الباجي من السعوديّة: طائرات خردة واصبع القابلة

25 ديسمبر 2015

تناقلت وسائل اعلام تونسيّة، في «فرحة شديدة» خبر اهداء المملكة العربيّة السعودية 48 طائرة حربيّة من طراز F-5 وتخصيص استثمار ما قدره 300 مليار دولار في تونس على مدى الخمس سنوات القادمة.

سلمان بن عبد العزيز - الباجي قائد السبسي

سلمان بن عبد العزيز – الباجي قائد السبسي

على مستوى «الأرقام» (فقط) يمكن الجزم أنّ أيّ خبير اقتصادي أو عارف بخبايا العلاقات الاقتصاديّة العربيّة وأساسًا البينيّة، سيحسّ فعلا بالصدمة والصدمة الشديدة، التي تجعله يعاود قراءة الخبر، ومن الأكيد التوغّل (إثر التثبّت) في مناحي القراءة وثنايا التحليل، لأنّ الخبر (أو المعلومات التي يتضمّنها) تُعدّ «تحوّلا استراتيجيا» لم يسبق للمملكة العربيّة السعودية، أن اتخذت ربعه تجاه تونس، وكذلك على المقلب التونسي، الأرقام تأتي ضخمة، بل متجاوزة حدّ الافراط في التفاؤل، حين صار القانون التونسي يجرّم الافراط في التفكير:

أوّلا: لم يحدث في تاريخ تونس (منذ استقلال البلاد وانتقال الجيش التونسي إلى قيادة وطنيّة) أن ملك سلاح الجوّ مثل هذا العدد الكبير من الطائرات، أساسًا لخوف بورقيبة وبن علي من الجيش، ويقينهما أنّ سلاح الجوّ (في حال حصوله على طائرات حديثة) قادر على اسناد أيّ «عمليّة انقلابيّة».

ثانيا: تأتي كلفة الطائرات الحربية شديدة الارتفاع أوّلا، ومثلها قطع الغيار، دون أن ننسى تكاليف الطلعات المرتفعة جدّا، في بلد لم يكن يملك رؤية دفاعيّة (بمفهوم رئاسة البلاد) خارج «تأمين القصر الرئاسي» وكذلك لم يكن الاقتصاد التونسي في السابق كما في الحاضر، يقدر على الذهاب في أيّ جهد تسليحي أو يدخل في سباق تسلّح مع جارين يملكان من النفط (وبالتالي المال) ما لا تملك تونس…

ما هو هامّ بخصوص هذا الرهط من الطائرات، وبالرجوع إلى «المعاجم» على الانترنت، أنّ طائرة F-5 دخلت الخدمة فعليّا منذ سنة 1962ـ وهي من جيل تجاوزته أجيال من الطائرات، سواء منها الأمريكيّة، أو منافساتها من الدول الأخرى، وبالتالي يمكن الجزم أنّنا أمام «خردة» (بالمعنى الحقيقي)، حين نتبيّن من موسوعة «ويكيبيديا» [انقر على هذا الرابط للحصول على الصفحة] أنّ المملكة العربيّة السعوديّة أخرجت هذا الصنف من الطائرات من الخدمة وركنتها في المستودعات، وسعت إلى بيعها العام الفارط، دون أن تتوفّق في الأمر، ومن ثمّة تأتي «الهديّة» إلى تونس، أقرب إلى «صدقات» المحلاّت الكبرى في الدول المتقدمة للجمعيّة الخيريّة، والتي تأتي رغبة في افراغ المحلات والتخفيض من كلفة الخزن، إضافة إلى حذف سعر الكلفة من تصريحات الضرائب، دون أن ننسى (كما هو حال السعوديّة مع تونس) «الصورة الورديّة» التي سيظهر عليها المانح أمام الرأي العام (خصوصًا كما تسوّق بعض وسائل الاعلام السائرة في ركابه).

كذلك يأتي تشغيل هذه الطائرات والاعتناء بها وكامل جهد الصيانة مكلف جدّا، بل (وفق المقدّرات القائمة لميزانيّة وزارة الدفاع) يمكن الجزم بوجوب اعتماد إضافة أو ترفيع كبير في الميزانيّة تلبية للطلبات التي ستصحب قدوم هذه الطائرات، وأقلّها بناء مخازن لها، مجهزّة وفق المواصفات المطلوبة…

على المستوى الاستراتيجي والسياسة الدفاعيّة لتونس يمكن الجزم أنّ هذه الطائرات، ستكون عديمة النفع على مستوى تحسين «القدرة القتاليّة» أو «طاقة الردع»ـ حين تأتي الدول المحيطة بتونس، سواء العمق الافريقي أو الفضاء المتوسطي (باستثناء ليبيا) مجهزة بطائرات، عددًا وعدّة أفضل بكثير ممّا هي قدرة F-5 على القتال والمناورة…

كذلك لم يثبت على مستوى «محاربة الارهاب» (المعضلة الأولى للمنظومة الأمنيّة والعسكريّة راهنًا في تونس)، أنّ هذا السلاح قد حسم الأمر أو حقّق تفوّقا في أيّ حرب وأيّ معركة…

الثابت الوحيد يكمن في تخلّص المملكة العربيّة السعوديّة، «مجانًا» من خردة ثقيلة، لم تجد لها حريفًا، بالمجان بل، انضاف لها ربح سياسي شديد الأهميّة وترويج اعلامي تكفلت به قنوات البترول السعودي ومن معها يكرع من كرم هذا النبع.

أمّا عن وعد 300 مليار دولار، فهو خيالي بأتمّ معنى الكلمة، حين الجزم قائم، أنّ «مخازن المال» في كامل الخليج لم تعد تفيض بالمال دون حساب، بل الجزم قائم بين الخبراء والمحللين، أنّ هذه الدول ستدخل (أو هي دخلت) فترة انكماش اقتصادي حقيقي، ممّا يجعلها في حاجة جدّ أكيدة للسيولة، وهو ما يدفعها لمدّ اليد إلى «الصناديق السياديّة»، أو توظيف ضرائب على السلع والاستهلاك والثروات، مع ما يعني ذلك من استحالة تخصيص المملكة هذا المبلغ في المستقبل المنظور.

دون أن ننسى أنّ كلّ من زار المملكة من المسؤولين التونسيين (منذ وجود بن علي هناك) سمع وعودًا لا يمكن سماعها في الحلم، لكنّ المرور التنفيذ والانتقال إلى الوفاء بالكلمة، مؤجل إلى حين…

السؤال الأهم:

ما الذي يدعو المملكة العربيّة السعوديّة إلى إطلاق مثل هذا الوعد، وخاصّة «الصعود» إلى مثل هذا «الرقم» الذي لا يمكن لأيّ محلّل مالي أو خبير اقتصادي أن يجزم بالقدرة (أو النيّة) الوفاء به؟؟؟

دعوة المملكة أو بالأحرى حاجتها إلى «منظومة دفاع» (أوسع) يجبرها على «جلب المشاركين» وفق قاعدة أو هي حكمة نطق بها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك: «الوعود لا تلزم سوى سامعيها». ممّا يعني أنّ السعوديّة، ستتخلّص بالمجان من طائرات «خردة» (أوّلا) وستربح سمعة (ثانيا) وستأخذ وقتها في «تنفيذ الوعود»، كما لم توف من قبل عديد الدول الخليجيّة بوعودها.

بقي على الجانب التونسي، الذي لن يخسر شيئا من هذه الصفقة، بل عملت الآلة الاعلاميّة (الموالية للرئيس التونسي) على اظهار «الحفاوة السعوديّة» في شكل «رأسمال» (يمكن تثمينه)، وثانيا (والأهمّ) أن اعلان السعوديّة عن هذا المبلغ بهذا الرقم، قادر على دعم ثقة «جهات مانحة» (أخرى) وفق ذات المصادر، ممّا يعني (دائمًا وفق ذات المصادر) أنّ حبّات المسبحة (الماليّة) ستكّر على تونس، دون فرّ (والعياذ بالله)…


354 تعليقات

  1. لم يبقي الي تونس إلا أن تكون مقرا للنفايات كم انت كبيرة يا تونس ربي يحميك

  2. محمد المدوري

    سيد بن حديد…معلوم أن السياسة التونسية لم تنح ولن تنحو منحى الحرب إلا على ما يسمى الإرهاب وما يقتضيه من مراقبة الحدود وتتبع شبكات التهريب والإرهاب…وأعتقد أن هذه “الخردة” كما وصفت قادرة على أداء تلك المهمات..وهي على أية حال خير من لا شيء
    سعودية عبد الله ليست سعودية سلمان…والسبب الأكبر لعدم دعمهم للتجربة التونسية هو تحفظهم على التجربة وخشيبتهم أن تكون سلعة معدة للتصدير…فلما تبين لهم ذلك فما المانع من دعم تونس اقتصاديا لا سيما وأن مبادرة سلمى اللومي لا يمكن أن تقرأ في اعتقادي إلا على أساس أنها ورقة ضغط على السعودية حتى تفعل وعودها بما أن المد الشيعي يعد الكابوس الأعظم لآل سعود…
    سيد بن حديد…التفلسف في غير موضعه مفسدة للفكرة..فأعوذ بالله أن تكون من الذين لا يعلمون ولا يعلمون أنهم لا يعلمون.

    • السلام عليك ورحمة الله وبركاته
      لا أدري مردّ هذا «العنف اللفظي» وهذا «الحطّ من قيمة المخاطب»، حين وجب (أخلاقيّا) ألاّ يدّعي أحدنا الكمال (لا قدّر الله) وينقلب (والعياذ بالله) إلى موزّع لشهادات الاستحسان وصكوك الذنوب. ومن ثمّة هل مسّ المقال شخصك أم مسّ قناعاتك أو (الأخطر) مصالحك؟
      هذا على مستوى الشكل
      أمّا على مستوى المضمون، أرى أنّك تخلط بين رأيك والمرجعيّة العلميّة، وتتجاوز وتقفز فوق حقائق بيّنة:
      أوّلا: هذه الطائرات (بشهادة مصادر محايدة) «خردة» وخارج الخدمة منذ سنوات طويلة، وقد حاولت المملكة التي تملك منها اقلّ من 80 قطعة بقليل، بيعها «خردة»، ولم تنجح أو تمّ افشال الصفقة (من أطراف غربيّة) بسبب غموض هويّة الجهة التي ستشتري.
      ثانيا: كلفة «خزن هذه الطائرات مرتفع جدا»، كما كلفة «قطاع الغيار» مع تذكيرك، وتذكير القراء، أنّ «بروتوكولات الطيران» (العسكري كما المدني) لا تعمل بعقلية «هنشير اليهوديّة»، بمنطق قلع قطعة من هذه ووضعها في ذاك، بل هناك قطع يقع تبديلها بعد عدد محدود من الطيران، مهما كان حال القطعة، ممّا يجعل ساعة طيران واحدة للطائرات الحديثة لا تقل عن 35 ألف دولار، ربّما يصل ثلث الرقم لطائرات F-5 او مبلغ قريب.
      ثالثا: طائرة F-5 في (عزّها)، طائرة هجوميّة وليست طائرة مراقبة، وقد ثبت أن طائرات الهجوم عاجزة عن تحقيق الحسم….

      أرجو أن نرتفع ونترفّع عن البذيء من القول والاتهامات المجانيّة، وإلا لا فائدة…

  3. وَمَنْ للعُورِ بالحَوَلِ

  4. د. مصطفى

    الهدف شراء تونس … طبعا حين التنفيذ طائرات خردة بدون طيارين … ومليارات موقوفة مثل مليارات السعودية للبنان … اي يا تونس ارتبطي بذنب ال سلول

  5. أثلجت صدري رئيسنا اصبح “خرداجي من خردة النقل إلى خردة الطائرات” و ما خفي كا أعظم

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي