الجزائر ومؤامرة التقسيم : بين البشم والطوى…

26 أبريل 2021

لا نقاش ولا خلاف ولا جدال، بأنّ فرنسا التي غادرت الجزائر عن كره، عملت قبل أن تترك «المقاطعات الثلاث» إلى زرع ما استطاعت من «القنابل الموقوتة» التي يمكن تفجيرها عن بعد، سواء للعود إلى الجزائر من الشبابيك بعد أن غادرتها من بابها، أو هو التلذّذ بأنّ لا مستقبل للجزائر بعد تاريخ 5 جويلية 1962…

a52336bd0b4c048a951bdfc620bb9bd5كذلك لا فائدة لأيّ سلطة قائمة أو قادمة على جعل «المؤامرة» التي تحيكها فرنسا شمّاعة لفشل «دولة ما بعد الاستقلال» في تفعيل الإمكانيات البشريّة قوامها شعب كان على أهبة واستعداد لبناء «دولة لا تزول بزوال الرجال»، والماديّة من ثروات باطنيّة وأراض فلاحيّة خاصّة، لجعل البلاد، ليس فقط دولة متقدّمة بل ليصبح بيان فاتح نوفمبر واقعًا حين يتمّ إرساء دولة العدالة الاجتماعيّة والحريّات العامّة، وفوق ذلك وقبله الوفاء لشهداء، نجعلهم حيث هم، يشعرون أنّ دماءهم لم تذهب سُدى.

أمام «حراك» تحوّل إلى ما يشبه «الدوران حول الساقية»، مقابل سلطة تمارس «ديمقراطيّة القطرة قطرة»، نقف عند نقيضين :

الأوّل (داخل السلطة) : يخرج عليها بعصا «المؤامرة» كأنّنا لا نعلم وجودها أو لا ندري أنّها لم تنقطع أبدًا منذ «دفعة لاكوست» على الأقلّ، ليطالبنا (من أجل الوطن) بالتفريط في ما هو حاصل من حريّات، أو تأجيل المطالبة بما تبقّى إلى حين الانتهاء والفراغ من مقاومة هذه المؤامرات ..

الثاني (داخل المعارضات) : بلغ به الحقد على السلطة حدّ التلذّذ العلني بل المفضوح بأيّ شرّ يصيب من يمسكون مقاليد البلاد، لا سلاح له سوى الترذيل ونفي أيّ مؤامرة، وإن أدّى الأمر إلى ضياع البلاد. بلغ الأمر بالبعض حدّ الاستعداد لدخول عاصمة البلاد على «دبابّة» فرنسيّة وإن أمكن صهيونية، من باب الانتقام…

بين هذين الحدين وجب أن القول

أوّلا : من واجب من في السلطة (من الرئيس عبد المجيد تبون إلى أقل درجة من المسؤولية) أن يعي أن تعليق الحرّيات والحدّ منها أو السعي لاسترداد بعضها، لن يخدم البلاد وليس في مصلحة العباد، بل يمكن الجزم بخلاف ذلك، حيث تشكّل الديمقراطية وإرساء مناخ الحريّات الوعاء الأفضل للضرب دون شفقة أو رحمة على أيدي العابثين ومن ثمّة اجتثاث المتآمرين. هو الجزم كذلك أن البلاد يحميها جيش يعمل بمعيّة شعب حرّ، لأنّ الشعوب التي لم تتذوّق طعم الحريّة كاملة غير منقوصة، لا تحسّ ذاتها شريكة في المسؤولية، ومن ثمّة لا ترى نفسها معنيّة بالدفاع عن «وطن» لا شعور بالمواطنة داخل حدوده، أو هو اليقين لديها بأنّ القادم لن يكون أسوأ من القائم.

ثانيا : من واجب من يدّعون «الوطنية» ضمن المعارضات عامّة والحراك خاصّة على اعتباره رأس حربة النضال من أجل الحرّيات، الوعي أنّ نفي «المؤامرة» من باب قطع الطريق أمام النظام لا غير، لا يقلّ خيانة عن الخونة ذاتهم، وأنّ السقوط في خانة «الانتقام» والاكتفاء بذلك سبيلا، لا يجعلها بديلا، بل هي (في أفضل حالاتها) صورة نقيض ما يدّعي الكثير من طهرانيّة الأنبياء، وبها يروجون لأنفسهم في صورة «البديل» الحتمي لسلطة يحلمون بالانقضاض عليها والحلول مكانها، ليكونوا صورة طبق الأصل عنها، أو أشدّ وأسوأ…

الخلاصة :

إحدى تجليات الأزمة في الجزائر أنّ هناك :

أوّلا : من في داخل النظام من يرى في فتح مجال الحريّات مدخل خطر على استقرار الدولة، وأنّ سيف المؤامرة المسلط على أعناقنا يبرّر ويشرّع «حالة الطوارئ» المستمرّة بصفة أو بأخرى منذ الاستقلال، والتي على أساسها، يتمّ تقييد الحريّات ونفيها أحيانًا وفي أفضل الحالات التقطير في الافراج عنها.

ثانيا : جزء غير هيّن من المعارضات (الأفراد والمجموعات) تحوّل إلى «شركات إحصاء وعدّ» لزلاّت النظام، معتبرة أنّ «النضال» محصور في ممارسة لعبة العدّ والتعداد، كأنّ هذه الوظيفة والاكتفاء بها حصرا يجعل منها «البديل» المثالي، وعلى العمق الشعبي أن يعي وفق منطق الفكر هذا، أن هذا «التوصيف» كاف لجعلها تحوز «شرعيّة» الجلوس على سدّة الحكم، والحال أنّ جميعها دون استثناء ولا استدراك، لم يضع أبدًا (إلى حدّ الساعة) فلسفة حكم بديل وأسلوب تسيير يعبّر عمّا تحمل من قناعات وما تعد به، غير الصراخ أشبه بما نرى في المآتم…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي