الانتخابات البلديّة: كلّ يغنّي الموّال الذي يرضيه…

8 مايو 2018

قبل صدور النتائج النهائيّة ومعرفة الأرقام والنسب والمقادير في بعدها الكمّي، يمكن الجزم أنّ الانتخابات البلديّة باحت قبل أن تنطلق بأسرار عديدة، وشاركت (وستشارك) في رسم الخارطة السياسيّة وتعديل موازين القوى داخل البلاد، سواء في علاقة بطبيعة العلاقة الرابطة بين الفاعلين على الساحة السياسيّة أو في علاقة بالمحطّات الانتخابيّة القادمة.

أولى الحقائق التي برزت وأعطت صورة عن المشهد السياسي تمثّل في القدرة على تشكيل القائمات الانتخابيّة ومدى النجاح في تغطية ما تيسّر من 350 دائرة انتخابيّة، لتظهر حينها القدرات التنظيميّة لكلّ جهة سياسية مشاركة في الرهان السياسي، لتحدّد قبل الوصول إلى صناديق الاقتراع صورة أولى هامّة وأكيدة، تتشكّل على أساسها موازين القوى في بعدها الأساسي.

تأكّد بما لا يدع للشكّ أو بالأحرى ترسّخت صورة بدأت تتعمّق في تونس منذ سنوات عن وجود قوتين أساسيتين في البلاد، تقدران دون غيرهما على تغطية كامل المجال الانتخابي المطلوب، هما «حركة النهضة» (الوجه الأبرز والصورة الأهمّ للوعي الديني)، مقابل «الدولة العميقة» (المتمثّلة ظاهرًا في شبكات «نداء تونس»)، ليجدّد السؤال عن قدرة «بقيّة الأطراف» ليس فقط على نيل «نصيب محترم» بل في التحوّل إلى «لاعب» قادر على «تثليث» اللعبة السياسيّة في البلاد، على الأقلّ في الحدّ الأدنى، بمعنى الديمومة والمواصلة، وليس الظهور الظرفي والعابر، كما كان حال «الاتحاد الوطني الحرّ» وكذلك «حركة آفاق تونس»، حين رأينا سرعة الأفول بقدر ما شهدنا سرعة الصعود.

مركزيّة الدولة منذ العهدين الحفصي وكذلك الحسيني وما رسّخه الاستعمار الفرنسي وعمّقته دولة الاستقلال في نسختها الاولى بقيادة «المجاهد الأكبر» الحبيب بورقيبة ورسّخه «صانع التغيير» زين العابدين بن علي، من تسلط العاصمة وتفرّدها بالقرار، جعل الانتخابات عامّة والبلديّة خاصّة، أشبه بما هو الفولكلور الذي يهدف إلى فرز «نخب» عاجزة عن تطبيق ما جاءت (افتراضًا) من أجله (بفضل الانتخابات)، ليكون السؤال بخصوص الانتخابات البلديّة الفارطة في علاقة بما هو «قانون الجماعات المحليّة»، عن قدرة القطع مع هذا «التراث السياسي» أوّلا، وكذلك القطع مع ما شهدت البلاد منذ 14 جانفي من ممارسات أبعد ما تكون عمّا نادت به شعارات الثورة وما يؤسّس للحدّ الأدنى من الديمقراطيّة الفاعلة والفعّالة.

Esieالكلّ في الداخل كما في خارج البلاد على يقين أنّ التوازنات التي أسّست لها انتخابات 2014، سواء التشريعيّة أو الرئاسيّة لم تعد قائمة، سواء بحكم انفجار النداء إلى شقوق وكذلك نشوء أحزاب أخرى، أو كذلك (وهذا لا يقلّ أهميّة) استفحال الأزمة الاقتصاديّة ودخول الاتحاد العامّ التونسي للشغل طرفًا مباشرًا فوق الحلبة السياسية، دون أن نُغفل استفحال التبرّم الشعبي من السياسة عامّة والسياسيين خاصّة، لتكون هذه الانتخابات، أو هو مطلوب منها أن تقدّم «صورة» صادقة عمّا هي موازين القوى، خاصّة وأنّ أحزاب عديدة مشارك بعضها في «وثيقة قرطاج» لم تشارك في أيّ رهان انتخابي.

يحتاج الداخل كما الخارج لهذه «الصورة الحقيقيّة» للبتّ في طبيعة الصراع الدائر داخل الحكومة وحولها وبشأنها، وكذلك بشأن الخيارات السياسيّة الكبرى في البلاد، وأيضًا ليدرك كلّ فريق تفاصيله الدقيقة، سواء من باب معرفة مقامه استعدادا للانتخابات التشريعيّة القادمة أو فرز مرشح (أو أكثر) للانتخابات الرئاسيّة القادمة.

تتحمّل النتائج الأوّلية تأويلات عدّة وستحمل النتائج النهائيّة ما سيمكّن الكيانات السياسيّة القائمة من حسم أو بالأحرى معرفة حقّ قدرها وسط الساحة السياسيّة وأيَضا سيفتح الباب داخل كلّ حزب على «حرب تصفيات» علنيّة ومفتوحة، أولها ظهور يوسف الشاهد في صورة «غير المتورط» في «السقوط الانتخابي» أي أنّه لا يزال «بكرًا» لم يلوثه العمل الحزبي، وبالتالي سيكون نداء تونس أمام «ليلة السيوف الطويلة»، ستحدّد على أساسها مكانة «آل قائد السبسي» السياسي، وخصوصًا مستقبل حافظ على اعتباره ربّان السفينة ومن فوقه «السيّد الوالد» (الباجي)، أساسًا رغبة سيادة الرئيس الحالي أو هي قدرته على اعلان ترشحه لانتخابات 2019 بنفس الزخم الذي قام عليه ترشّح 2014، أو على الأقلّ الحدّ الأدنى الضامن لماء الوجه، أيّ «تكتّل سياسي» محترم شكلا ومقبول على مستوى الوزن السياسي في البلاد.

ظهور حافظ قائد السبسي من خلال فيديو يخترق «الصمت الانتخابي» وما بدا عليه من تشنّج بل هو الخوف إن لم نقل الرعب، يختصر معادلة العلاقة الرابطة بين نداء تونس وهذه الانتخابات أو بالأحرى بين عائلة قائد السبسي والاستعداد للمحطات الانتخابيّة القادمة، أساسًا في الحفاظ على نفس الخزّان الانتخابي أوّلا، وكذلك وهذا الأهمّ الحفاظ على ذات «الهيبة» السياسيّة ضمن قواعد النداء قبل القيادات، دون أن ننسى العمق الذي يتقاسم مع حافظ والباجي المشروع المجتمعي ذاته.

هناك فارق بل هي فوارق بين حسابات الحقل لمن يشتغلون بالسياسة ويمارسونه من جهة وبين من على الربوة يعدّون النقاط ويحتسبون الفوارق. جميع الكيانات السياسية تراجعت شعبيتها على المستوى الكمّي، عند عدّ الأصوات المسجلة، لكن موازين القوى وإن كانت تقرأ موضوعيا نسبة المشاركة وما أسّس لها من عزوف، إلاّ أن الواقع السياسي لا يقوم سوى على الملموس والمحسوس، لتكون النهضة أفضل الخاسرين، أيّ أنها لم تخسر بقدر ما خسر النداء أو شقوقه أو هي الأحزاب التي عجزت عن الوفاء بما تقول أنّها قادرة على فعله.

الرهانات القادمة على مستويين: قرار «الدولة العميقة» في تمكين هذه البلديّة أو تلك من الامكانيات التي تجعلها تؤدّي دورها أو الحدّ الأدننى الممكن والقادر على حفظ ماء الوجه، وثانيا مجمل المناورات التي سيقوم بها الباجي وابنه تجاوزا لعثرة جواد النداء، في مقابل ما يفعله يوسف الشاهد ليظهر في صورة الفارس القادر على استنهاض الجواد من كبوة ليس له فيها ناقة أو جمل…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي