الروضات القرآنية: تصنيع الإرهاب، أم إرهاب في الانتظار؟؟؟؟

27 يناير 2016

بالتأكيد، لن تكون الجولة الأولى وليست المحطّة الأخيرة من حرب المواقع الدائرة بينة «كتلة الاسلاميين» في مواجهة «كتلة العلمانيين»، مع العلم أنّ كلّ كتلة لا تأتي متجانسة أو مضبوطة التعريف وبيّنة الحدود، بل فقط (وهنا الأهميّة) تمثّل إطارًا لممارسة الصراع مع الطرف المقابل، حين اليقين قائم (في الضفتين) بأنّ الصراعات الداخليّة (ضمن كلّ طرف) تتوقّف (بل تنتهي) عند بداية الصراع مع الطرف المقابل…

هو صراع طويل، بل يمكن الجزم أنّه بدأ (في إحدى صوره) أثناء فترة الاستعمار، وشكّل الرئيس السابق الحبيب بورقيبة أحد زعماء، بل الزعيم الأوحد للطرف الثاني، حين اتخذ بُعيد الاستقلال قرارات (هي حقّا) جريئة (جدّا) حينها، سواء على مستوى مجلّة الأحوال الشخصيّة وما مثلت من نقلة، بل قفزة نوعيّة في الاتجاه الذي يريده بورقيبة أو «تحرير» المرأة، الذي يراه الشقّ المقابل ولا يزال «خروجا» عن الدين، أو في أقلّها تمييعًا للمرأة.

 

JardinCoraniqueمثل المسجد (الفضاء والوظيفة) ضمن هذه المعركة أحد أهمّ الرهانات الكبرى، وضمن هذا المسجد، جاءت الكتاتيب ذات دور مركزي لقدرتها على تلقين الناشئة «خطابًا»، يجمع العلمانيون ويصرّون أنّه «معادٍ للحداثة»…

لذلك تأتي المعركة الراهنة من حول «الكتاتيب» أو «الروضات القرآنيّة»، ذات أهميّة استراتيجيّة، وأبعاد «خطيرة» على مستقبل الناشئة والتعليم بصفة أعمّ، علمًا وأنّ المعركة (منذ نشأتها) تأسّست ليس (ظاهريّا) حول «التديّن» أو «الحريّة الدينيّة»، بل (وهنا السؤال والخطورة)، «شكل التديّن» وكذلك «كيفيّة ممارسة الحريّة الدينيّة»…

هو صراع عقدي بامتياز وصراع مواقف وصراع مواقع، وكذلك صراع سياسي، سواء حول التمكّن (أو منع التمكّن) من مفاصل الدولة والآليات التي يوفّرها المجتمع المدني (خصوصًا منذ 14 جانفي)، ليصل الأمر إلى مشروعين مختلفين حينًا ومتناقضين أحيانًا، علمًا وأنّ الأصوات التي حاولت إرضاء هذا وترضية ذاك، عجزت عن تأدية واجبها لغياب الحدّ القاسم بين الجهتين، وكذلك لطبيعة الصراع بين الطرفين.

 

في ما يخصّ الكتاتيب والروضات القرآنيّة، يكون السؤال: هل الروضات القرآنيّة «صانعة للإرهاب» (كما هو رأي كمال الجندوبي وزميلته وزيرة المرأة) أمّ أنّ الروضات القرآنيّة، تمثّل سدّا منيعًا أمام الإرهاب؟؟؟

 

اختلاف في الرؤى بل تضارب شديد، مع التأكيد على النقاط التالية:

أوّلا: الطرف العلماني (سواء الدولة أو منظمات المجتمع المدني) لا تملك سوى حجّة الرفض والمنع والمناداة بالحذر، وغير قادرة على تقديم البديل، إلى في صور هلاميّة عاجزة كلّ العجز عن التأسيس لمشروع يملك الحدّ الأدنى من الفعل والفاعليّة؟

ثانيا: مارس هذا «الطيف» (العلماني) سلطة تكاد تكون مطلقة زمن بورقيبة وزمن بن علي، واستطاع أنّ يعدّل البرامج التربويّة من السنة الأولى لرياض الأطفال والحضانة إلى التخرّج الجامعي، دون أن يفي ذلك أو يستطيع التأسيس لهذا «المجتمع الحداثي» (المتخيَّل) [بفتح الياء]، كأنّ الصراع غاية في حدّ ذاته وليس وسيلة لتحقيق النصر

ثالثًا: مارس بن علي أثناء فترة حكمه سياسة تجفيف منهجي وعمل من أجل السيطرة سيطرة تامّة ليس فقط على الخطاب الديني، بل جعل من أيّ مفصل صانع لهذا الخطاب أداة من أدوات هذه السيطرة التامّة.

 

تبيّن بما لا يدع للشكّ، أن الرؤية العلمانيّة للمسألة الدينيّة في تونس، مغلوطة بل معكوسة، حين نرى أنّ نظام بن علي الحداثي والعلماني والذي جفّف الينابيع تجفيفًا تامّا، أتى الأُكل المعاكس، أي عوض الذهاب بتونس بعيدًا عن التطرفّ والأصوليّة والإرهاب (الثلاثي القاتل) جاءت تونس بل تأسّست ضمن هذا الثالوث، ليس فقط منذ 14 جانفي، بل زمن بن علي ذاته، حين شكّل التونسيين النواة الصلبة للمقاتلين «المتطرّفين/الأصوليين/الإرهابيّين» في العراق (حينها)، ممّا يعني أنّ بن علي (وهذا الخطير) الذي أوهم الناس والعالم بأنّه صاحب أفضل نظام أمني في العالم العربي، إمّا أنّه عاجز عن مقاومة الإرهاب أو هو صانعه مع سابق الاصرار….

 

انفجار أعداد «الشباب المقاتل ضمن الجماعات الإرهابية» لا يمكن أن يكون (فقط) وليد «التسيّب الأمني» والانفلات الديني الذي تلا 14 جانفي، بل هو زبدة ومحصّلة ونتيجة منطقيّة وآلية لفترة 23 سنة (دون حساب ما قبل) من سياسة الاغلاق والاجتثاث والتجفيف…

 

هناك خلط لدى طائفة العلمانيين بين «السبب» من ناحية تقابله «النتيجة». إرهاب (التصدير) التونسي منشأه نظام بن علي التعليمي والتربوي الذي أعدّ التربة خصبة أمام أيّ خطاب متطرّف….

الأزمة عند العلمانيين تمسّ جذور الفكر العلماني ذاته المنبثق أو القائم على العقلانيّة الجامعة بين كانط وديكارت، أي (عندما نوسّع الرؤية ونبسطها) يكون هذا «النظام الفكري» (المتقدّم) أقدر من «النظام الديني» (المتخلفّ) على اقناع النشء والذهاب بهم عكس ما هم ذاهبون…

 

الحقيقة وما لا يقبل الجدل، يكمن في أنّ «النسخة التونسيّة» من «الفكر العلماني» نسخة (كما يقال باللسان الدارج) «مضروبة» أيّ غير أصليّة ومقلّدة، بل تحمل من التشويهات ما يجعلها تنقلب إلى ضدّها:

أوّلا: (والأخطر) لعجزها على «نقد الذات» (موضوعيّا) كما هو حال كامل العائلة العلمانيّة في العالم،

ثانيا: (والأشدّ خطرًا) لعجزها عن «قراءة أفعالها» أصلا، خارج توتّر الأيديولوجيا وسخونة الصراع.

 

في المقلب المقابل، عجزت «الكتلة الدينيّة» عن بلورة (منذ 14 جانفي) رؤية دينيّة قاعديّة أو هي «الصورة» القادرة على تقديم المشروع، حين يشترك السلفي الجهادي والإخواني في الدفاع عن الروضات القرآنيّة (مثلا)، لكن يختلفان بل يتقتلان في شراسة شديدة، عند الحديث عن المنهاج الصالح في هذه الروضات…

 

إنّها حروب الذات مع الذات، ضمن حروب الذات مع الأخر…


3 تعليقات

  1. عبد الواحد زيان

    عادة تشدني الموضوعية في ما تنشره و أراك جانبتها هذه المرة بمرورك مر الكرام على الدور البورقيبي في زرع بذور الصراع العلماني الاسلامي (غلق الزيتونة-ضرب صوت الطالب الزيتوني ، الايهام بتحرير المرأة (لم تكن الملرأة وما مكبلة بالتعاليم الاسلامية)إذ أنه فقط، نزع عنها الحياء و حاول من خلالخا ضرب المنظومة الاسلامية في التبني والارث لا غير و إن كان نجح في الأولى نسبيا فقد باء بفشل ذريع في الثانية و ما يقوم به أيتامه اليوم هو محاولة لإداع الاسلام في سجن الزوايا والخرافات و والترويج لذلك بدعوى قداسته الواجب المحافظة عليها من دنس الحياة

    • ألف شكر على الاهتمام والمطالعة والتعليق
      أوّلا (ومن منظور علم النقد) أنت تتحدّث عن المقال الذي تريد مطالعته وليس عن المقال الذي تطالع، حين تحدّد «الموضوعيّة» من منظار ليس الشخصي فقط، بل الاستباقي.
      الجواب عن أصل السؤال بسيط: لا يمكن من خلال قرابة 700 كلمة قول كل شيء عن كل شيء، ومهما طال المقال، ستكون زوايا متروكة وأخرى تحت الضوء…
      أهلا وسهلا…

  2. هي زوبعة لفائدة العلمانيين و الاسلاميين (إذا سلمنا أنهم كذلك) .

    هي مبرر وجود العلماسي، و انبوب حياة و إنعاش لا ينتهي، لشاحنة معطبة .

    SOS .

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي