الجبهة الشعبية في الحكم: موانع الحجم وقواطع الإحجام

29 ديسمبر 2015

قامت الدنيا ولم تقعد حينما سبق للناطق الرسمي بإسم الجبهة الشعبيّة حمّه الهمّامي أن صرّح، وكذلك بعده منجي القيادي في الجبهة، أنّ «الجبهة مستعدّة للوصول إلى الحكم»، حين وجد سياسيون وغير السياسيين في الأمر «تطاولاً»، بل تجاوزًا، كأنّ فريقًا من «بقايا الأقسام» (في كرة القدم) ادعّى قدرة على هزم «أقوى فرق النخبة» بفارق عريض.

وجب التذكير من باب الأمانة، أنّ الساحة التونسيّة عاشت وتعيش وستعيش حالات مشابهة يمكن أن يعتبرها المراقب «باب مبالغة»، حين وعد نور الدين البحيري إبان الحملة الانتخابيّة للمجلس الوطني التأسيسي بأنّ وصول النهضة إلى الحكم يعني بعث 450 ألف موطن شغل، وادّعى النداء (حسب زعم سياسيه) قدرة تكوين أربع حكومات دفعة واحدة.

الجزم قائم (ضمن الحال العربي) أنّ أعذب الكلام «أكذبه» في الشعر والسياسة، ومن ثمّة لا يمكن أن نتخذ من «حمّه الهمّامي» أو من «منجي الرحوي» كبشي فداء، كأنّنا في ساحة أولياء صالحين لم يمارسوا «المبالغة» قط…

ذلك لا يمنع من قراءة هذا «التحدّي» الذي رفعه «الناطق الرسمي» ورفعه رفيقه، من باب البحث عن «تأصيل» موقع (أفضل) ضمن الخارطة السياسيّة في البلاد، وثانيا (وهذا الأهمّ) تأكيد الفوارق وتسجيل البون الذي يفصل «الجبهة» عن المنظومة الحاكمة أو هي أحزاب الائتلاف الحاكم.

حمه الهمامي - منجي الرحوي

حمه الهمامي – منجي الرحوي

يعلم حمّه الهمّامي وكذلك منجي الروحي، أنّ حظوظ الوصول «ديمقراطيا» (بحساب النسب الحاليّة في مجلس نوّاب الشعب) ضعيفة جدّا أو هي مستحيلة ومنعدمة، لأنّ من الصعب أن نتفرط «العروة الوثقى» التي تربط حركة النهضة بشريكها «نداء تونس»، أو على الأقلّ ما بقي منه بعد انشقاق محسن مرزوق ونوّابه، لكنّ الأكيد يكمن في قدرة هذا الثنائي (حسابيّا) على تأليف حكومة ذات قاعدة برلمانيّة «معقولة»، حين الجزم قائم لدى الباجي كما لدى الغنوشي، ولدى قيادات النداء كما قيادات النهضة، بأنّ هذا وذاك في حاجة إلى بعضهما، وليس من فائد لأيّ منهما في «فكّ الارتباط»، حين سيصبح هذا وذاك فريسة الابتزاز وضحيّة أحزاب صغيرة ستطلب (بالتأكيد) أكثر (بكثير) من نسبتها في أيّ حكومة كانت…

كذلك، يمكن الجزم أنّ الجبهة ليست بذلك التماسك في القيادة وفي التكوين وفي كتلتها البرلمانيّة، ومن ثمّة يصعب عليها «تصريف صورتها» في شكل الطرف القادر على الدخول في «ائتلاف حكومي» مستقر (حسابيّا)، بل يمكن الجزم أنّ الجبهة تتهدّدها أو هي تعيش صراعات زعامات ومحاور وخلافات ايديولوجية، على خلفيّة المواقف من أمهات القضايا التي تعيشها البلاد.

ذهب البعض أو الكثيرون إلى مسك آلة حاسبة وتعداد نوّاب الجبهة بمعيّة نوّاب «شق مرزوق» والقول بإمكانية اسقاط الحكومة (أو القدرة على ذلك) بمعيّة «أطراف أخرى» (مثل آفاق مثلا)، والذهاب في «حكومة بديلة»، ربّما تكون ما يقصده حمّه الهمّامي وذهب إليه منجي الرحوي.

حسابات الآلة الحاسبة، تبقى (في تونس) ضمن الآلة الحاسبة دون القدرة على مغادرتها، حين يتأكّد بما لا يدع للشكّ أن هاجس الزعامة داخل «الجبهة» لن يكون شيئا، مقارنة بالمجموعة التي ستشكّل هذه «الجماعة الافتراضيّة»، ممّا يعني أوّلا استحالة تلاقي هذه «التشكيلة»، وثانيا (والأخطر) تعمّق هذه الصراعات وتحوّلها إلى نوع من «الملهاة» التي (قد) تكون مدمّرة…

أخطر من الشأن الحكومي والصراع (الطبيعي والديمقراطي) داخل مجلس نوّاب الشعب، الصراع على الأرض، وأساسًا على «الجبهة الاجتماعيّة»، حين يمكن الجزم أنّ للجبهة الشعبيّة من الوجود ما يجعلها أحد الأرقام الصعبة ضمن معادلة «الاستقرار الاجتماعي»، خصوصًا «الذراع النقابي» ومن ثمّة يمكن الجزم أنّ كلمة «الحكم» في فم كلّ من حمّه الهمّامي ومنجي الرحوي، تتجاوز الأغلبيّة في «مجلس نوّاب الشعب» لتشمل «الشارع النقّابي» كذلك.

تدرك قيادات الجبهة المتمرّسة بالعمل الميداني والنقّابي أساسًا، أنّها لا تمثّل اللاعب الوحيد فوق هذا الملعب، وثانيا، لا يمكنها وضع جميع بيضها في سلّة واحدة، ممّا يعني أنّ الجبهة ستكون أقرب إلى المناورة والتأسيس لمجال نفوذ أكثر من الذهاب في المعارك إلى أقصاها، خاصّة وأنّ المعطى الإقليمي والمعادلة الدوليّة، يعطيان لثنائي النهضة/النداء من «الثقة» أو الحدّ الادنى منها، ما يجعل الذهاب بالبلاد نحو المجهول خطّا أحمرا.

من ذلك يمكن الجزم أنّ الجبهة وقيادات الجبهة، هم أحرص على شيئين:

أوّلا: الظهور بمظهر «النقيض» أمام الائتلاف الحاكم، ومن ذلك جاءت الحملات ضدّ المديونيّة وضدّ العفو الجبائي وكلّ الاجراءات «غير الشعبيّة» التي اتخذتها الحكومة، وكذلك عملت على أن تنمّي من خلال هذه الصورة «القاعدة الشعبيّة/الانتخابيّة» حين تمثّل المحطّة الانتخابيّة القادمة الامتحان الأصعب أمام الجميع.

ثانيا: تسعى الجبهة لملامسة الخطوط الحمراء دون أن تكتوي بها، حين تعمل على اظهار عيوب النهضة/النداء، ومن ثمّة التأسيس لمستقبل أفضل، خاصّة بعد النتيجة المتميّزة التي حصل عليها مرشحها للانتخابات الرئاسيّة

بقدر ما تملك الجبهة القدرة على «الهجوم» بقدر ما يعاني «دفاعها» من متاعب عديدة، حين وجب التأكيد أنّها أوسع من ائتلاف انتخابي (الذي تأسّست من أجله) وأضيق من ائتلاف سياسي (تسعى نحوه)، الشيء الذي يفسّر أنّ كتلتها النيابيّة كثيرا ما غنّى كلّ طرف فيها على هواه…


103 تعليقات

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي