف «الجيوش القائمة» (في العلن)، بمعنى الخروج من فكر «القاعدة» وممارسها إلى فكر (ما يسمّى) «داعش» وممارستها.

 

في المقابل، وفي علاقة بما يسمّى «الإسلام المعتدل» («الإخوان» ودوائرهم)، يتمّ المرور بهم من دائرة «الاتهام المعلّق» (الذي يتطلب إثبات البراءة) إلى مرتبة «الفاعل السياسي» (على الأرض). من ذلك شهدت فترة أوباما وصول «فروع الإخوان» إلى الحكم في كلّ من تونس مصر وكذلك المغرب، دون أن ننسى الدور المتقدّم لهذه «الجماعات» في كلّ من ليبيا واليمن وسورية، على اعتبارها، ضمن «الفئة الأولى» من اللاعبين أو المتربعين على رقعة السياسة في كلّ بلد…

 

تحوّلت «فروع الإخوان» من مرتبة «الطريد/الشهيد» إلى دور «الحاكم» أو المشارك في الحكم، سواء بمباركة أمريكيّة أو هي الموافقة أو حتّى المساعدة، بل دافعت جميع الأصوات «الديمقراطيّة» (في الولايات المتّحدة) عن هذا «الإسلام المعتدل» القادر (في الآن ذاته) على «المشاركة في صياغة حكم» (ديمقراطي) وكذلك (وهنا الأهميّة) ضمان «المصالح الأمريكيّة» دون أن ننسى القدرة أو دور التصدّي (المفترض) لما هي «الجماعات المتطرّفة»…

مثلت سورية «نقطة لقاء» أو هو «المخبر المفتوح» أمام الأمريكان، لتجربة «دمقرطة الإخوان» كما «عسكرتهم» في وجه نظام الأسد، لذلك، مارست «فروع الإخوان» في بلدانها «الديمقراطيّة» في «اقتدار مذهل»، في حين أنّها باركت ورعت بل وشجعت وغذّت «تنظيمات متطرفّة» (في سورية)، سواء كانت محسوبة على «الإخوان» (مباشرة) أو ضمن «الطيف الجهادي» (الواسع والمتمدّد أو هو المتبدّل على الدوام)….

 

هو «الغباء الأمريكي» أو هو «عضّ النظر» عن هذا «اللقاء» أو «التماس» إن لم نقل «الانسجام» بين (ما سمّاه راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسيّة) «الإسلام الغاضب» مع «الإسلام الهادئ» أو هو «الوقور» إن لم نقل «الديمقراطي» (الضاحك)، ليعترف زعيم النهضة وأحد أكبر المنظرين (عن «زلّة لسان» حاول نكرانها) بما هو «الإسلام الديمقراطي»، ليكون الانتقال من «الهدوء» إلى «الغضب» مسألة «مزاج» (لا غير)، تمارسها جماعة «الإخوان» في سورية، حين صارت دولة قطر، وما للإخوان فكرًا وتنظيمًا من قدرة وسيطرة على إعلامها، إلى «الراعي» الرسمي أو هو المعلن لما هي «جبهة النصرة» في شكلها الجديد، أيّ أن تكون تنظيمًا يجمع بين صورة «الجهاد» (المحمود أمريكيّا) ضدّ النظام (هناك)، مع تلك الصورة «الإخوانيّة» الأقرب أو هي المتماهية مع «الفكر القطبي» القائم على «الحاكميّة»، التي تدّعيها «النصرة» وتمارسها جهرًا وعلانيّة…

 

 

فشل مشروع «المعارضات المسلّحة» («الإخوانيّة منها أو الجهاديّة) في سورية كما العراق، خاصّة بعدما دخلت روسية المعادلة بكلاكلها، وإثباتها (عديد المرّات) أنّها (قد) «تجهل فوق جهل الجاهلين» مهما علا السقف وارتفع الرهان، جعل الولايات المتحدة، تتيقن من أنّ (هذا) «الإسلام السياسي) بشقيه الإخواني كما الجهادي، بلغ «الحد الأقصى للاستهلاك»، ومن ثمّة جاء انتخاب ترامب (في ما جاء) مجيبًا على «حيرة الديمقراطيين» (هذه)، من خلال ما أعلنه ترامب أو ما قرّره أوباما، أنّ «الإسلام» (السياسي) «ملّة واحدة»، بما يعني الرجوع أو التراجع «الفقهي» (الأمريكي) إلى «نقطة البداية» أو يزيد، عن ذلك من خلال الرغبة في التخلّي عن «الإسلام الجهادي»…

سيدفع «الاخوان» باهضًا ثمن مراهقة تاريخيّة، أثبتت بالدليل المادي تراوحهم بين غباء قاتل مقابل جهل مدقع، حين أرادوا «تمرير الوقت» وكذلك «مخاتلة الولايات المتحدة»، التي لا يعلمون (بحكم انتمائها إلى الفكر الغربي/الإغريقي) أنّها تقدّس (قيمة) «المعلومة» كما تقدّس (عنصر) «الزمن)، بل تزاوج بينهما، لتكون (بالتأكيد) مدركة لما مارس «الإخوان» معها أو تجاهها من «تقيّة» (حلال)، وقد استنفذت طاقاتهم وأهدرت «رأسمال الرمزي» (الإخواني) في أوطانهم، كما ورّطتهم في سورية أو ربّما تورطهم في مصر.

 

سيدفع «الإسلام الإخواني» الحساب باهضًا، حين اعتادت الولايات المتحدة أن تجعل «أدواتها» يدفعون الثمن عوضًا عنها، بل من المؤكد أن تذهب «الإدارة الأمريكيّة» (القادمة) إلى ابتزاز الإخوان (في أوطانهم) أبعد بكثير ممّا كانت تفعله «الإدارة الديمقراطيّة»، وهي تعلم (أيّ واشنطن) أنّ لا غضاضة لديهم في الانحناء أكثر وفي تمطيط أجسادهم، وقد حسبوا (غفلة) أنّهم أصحاب قدرة على «التمطيط» دون حدّ…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي