الظلامي والتغريبي: أنا حبيبك وأنت حبيبي

11 ديسمبر 2015

من الأكيد وما لا يقبل الجدل أنّ النهضة (القيادة والفكر المسيطر وكذلك نوّاب الكتلة في «مجلس نوّاب الشعب») تجد (جميعها) صعوبة لا تُطاق في تصريف تصويت كتلة الحركة على التخفيض في أسعار المشروبات الروحيّة (وفق التسمية الرسميّة)، سواء لدى قواعد الحركة التي لا تزال في غالبيتها تؤمن وتقرّ بالمشروع الإخواني (في صيغته الأولى) أيّ إعادة تنظيم المجتمع وتسييره وتصريفه وفق «الشريعة الإسلاميّة» (وإن كان بعد حين والتدرّج في «التمكين»)، أو (وهنا الأخطر) «الشعب الكريم» الذي لا يزال في سواده يعتبر الخمر والمشروبات الروحيّة منكرًا، بمن في ذلك السكير في الحانة الذي يقلع عن الشرب لحظة الآذان ويقسم في إيمان شديد بما يشرب في صيغة «ورأس هالمعصية»…

حين نعود إلى أبجديات الفكر الإخواني أو على الأقلّ، البرمجيّة التي تتحكّم في «عقل النهضة» نجد ونقرّ وبل نبصم، أنّ ما دعا إلى شرب «العلقم» (وليس الخمر) ما أمرّ منه وأدهى.

إذًا، نذهب بالسؤال، من دهشة تصويت نوّاب يتدثرون بالإسلام لفائدة المشروبات الروحيّة، إلى «فقه الضرورات» التي (قد) تبيح المحظورات في حال الخوف (من الهلاك) على الذات (والذات هنا في الفقه الإسلامي يتراوح من الفرد إلى المجموعة)…

تغريدة عبد اللطيف المكي

تغريدة عبد اللطيف المكي

في أوّل «طعنة» لهذه «الذات»، وما كانت تُظهر من «تماسك» (خارجي)، غرّد عبد اللطيف المكّي خارج السرب «النيابي»، أو هو ضدّه، حين كتب على صفحته على موقع الفايسبوك ما يلي:

«لم أشارك في التصويت على التخفيض على الأداءات على الخمور بسبب السفر ولكن لا بدّ من مراجعة هذا القرار لأسباب دينيّة وصحيّة خاصّة وأنّ استهلاك الخمور في تونس يُعتبر مرتفعًا».

هذه الجملة/البيان تأتي هامّة، بل تعبّر عن أمرين شديدي الخطورة:

أوّلا: رفض تنظيمي من نائب (ينتمي إلى كتلة حركة النهضة)، لقرار بالتصويت، بل يذهب حدّ استهلال الجملة بالتبرير (أيّ السفر) أو هو تسجيل «موقف» مخالف لموقف «الجماعة» (أي جماعة؟؟؟)، وثانيا والأهمّ يدعو إلى «مراجعة القرار» (والكلام للنائب عبد اللطيف المكّي)، في رفض وعدم تسليم بقرار «الجماعة» (أيّ جماعة؟؟؟)…

ثانيا: يبدو جليّا أنّ تعليل الرفض أهمّ من الرفض ذاته، حين يعيد النائب عبد اللطيف المكّي الرفض (رفضه) إلى «أسباب دينيّة»، ممّا يعني ويفيد ويؤكّد بما لا لُبس فيه ولا نقاش أنّ «قرار التصويت» يأتي معارض ومتناقض مع هذه «المرجعيّة الدينيّة» (التي يحتكم إليها عبد اللطيف المكّي ومن معه)…

لا حاجة للغوص أكثر للتأكيد بل التصريح أنّ هذا البيان يأتي أشبه بإعلان تمرّد صريح وعلني ومفتوح، حين خيّر النائب عبد اللطيف المكّي مخاطبة العمق الشعبي على «التقيّد بالمسالك التقليديّة» في تبليغ القيادة بأي استفسار أو رأس أو ما شابه، ممّا يعني ويؤكّد أن هذه الجملة ستكون كرة ثلج/نار لها ما لها، ويتبعها ما يتبعها.

غنوشي - المكّي

غنوشي – المكّي

الباحث في مسار النهضة السياسي، يلاحظ في لغة التشخيص والتأكيد أنّها فضلت الانزياح التدريجي والمتواصل عن «المرجعيّة الدينيّة» الصريحة والمعلنة، منذ «الجماعة الاسلاميّة» ومن بعدها «الاتجاه الاسلامي» إلى نوع من الذهاب بالمشروع الجماعي (الذي تأسّست عليه «الجماعة») إلى نمط يتراوح بين «الإيمان الفردي» و«الموروث الحضاري» (ضمن المعاني الأكثر ميوعة للكلمتين)، ممّا يعني أنّ النهضة (راشد الغنوشي أساسًا) يريد (وهنا خطورة المسألة على وجود الحركة) ويسعى للحفاظ على لحمة بنتها «العقيدة الإيمانيّة» بأخرى أسّس لها «التعاطي مع السياسي» من مجرّد «التوافقات السياسيّة»…

لسائل أن يسأل:

هل خرجت الجماهير التونسيّة إلى الشارع مطالبة بالتخفيض في أسعار «المشروبات الروحيّة»؟

هل لوبي «الزبراطة» قويّ إلى هذه الدرجة؟

ما الذي يدفع الجهة التي خطّطت لهذا «التخفيض» أن تجعله على رأس أولويات المجلس والحال أنّ قوانين أخرى أهمّ وأشدّ قيمة من مطالب «السكارجيّة»؟؟

الثابت والذي لا يقبل الجدل، أنّ هناك مسعى لتفتيت حركة النهضة بعد تفجير النداء من الداخل، والذهاب بكامل المشهد السياسي في تونس إلى نوع من الفسيفساء المتناثرة، حين لا يمكن سوى لغافل أوّ غبيّ أن يدّعي أن مثل هذا التصويت سيكون عديم التأثير على الصفّ الثاني من القيادات وعلى العمق الشعبي، وعلى مجمل الشعب المتديّن بالفطرة، والذي لا يزال يعتبر الخمر منكرًا…

هنا (عند هذا الصفّ) يلتقي «الظلامي» (من منظور حداثي) وكذلك «التغريبي» (من منظور اسلامي) في الوقوف أمام آلة الفرم أو التفتيت، بل هما كانا ولا يزالان، ضمن كامل الطيف المكوّن لكلّ من الطرفين، الأداة التي تولّت مهمّة ضرب الأخرى، ممّا حصر المعارك السياسيّة في تونس (جميعها دون استثناء) حول تناقض الظلامي/التغريبي سواء ما تلا مقتل كلّ من مقتل بلعيد والبراهمي، أو هي «منظومة الارهاب» (بكاملها). جميع هذه «المعادلات» جاءت من خلال تناقض «التديّن» مع «عدم التديّن» أو حتّى صناعة «تديّن» وصياغته بغية إلغاء «التديّن»…

تحاول حركة النهضة جاهدة أن تتفادى «قطرات المطر» ولا تبتلّ، لكنّها تعلم أنّ «حكم» (المباراة) له من الصلاحيات والقدرة والطاقة والدراية ما يجعله يتحكّم في هذه القطرات، فيحوّلها من رذاذ خفيف إلى زوابع رعديّة، ليجعل التناقضات أوّلا داخل الكيانات وليس خارجها، فتمتصّ الصدمات وتفني هذه الطاقة في داخلها، من خلال «الانفجار» («نداء تونس») أو «التفتيت» («النهضة»)، لتعود «الدولة العميقة» إلى سالف عهدها ومجدها التليد، حين لم يفهم «نداء تونس» أنّ من يرث «حزبًا فارغًا» (التجمّع الدستوري الديمقراطي) سيجد الفراغ، مع إضافة عدم الانضباط الذي كان قائمًا خوفًا من عصا بن علي وطمعًا في فتاته، ولم تفهم «حركة النهضة» أنّ «الدولة العميقة» ترفض «التقاسم» من أصله، وليس ترفض نتائج «القسمة» (الانتخابيّة)، ممّا يجعل البلاد تدخل غياهب المجهول، لأنّ هذه «الدولة العميقة» لم تكن (ولن تصبح) أبدًا «جهاز تفكير استراتيجي»، بل فقط (وهنا الطامة الكبرى) هي مثل «حاسوب» من الجيل القديم، لا يقبل البرمجيات الحديثة، بل هو عاجز عن قراءاتها، ليحسب أنّ الفوز على النداء وهزيمة النهضة سيفتح لها (أيّ «الدولة العميقة») باب الملك (دون حساب)، حينها يتحرّك «الفيروس» من جيل يعجز هذا «الحاسوب» عن فهمه…

«فيروس» أقوى من «داعش» وأخطر من «القاعدة» وأشدّ فتكا من «بوكو حرام»….


2 تعليقات

  1. تعقيبات: ecco outlet

  2. تعقيبات: cheap Mountain Hardwear sale

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي