الصِيد (سيعود) بدون صَيْدٍ من الجزائر: الذهاب في حدّ ذاته جائزة

26 أكتوبر 2015

يتساوى أمهر المحلّلين السياسيين مع من يجلس في المقاهي للحديث في الشأن السياسي دون معرفة أو دراية، عند الحديث عن زيارة رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد إلى الجزائر، حين لا يعلم هذا الذاهب إن كان سيجد عند العودة كرسيّه شاغرًا في قصر الحكومة بالقصبة، علمًا أنّ الكثير بدأ في «الحفر تحته» دون اخفاء لأهدافهم أو تمويه لمقاصدهم وقد استهدفوا الرجل وحكومته بالمدفعيّة [الكلاميّة] الثقيلة،

وكذلك قصد الصيد الجزائر العاصمة وهو يعلم ويدري، بل على يقين كما الجانب الجزائري على اليقين ذاته (أو يزيد) بأنّ الوضع في «أعلى هرم السلطة في تونس»، ليس مستقرّا وقد يشهد الصراع من أجل كرسي قرطاج أو هو يعيش حالة عنف لفظيّة «قد» تتحوّل إلى عنف مسلّح. («قد» المرزوقيّة، التي أراد محسن مرزوق أن يشفع بها لذاته من وجوب التعمّق حين جاء على ذكر المافيا و«امكانية» مرورها للعمل المسلّح في تونس)…

الزيارة في حدّ ذاتها غاية، رغم البيان الذي سيأتي كما هي العادة أشبه إلى فرض الإنشاء في امتحانات اللغة، أين يسعى التلميذ لإبراز ما هو جامع من «حذلقة» لغويّة. حديث شديد الجمال يذهب أدراج الريح بمجرّد نشره.

حبيب الصيد

حبيب الصيد

الزيارة جاءت بمناسبة انعقاد اللجنة الوزاريّة المشتركة، وهو اجتماع دوري يتمّ بالتناوب بين البلدين، لكنّ هذه الدورة تأخذ بعدًا خاصّا، بل متميّز وسط التوتّر الملحوظ والمستمرّ بين البلدين منذ امضاء مذكرة التفاهم مع الحلف الأطلسي وتصريحات وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني أو هي المنسوبة له من يوميّة «الشرق الأوسط» وقد عجز الوزير أو الوزارة عن تصويب الأمر.

 

 

قبول الجزائر بمجيء الصيد لا يمكن أن يكون دليل انفتاح في العلاقات أو انفراج فيها، بل رغبة من الجزائر بعدم الذهاب في الأزمة أكثر، وكذلك (وهذا الأهمّ) إغلاق الباب وتفويت الفرصة على «جهات تونسيّ» تريد أن تعوّض التناقضات الداخليّة (في تونس) بصراع (آت دون ريب وفق مراجع جزائريّة) مع الجزائر.

كما يقول محمود درويش الحبيب لن يزيد الحبيب الصيد في الجزائر عن «عابر في كلام عابر» أو هو بالنسبة للجزائريين «الراحل [عن القصبة] مع تأجيل التنفيذ»، أو ربّما «صاحب الحكومة التي قد تطير في أيّ لحظة»، ممّا يدفع العقل الجزائر للتعامل مع الشخص والتشكيلة الوزاريّة بكاملها (أو ما تبقّى منها) بمنطق «المفعول به» الذي قد تهزّه الضربات القادمة وليس «الفاعل» القادر على ضمان أيّ التزام.

من المفيد التأكيد أنّ الجزائر تتعامل مع «وضع مزعج» في تونس يحكمها «رجال لن يطول مقامهم»، ومن ثمّة تأتي أيّ قرارات مساعدة أو قروض أو انفتاح (أو ما شابه من كلام) بناء على نظرة إلى البلاد ووضعها (والتأثير المحتمل على الجزائر) وليس (كما يروّج البعض في تونس) اعتبارًا إلى «هذه القامة» أو تقديرًا تجاه هذا «المرجع» أو ذاك.

يليق الحبيب الصيد جدّا بمثل هذه اللجان المشتركة. الرجل «ابن إدارة» (كما يقال في تونس) ومعتاد على التفاعل مع الملفّات وإدارتها، لكن الظرف الزمني وانعدام الاستقرار في تونس يدفع بالطرف الجزائري إلى الاكتفاء بالشكل البروتوكولي أوّلا وما يلزم من التصريحات «الكلاسيكيّة» التي تعود دائمًا رنّانة في مثل هذه المناسبات.

ذهب الصيد وعاد، وجاءت الكلمات في أقصى الألفة أو أشدّ منها، مع بيان سياتي كمثل عادته رتيبًا بل يكان يكون نسخة طبق الأصل عن سابقه، مع ما يلزم من «حديث» (كالملح لا يغيب عن خطاب) عن «المخاطر المشتركة التي تتهدّد البلدين»…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي