الحِراك : من استوعب الدرس؟؟؟

26 فبراير 2023

 

مدخل لا بدّ منه…

إلى النخب الجزائريّة :

التاريخ في ظاهره خطّ مستقيم يعمل وفق منطق الحتميّة والوجوب، لكن في باطنه خيط ليّن، يتشكّل بحسب التعرّجات التي تعترض طريقه، ومن ثمّة لا يمكن بل يستحيل الحكم أو بالأحرى نقد أيّ محطّة تاريخيّة (من تاريخ الجزائر) وفق منطق التراوح الحصري بين نقيضين (أبيض ناصع مقابل سواد قاتم)، وكذلك يكون من العبث القاتل لأيّ روح موضوعيّة أن يدّعي أحدنا أيّ قدرة على إصدار الأحكام الباتّة غير القابلة للنقض، لأنّ (بكلّ بساطة) يستحيل أن يكون أحدنا (في الآن ذاته) ذاتًا وموضوعًا، وثانيا، يستحيل رسم فاصل بيّن وحدّ فاصل بين «الهوى» الكامن في النفوس، من جهة، مقابل الصرامة الموضوعيّة التي تلزم بها (نظريّا) أيّ مقاربة تدّعي حدّا أدنى من الموضوعيّة…

هذا الجهد الجماعي المطلوب، لا يكمن في مراكمة القراءات، في بعدها الكمّي ولا الدخول في صراعات «هويّات» تدافع عن «الأنا» أكثر من سعيها لتثبيت الرأي.

شكّل الحراك فرصة للنخب الجزائريّة (حاكمًا ومحكومًا) للخروج من منطق «ردّ الفعل» بمعنى الدفاع وإن كان بمعنى الاستباق، لأنّ الوعي الجزائري لا يزال يعمل (حاكمًا ومحكومًا) في تراوح بين العاطفة الجياشة والغريزة المتوقدة للوثب على الخصم (أيّا كان هذا الخصم)…

عجزت النخب التي تسلمت السلطة سنة 1962 في تحويل الفعل السياسي من غريزة البقاء التي حكمت فترة الثورة (57 / 62) إلى وعي عقلاني، حين تسلّم الثوّار مقاليد البلاد. بقيت «الغريزة» بل يمكن أنّها استشرت إلى حين انفجر «الوعاء» الجامع في أكتوبر 88، ولم تستوعب النخب الدرس…

مثّل الحراك فرصة نادرة للتأسيس لما يمكن أن نسمّيه «العقل الجامع»، لكنّ نخب الحراك، فضلت اللعب وفق خطّة المكابرة والعناد، ضمن منطق الإقطاع والمجد الشخصي، والنظام أو بالأحرى الشقّ الذي فاز، لم يكن يبحث سوى عن الغلبة واحكام القبضة.

ها نحن نرى النظام وإن فهم جزءا من الدرس، أيّ وجوب الاستناد إلى «جبهة داخليّة» صلبة، لكنّه لا يزال يعمل من خلال ما يمكن أن نسميه «قالب القياس»، أيّ أنّه صنع قالبًا لا يقبل ضمن صفوفه، من يرفضون أو يعجزون عن التماثل مع المحدّدات التي وضعها النظام.

صناعة «التماثيل» على قاعدة «القالب»، تمكّن من انتاج عناصر تنفيذ وأدوات طاعة، لكنّه عاجز عن التأسيس لهذا «العقل الجامع»…

مطالعة طيّبة

===================================

طرح «الحِراك» في الجزائر منذ يومه الأوّل ذات 22 فبراير 2019، مسألة «السلطة» سواء التعريف أو الدور وأساسًا كيفية الارتقاء إليها وخاصّة التنازل عنها. وسط هذا التراكم وما تفرّع عنه من تساؤلات، تباين العمق الشعبي الذي انطلق من شعور فطري بتدهور الوضع وضرورة «انقاذ» العباد والبلاد، عن «النخب» التي جمعت بين معتقدها بالقدرة على قيادة هذه الجماهير بطاقة اللعب (مع النظام) وفق قواعد السياسة المتداولة، أيّ التفاوض بخصوص المجالات التي من الممكن انتزاعها، وإن كان الجميع أو يكاد، ليس فقط يحلم بإسقاط النظام، بل في أنّه يمثّل «البديل» الموضوعي وأساسًا الطبيعي، القادر على اختصار الطاقة الكامنة لهذا الحِراك وتحويلها إلى طاقة فاعلة أو هي هادرة، لا تملك أيّ جهة داخل المنظومة الحاكمة (بكاملها) على الوقوف في وجهها.

مع توالي الأسابيع، بدأ الحراك يتحوّل من قوّة دفع وطاقة على التغيير، إلى مطلب في ذاته، أيّ أنّ مجرّد النزول إلى الشارع ورفع الشعارات، ليس فقط ضامن لهذه الاستمراريّة، بل هو (وهنا بداية الخطر) ضامن للنجاح ما دام الناس يواظبون على هذا «الطقس» على اعتبار أنّ (مجرّد) «الحضور» (بذاته) فعل تأسيس على عكس الغياب الذي يمثّل حركة نفي أو هو الجمود بذاته.

تغيّرت النظرة وتحوّلت القراءة من اليقين بتراجع النظام ومن بعد ذلك انكساره، إلى الغرق في دروب «الفِراسة» استقراءً لأيّ إشارة مهما كانت هيّنة، يمكن (بأيّ صورة كانت) تقديمها في صورة الدليل القطعي واليقين الذي لا يرقى إليه الشكّ بأنّ «النظام بصدد لفظ أنفاسه».

hkعند هذا الحدّ، انتقل «القلق» من انتظار «القدر» المحتوم إلى التساؤل حول جديّة «الوعد»، ممّا أدّى إلى انكفاء فكر هذه النخب من انتظار «الحتميّة التاريخيّة» إلى إعادة التقوقع ضمن «التفوّق الأخلاقي» على النظام، بمعنى أنّ أقصى الجهد عاد (من جديد) إلى «أضعف الأيمان»، أي افهام من لا يريد الفهم، بالقدرة على التحليل، على أساس أنّ النظام يحتكر المال والسلطة والسلاح، في حين أنهم يستفردون بالفطنة والذكاء وأكثر من ذلك بما هو «الرصيد الأخلاقي»، الذي يعفيهم (حسب رأيهم) من مشقّة منازلة النظام على أرضه، أيّ تقديم البرامج السياسيّة، ومغادرة (إلى حين) موقع «المحلّل» الملمّ بكامل أبعاد المشهد والقادر على تفكيك (نظريّا) مجمل التركيبة التي يقوم عليها النظام.

فقدت «نخب الحراك» أيّ وظيفة لها ومن ثمّة الشرعيّة في بعدها الوظيفي، حين هزّت الدنيا ولم تقعدها، بسبب «العهدة الخامسة» وتعاملت بمبالاة لا مثيل لها مع جائحة كورونا، كأنّ همّ «السياسة» على اعتبارها «ركوب السلطة» تغنيها عن الأوجه الأخرى، وأهمّها رفع بلاء هذا الفيروس عن الشعب.

عجز الحراك لأسباب جدّ موضوعيّة على اعتباره الوعاء الجامع، عن طرح محتوى فاعل، قادر على التأسيس لجناح فكري (ضمن المعنى الفلسفي) يرتقي رويدًا ليصبح أو هو يلعب دور «المدرسة الفكريّة» القادرة على طرح المبادرات وتقديم الإجابات بخصوص كلّ المواضيع وجميع التحديات التي من أجلها كان هذا الحراك.

ما جدّ أنّ جزءا من النظام انقلب على الجزء الثاني، لتكون المعركة بين «أهل البيت» ليتحوّل الحراك إلى مجرّد صاعق، الذي فجّر وأخرج للعلن جميع التناقضات الكامنة، دون القدرة على سحب أدنى جزء من البساط من تحت أقدام الفريقين.

سواء داخل صفوف المعارضة أو بين جنبات المنظومة الحكم، لا يزال منطق الفعل السياسي عموديّا، أيّ أن من هو فوق يحكم ويحدّد جميع الخيارات، ومن هو في الأسفل يتولّى التنفيذ ورفع التقارير، ومن ثمّة صار التماثل مع هو «فوق» هاجس مع من هم «أسفل».

في المقابل ليس المطلوب هدم المنظومة أو تفكيكها، بل فقط وحصرًا  الخروج بمفهوم «السلطة» من بعدها «الاحتكاري» إلى منطق النقاش القائم على قاعدة الاشتراك، لأنّ بناء جبهة داخليّة صلبة، يكون مع شركاء في الفكر والتحليل والتنفيذ، وليس مع «بني وي وي» [الموالي] الذي ثبت بالتاريخ والحجة والبيان أنّهم أول من يغدر بمن يستخدمه….


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي