الدعوي والسياسي في النهضة: فوضى الحواس واضطراب الإحساس.

31 يناير 2016

لا هاجس ولا غاية، بل هو الهوس داخل قيادة النهضة، منذ أوّل مواجهة مع بن علي، سوى «صناعة صورة» تؤكّد أو هي تطمئن أنّ «الإسلام السياسي» (في النسخة التي قدّمها «الاتجاه الإسلامي» ومن بعده «النهضة»)، لا يمثّل «خطرًا» على المتلقّي، سواء منه «المشروع الحداثي» (لبورقيبة) أو هي «الحداثة» (الغربيّة) الغالبة (أو المسيطرة) منذ 11 سبتمر، وبلورة «الإسلام» (السياسي) وخصوصا بلورة فكرة «نهاية التاريخ»، من خلال مدرسة تؤمن بحتمية «صراع الحضارات»…

من ذلك يكمن الجزم أنّ هذا الهاجس طبع أو هو أعاد صياغة كامل فعل النهضة وتصريحات قاداتها، خاصّة وأنّ خصوم الداخل ورقابة الخارج، ليس فقط فهموا أو هم علموا بوجود هذا «الهوس»، بل عملوا من خلاله واستغلته لأمرين:

أوّلا: دفع النهضة إلى «التعرّي» أقصى ما يمكن من «مشروعها» (الأصلي) وجعلها دائمًا تحت وطأة «الاتهامات»، بل هو «استبطان» الشعور بالذنب، ليس لفعل معلوم بل لتهمة واضحة…

ثانيا: دفع هذا «التعرّي» وجعله أو بالأحرى تصديره من مجرّد «فعل (للتصريف) الخارجي» إلى «تناقض داخلي»، أيّ أنّ الفرز داخل النهضة سيكون (وفق الذين يدفعون النهضة ويحشرونها في الزاوية) وفق الموقف من هذا «التعرّي»…

في الحالتين، سواء «العري» في ذاته، أو نتائجه، يمكن الجزم أن «قوس قزح» (النهضة) تحوّل من لون واحد، إلى طيف (معلوم) من الألوان داخلها، مع التأكيد أنّ الموقف من الموقف من هذه الإكراهات (الغربيّة) يمثّل ليس فقط المحرّك بل الدافع والشرارة لمثل هذا «الفرز»…

 

استطاعت النهضة، أن تؤسّس لنفسها سلسلة من «مخدّات المستوعبة للصدمات» airbags، أساسها التالي:

أوّلا: غياب البديل عن حركة النهضة داخل الطيف الإسلامي في تونس، حين لم تستطع الحركات الأخرى، أن تتجاوز دور «المجابهة» وعجزت عن الانتشار الجماهيري.

ثانيا: عجز نظام بن علي من خلال (حيلة) «تجفيف الينابيع» عن استئصال «التطرّف»، بل يمكن الجزم أنه دفع به إلى أقصاه، جعل «المجتمع الدولي»، يُجمع أنّ للنهضة «فائدة» معلومة ومتفق عليها، أيّ القدرة على محاربة التطرّف والذهاب معه في الصراع بعيدًا، سواء من باب الدفاع عن «مشروع النهضة» (ذاتها) أو (وهنا الأهميّة) أن تتحوّل إلى «مخدّة مستوعبة للصدمات» عوض عن الغرب الماكث على مرمى قارب أو صاروخ من تونس، حين صارت القوارب وكذلك الصواريخ متوفرة لمن شاء.

ثالثًا: جاء الطيف السياسي في تونس (في استثناء للنهضة) أقلّ منها تماسكًا، بل هو عاجز عن «الوقوف بذاته»، ممّا حوّل النهضة لدى الباجي (بأوامر أمريكيّة ومباركة جزائريّة) من «خصم لدود» (أثناء الانتخابات) إلى «جناحين» لا يطير أحدهما دون الآخر…

 

من ذلك، غلب أو هو تعاظم دور النهضة السياسي على حساب هويّتها «الدينيّة/الأيديولوجيّة»، وصارت «الحاجة (التكتيكيّة) إليها» أولى، بل أهمّ بكثير من «الخوف» (الاستراتيجي)، الشيء الذي دفع الغرب إلى أمرين متلازمين:

أوّلا: مواصلة الهرسلة، أي التكالب على «الوجه الديني» للنهضة وكذلك مطاردتها «فكريّا» في كلّ المحافل وعلى مدى مراكز الأبحاث والجامعات.

ثانيا: القبول، ثمّ الترحيب ثمّ الحاجة إلى النهضة في شكل «الضامن» أو هو «الحارس» (الأخير) أمام تحوّل تونس إلى «صومال» (جديد) يكون الجسر أو هو المرفأ أمام انطلاق افريقيا بكاملها أو انتقالها إلى «جنّة الغرب»…

 

راشد والسفير الأمريكي

راشد والسفير الأمريكي

فهمت النهضة هذه المعادلة وأحكمت استيعاب العقل الغربي، وخاصّة حاجته لصياغة هذا «الامتثال الاسلامي» أمام «سطوة العقل الغربي»، فقدّمت له «الصورة» أي تلك الحركة المتفانية في التأسيس لما يمكن أن نسميه «التماثل المثالي» مع «ديمقراطيّة» (غربيّة الأنفاس) تردي «الحدّ الأدنى» من «اللباس الإسلامي».

صار الغرب من التشتّت وتراجع القدرة (رغم تفوّقه الدائم) إلى القبول بهذه «المسرحيّة» القابلة للتصريف في الغرب، كأنّها الوجه «الناجح» لهذا «الاستعمار» (الجديد) أو هو «نقطة الختم» لأسطورة جاءت خطوطها الأولى مع «فكرة الحروب الصليبيّة»…

 

لا تعدو لعبة التفريق أو التمييز بين «الدعوي» في مقابل «السياسي» سوى «مسرحيّة» بأتمّ معنى الكلمة، سيبتلعها «الغرب» (المخدوع)، الذي لم يعد يحسن سوى صناعة العنف مباشرة أو من خلال الإرهاب، لحاجته إلى ما يلي:

أوّلا: إعادة ترتيب البيت الداخلي، سواء على مستوى المنظومة الغربيّة الشاملة، أو التكتلات أو الهويّات القطريّة، حين لم تعد «الديمقراطية» (في الغرب) تنتج ما يكفي من «الرخاء المادي»، فكان الخيار (القائم حاليا) بالتخفيض من «منسوب الديمقراطيّة» مقابل توفير (ما استطاعت المنظومة الاقتصاديّة) من «فائض الرخاء»…

ثانيا: الخروج من الحروب القائمة والجبهات المفتوحة بتحقيق النصر أو توفير الطاقات، بتقديم «مسرحيّة سلم الشجعان» (في سورية) مثلا، حين لم يعد بإمكان الغرب دفع أكثر أو تحمّل لمدى أطول.

ثالثًا: الاستعداد للمواجهات القادمة مع كلّ من الصين وروسية، سواء جاءت هذه المواجهة المحتومة مواصلة للحروب القائمة أو الجبهات المفتوحة أو هي (كما يريد الغرب) مؤجّلة إلى حين الاستعداد التام.

 

ضمن هذه المتغيّرات، تأتي حاجة الغرب (الأطلسي) إلى افهام «المسلمين» ما يلي:

أوّلا: أنّهم تحت السيطرة العسكريّة، وأنّ عليهم التعديل في مناهج حياتهم وأنّ من واجبهم التوافق مع القواعد الغربيّة، لتصبح المسألة «حياتيّة» لدى هذه الشعوب وحكامها…

ثانيا: أنّهم ضمن الحروب القائمة والقادمة، لا حظّ لهم في الحياد، ممّا يعني أنّ عليهم الاختيار بين أن يكونوا وقودا (كمثل دور الخليج في سورية) أو التحوّل (بدورهم) إلى سورية جديدة،

ثالثًا: أنّ من حقّ الغرب العود إلى مسك الأمور مباشرة في جميع هذه البلدان (ما استطاع لذلك سبيلا)…

 

ضمن هذه التفاصيل، يحتاج الغرب، إلى «مهارة النهضة» في انتاج «المسرحيات الجاهزة»، حين تعلم النهضة ويدري الغرب، أنّ في حال توفّر البديل الداخلي عن النهضة، وفي حال اسقرّت الأوضاع لهذا البديل، سيكون على النهضة أن تؤسّس ليس فقط لهذا «المسلم الديمقراطي» بل عليها أن تبتدع، وأن يدشنّ راشد الغنوشي «نادي العراة المؤمنين»… ذلك شريط آخر….


تعليق واحد

  1. محمد ثامر وحاده

    و ينعجم البليغ في المقال…وينكشف المخفي في الضمائر……….ههههههه

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي