العاروري : تعبيد طريق دمشق، واستكمال «الانقلاب» على «الانقلاب»…

8 أكتوبر 2017

السذّج والاغبياء يتخيلون في مشهد ملحمي أشبه بمعركة/ملحمة عنترة بن شدّاد مع «رأس الغول»، أنّ الرئيس السوري بشّار الأسد سحب سيفه وزلزل الأرض مقسما بعدم «التطبيع» مع حماس، سوى في حال اعترفت (هذه الحركة) علنًا بما ارتكبت من «جرائم» وطلبت الصفح وهي جاثمة على ركبتين. النظام السوري، سليل «عقل سياسي» (بارد)، كان قد طبّع في الداخل مع «جهات مسلحة» ذبحت الجنود السوريين بالجملة، أولى به (وفق منطقه) التطبيع مع «كيان سياسي» بحجم حركة «حماس» لأنّ الرهانات القائمة/القادمة لا تزال صعبة، خاصة مع تبلور «العامل الكردي» وتحوّله ليس فقط إلى «حالة عداء» مع سورية، بل مؤشرًا على قرب/بدء الاصطفاف جهرًا وقيام تحالفات واضحة، تحتاج دمشق حيالها إلى كلّ «حليف» قادر على تقديم الإضافة.

مجيء صالح العاروري إلى مركز «الرجل الثاني» في قيادة حركة حماس، أي نائبا لرئيس المكتب السياسي، لا يعدو أن يكون سوى «إعلان حرب» مباشر وصريح، بل «تصريح بعداوة» مفتوحة مع «كامل الطيف» الذي اعتاد/يطلب/يشترط وجها «ليّنا» في هذه القيادة، سواء من باب السعي لتسويق هذه «الوجوه» (إعلاميّا وسياسيّا) في صورة «الوجوه المعتدلة» القادرة (افتراضا) على «النزوح/الانزياح» (وإن كان على مستوى الخطاب الظاهر) عن صلابة «الجناح العسكري»، أو (وهنا الخطورة) «حفظ ماء الوجه»، بعدم الرغبة في تخطّي «الخطوط الحمراء» الصهيونيّة/الأمريكيّة بمحاورة/مصافحة «الملوثّة أياديهم بدماء الصهاينة».

مهما يكن الرأي أو الموقف من مدى «الديمقراطيّة» داخل حركة حماس، أيّ «حريّة الاختيار» داخلها وفق قناعات المنتخبين وقرارهم الشخصي، يمكن الجزم أنّ هاجس «الحركة» (الوجودي) يكمن في التخلّص من تركات الماضي الذي خلّفه «الاصطفاف» (غير المعلن) لقيادات «الخارج» (خالد مشعل) بعيدًا عن «حلفاء الماضي» أي «رفاق السلاح» (حلف المقاومة)، وكذلك (والأمر لا يقلّ أهميّة) استباق جميع «الفخاخ» المنصوبة أمام الحركة بدءا بما هي «المصالحة» التي يدرك الجميع (في «حماس») أنّ «الطرف المقابل» (الفلسطيني/الصهيوني/الاقليمي/الدولي) سيعمل كلّ ما في وسعه من خلال «جزرة» تحسين الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة وكذلك «عصا» المحاصرة والتضييق، على جعل عمق شعبي متزايد، يتحوّل إلى «رهينة» ومن ثمّة إلى «أداة ضغط» على «حريّة» قرار «السلم والحرب» داخل الحركة.

تعلم قيادة الحركة أنّ لا أحد يملك جرأة/وقاحة المطالبة بنزع سلاح المقاومة (مباشرة وبصريح العبارة)، خاصّة الطرف الفلسطيني المقابل (سلطة رام الله)، لكنّ الهدف الأوّل والأساسي يكمن في «ترشيد» هذا السلاح، أيّ فصل قرار استعماله عن «جدليّة الحركة» (الذاتيّة) حين قال محمود عبّاس رئيس السلطة الفلسطينيّة أنّ «المصالحة» تعني «دولة واحدة، شعب واحدة» (وكذلك) «سلاح واحد»، أيّ (بمعناه) عدم «انفراد/استقلاليّة» قرار «السلم والحرب» داخل الحركة…

صالح العاروري

صالح العاروري

كما جاءت «السلطة» إلى الدنيا، نتاج ضغوطات/ظروف اقليميّة، أساسها العدوان الأمريكي على العراق، وضرورة «تسكين» الجبهة الفلسطينيّة، تملي سخونة الأوضاع في المنطقة، خصوصا في منطقة «الهلال الخصيب» (سورية والعراق) تقديم «رشوة» للشعب الفلسطيني، أو هي «ملهاة» ينشغل بها، أيّ «المصالحة»، التي سيكون سقف سقفها مهما ارتفع، أقلّ بكثير من سقف «ولادة السلطة»، بمعنى أنّ النظر إلى «وضع القطاع» لن يتجاوز «الوضع الانساني الاجتماعي» الذي يستدعي «تحسينات طفيفة» دون التفكير في تغييرات (كبرى) على المستوى الاقتصادي، أو طبيعة الوضع السياسي، بمعنى سلطة فلسطينيّة كاملة على معبر مفتوح بالكامل مع (الشقيقة الكبرى) جمهوريّة مصر العربيّة.

رغم اتقان قيادات حماس لفنّ «حلو الكلام»، أساسًا عدم الخروج بالخلافات/الاختلافات الخارجية إلى السطح، يمكن الجزم أنّ «الأوضاع في سورية» شكّلت «القشّة التي قسمت (أو كادت) ظهر حماس»، حين بان (بالكاشف) التباين الواضح، بين خطّ «الجناح السياسي في الخارج» من جهة مقابل «الجناح العسكري في الداخل»، لذلك جاء يحيى السنوار ليضع اللبنة الأولى لسيطرة «الداخل على الخارج» وكذلك «أولويّة العسكري على السياسي»، ليكمل صالح العاروري «الخطوة» ذاتها، حين يمكن من باب الجزم واليقين تصنيف الرجل داخل «الجناح العسكري» (في الداخل)، أيّ أنّه «سفير» عسكر الداخل، في «المكتب السياسي» في الخارج…

على مستوى الخيارات الاستراتيجيّة، يعلم «العقل العسكري» (الحاكم بإمره) في الداخل كما هو الآن في الخارج، أنّ محور «الاعتدال/السنّي» (في المنطقة)، الذي تنتمي إليه كلّ من جمهوريّة مصر العربيّة (الجارة الكبرى) وكذلك «السلطة» (الغطاء السياسي)، يعمل تحت سقف سياسي، يستحيل (على من فيه) ثقبه أو الذهاب به إلى أيّ بعد عسكري مساند للحركة بالسلاح (أيّ سلاح كان)، ومن ثمّة يأتي «العود إلى محور المقاومة»، أو بالأحرى تأصيل العلاقة وتنقيتها من شوائب الماضي، المهمّة الأولى والأساسيّة لنائب الأمين العام الجديد، الذي يتّكل لإنجاز هذه المهمّة ليس فقط على «اصطفافه» ضمن الحركة داخل الجناح العسكري، بل على «جواز مرور» أو هي «كلمة سرّ»، أساسها «يديه المخضبتين بالدماء الصهيونيّة».

تعلم قيادات حماس أن اختيار العاروري يأتي، أو هي تريده «جهلا فوق جهل الجاهلين» استبياقا، أيّ هو يقف سدّا أمام كلّ جهة تحاول/تسعى/تفكّر التخفيض في السقف الوطني الفلسطيني، لكنّها تعلم علم اليقين، أنّ الطرف الفلسطيني/الصهيوني/الاقليمي/الدولي الذي حاصر غزّة وأذاق أهلها الأمرين، لن يتورع ليس فقط عن التراجع عن أيّ «مصالحة»، بل عن تشديد الحصار أشدّ ممّا كان وأنكى.

هي بالأساس لعبة تدور داخل غزّة، أيّ من يكسب «العمق الشعبي» في هذا القطاع الأكثر كثافة بشريّة في العالم، كما هي لعبة اصطفاف اقليمي بالأساس، خاصّة بعد انتقال «الخطّ الاخواني» من الحلف الذي كان فيه «جهرًا» إلى الحلف المقابل، أو على الأقل القطع مع الحلف السابق وحتّى «الانقلاب عليه»، ممّا سهّل ليس فقط صعود صالح العاروري، بل فتح الأبواب مشرّعة داخل الحركة، في انتظار «حسم» قادم في غزّة، أت دون ألف شكّ…


2 تعليقات

  1. حماس خسرت كل شيء
    المصدقية الدعم عليها بالانبطاح

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي