الغنوشي بين تهشيم الركب وسلامة المراكب

7 فبراير 2018

بقلم الشاعر/الكاتب بحري العرفاوي

هذا نصّ للصديق الشاعر والكاتب بحري العرفاوي، يأتي هامّا وأكيدًا، بل هو من يريد وضع قطار المعرفة على سكّة الحجةّ، لا غير، بمعنى الخلاص من أمرين إلى أمرين. الخلاص من «قداسة الأشخاص» وإن كان واجب احترام الذات البشريّة ملزمًا (بالمفهومين الديني والمدني)، وكذلك الخلاص من صراع الأفراد وحول الأشخاص، إلى تلاقح الأفكار وتفاعل القناعات. كذلك خلاص إلى تأسيس آلية تقوم في الآن ذاته على الاحترام دون التقديس وخلاص إلى غلبة القناعة على روح التطبيل. هذا نصّ يرد إلى القراء كما أراده صاحبه. نرجو أن يكون القطرة الأولى من غيث نافع، زمن قحط فكري قلب أرقّ الخلافات مدعاة للنبذ…

نصر الدين بن حديد

 

 

تفاعلا مع مقال الإعلامي نصر الدين بن حديد «من الغنوشي إلى طارق رمضان: مزالق الشبهات ودلائل الإشتباه»

أوّلا: في الحاجة إلى النقد:

النقد هو وقود حركة الأفكار والرؤى والمشاريع الكبرى والناقد هو ضمير السياسة والمجتمع حين يدل على النقائص والأخطاء والعيوب. إن السياسيين وأصحاب المشاريع الفكرية لا يحتاجون منافحين ومروجين بقدر ما يحتاجون ناصحين وناقدين وحتى منتقدين «ولولا دفع الله الناس».

بعض الردود على الإعلامي نصر الدين بن حديد تتخطى الأفكار نحو النوايا وتتجنب الخوض في الأفكار لتشرد في الأسرار وهو علامة ضعف فكري وأخلاقي أيضا… نصر الدين بن حديد له وجهات نظر وله أسلوبه في الكتابة من حقه بل من واجبه ممارسة النقد والانتقاد ومن حق بل من واجب القراء مناقشته والرد عليه في حدود الأفكار ومتعلقاتها من سياسة ومبادئ وقيم ومواقف وتقديرات ومآلات.

 

ثانيا: في التبرير السياسي والإنكسار النفسي:

BAفي مقارنته بين الأستاذ راشد الغنوشي والدكتور طارق رمضان، يكشف الإعلامي نصرالدين بن حديد عن منهجين في التعامل مع الآخر/الغرب رغم الالتقاء في القوة الذهنية العارفة حيث تمكن الرجلان من فهم فلسفة المدنية الغربية ومن استيعاب ملامح الحداثة هناك وقد عايشوا الغرب وواكبوا تفاصيل حياة الناس فيه.

غير أن منهج الرجلين يختلف حدّ التناقض، ففي حين استطاع طارق رمضان تفكيك العقل الغربي والنفاذ إليه باقتدار معرفي، مكّنه من محاججته بل ومحاكمته بشموخ وشجاعة واعتزاز حتى أحرجه وأعاده ـ مُرغما ـ سيرته الأولى حين كشف عن حنينه إلى «محاكم التفتيش» فعرّى زيفه وأبان عورته وجرّده من لبوس الحداثة الزائفة والمدنية الكاذبة والحرية الخاوية فإذا هذا الغرب يلجأ إلى أساليب أنظمة استبدادية تقليدية تلفق القضايا لمحاكمة المنتصرين فكريا ومعرفيا.

محاكمة طارق رمضان هي أوضح تعبير عن هزيمة «الأنوار» الفرنسية قُبالة عقل إسلامي مبدع شجاع حجاجي هادئ وانتصاري. لقد فرض طارق رمضان على «المدنية» الفرنسية أن تحتمي بممارسات بالية من عصر الظلمات فاستعادت «محاكم التفتيش».

في المقابل يرى الإعلامي نصر الدين بن حديد أن الأستاذ راشد الغنوشي وإن كان مثل طارق رمضان استوعب الفلسفة الغربية ومدنيتها إلا أنه لم يتعامل مع الغرب بنفس الروح الانتصارية لطارق رمضان إنما تعامل بمنهج «استرضائي» تنازلي حيث ظل يُكيف خطابه وحركته بما يجعلها تحظى بمقبولية لدى الغرب وهو كلما تنازل تقدمت طلبات الغرب لدفعه نحو مزيد التجرد من مبادئ «التأسيس» بما يُشبه منهج «أوسلو» في الإضعاف والإفراغ و«التسميم». بن حديد يستدعي شخوصا ومصطلحات مشفرة كافية لوحدها لفهم الصورة والنهايات: «أسلو»، «أبو عمار»، «دحلان»، «صائب عريقات»، «أبو مازن»، «السّم».

 

ثالثًا: «رخوانية السياسة وانتصارية الأفكار»:

ما كشف عنه بن حديد مهم للغاية وهو يقارن بين منهجين في التعامل مع الغرب أعني منهج الغنوشي ومنهج طارق رمضان وهو يكشف عن حقيقة مهمة ألا وهي استعلائية الغرب تجاهنا كعرب ومسلمين ونظرته لكل تنازل على أنه انهزام واعتباره كل تكيّف معه انسلاخا عن هويتنا وثقافتنا وشخصيتنا، كان يمكن بحسب نصر الدين ممارسة شجاعتنا الفكرية تجاه الغرب نكشف عيوبه ونبيّن تناقض واقعه مع جوهر فلسفة الأنوار أي نحاججه بمنطقه هو ونحاكمه بمبادئه.

غير أن هذه القراءة تبدو قاصرة حين تتكلم عن الرجلين موضوع المقارنة باعتبارهما مفكرين ولا تُقيم منهج الغنوشي بما هو «سياسي» فهو ليس زعيم مدرسة فكرية مجردة إنما هو زعيم حزب سياسي مكافح ومحكوم بما هي «غريزة البقاء» كما يقول الكاتب كم مرة .

الغنوشي يعرف وضع حركته بالقول: «نحن في ركن آمن في سفينة لا نعلم وجهتها»، وهي تلخيص بليغ لحالة الغموض التي تلف المشهد السياسي كله بأحزابه وقادته ونخبه ونقاباته وإعلامييه وعامة شعبه… إنها حقيقة مؤلمة أن نعترف بأن رؤيتنا غير واضحة لشأن بلدنا وأن نعترف بأن المسارات غامضة وغائمة وبأننا لا نملك استقلالنا الاقتصادي والمعلوماتي وما يترتب عن ذلك من تبعيات في السياسة والثقافة وربما حتى المفاهيم الدينية وما عبر عنه الكاتب بما هي «الثوابت».

نعم الغنوشي يمارس «التراجع» نحو «الحائط» وهو لا يرى منفذا نحو الباب ولا نحو السماء ويحاول إنقاذ «الرقبة» إذ يعتبرها أرقى مقاصد الشريعة وأثبت «الثوابت»… وإذا كان الثمن الذي دفعه رمضان هو بعض من «سمعته» فإن الثمن الذي يدفعه الغنوشي هو كثير من «سمعة» حركته وأيضا من «نقاوة» أفكاره.

ولكنه بالتأكيد يراهن على الزمن بما هو «المستقبل» تستعيد فيه الأجيال القادمة عنفوانها بعد أن تجد «سفينتها» لم تحترق زمن الحرائق والفوضى طالما أن البحر لم يرتحل وإن رحل الغنوشي سواء «مهزوما» أو «مسموما» لا قدر الله… لقد اختار الرجل مضطرا «كسر الرّكب على حرق المراكبْ»…


2 تعليقات

  1. بكل تاكيد لا يمكنك سي البحري ان تبشر بمستقبل لا تملكه ومن ثم يستحيل على من رايت انه راهن عليه ان يعطيه لسبب بسيط وهو فقدانه لذلك. واما كسر الركب، فهو مؤدي الى استحالة الحركة في الغالب، ومن ثم استحالة المستقبل كذلك الذي يشترط القدرة على التحرك نحوه. مع الشكر

  2. عبد الرزاق الجملي

    لا اريد ان اكون متحاملا ولكن الغنوشي أحد المتسببين في ضياع أو انكسار بوصلة السفينة التي يتكلم عنها

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي