الغنوشي واللطيّف: ممّن «الجعجعة» ولمن «الطحين»؟؟؟

25 يوليو 2017

في خضم الاحداث الجارية بل والمتسارعة وحال التوتّر القائم، يمكن الجزم أن «الثورة» (اللفظ والمنطق والفعل) أصبحت «طَعما مرّا» في حلق من يضعون انفسهم في خانة «النفس الثوري» لما يعتبرون من تراوح بين «التقصير» وكذلك «الخيانة». كذلك هي «الكابوس المرير» في حلق من يعتبرون «الثورة» (اللفظ والمنطق والفعل) مجرد «ذكرى مؤلمة» تتراوح بين «المؤامرة المفضوحة» و«الانقلاب الفضّ».

لكن، في خضم الصراعات القائمة وبالتأكيد القادمة، تبقى «الثورة» (اللفظ والمنطق والفعل)، بل تتأصّل على اعتبارها «مرجعيّة اتهامّ» وكذلك (وهذا لا يقلّ أهميّة) «وسيلة تبرير»، في علاقة مع «الأخلاق» أوّلا وكذلك «الوطنيّة» ومن ثمّة «القانون»، حين وجب التأكيد على أنّ «الصراع» يقوم على «الإعلام» (جميع وسائل الاتصال)، حين يتلبّس كلّ «قائل/متكلّم» الأبعاد الأخلاقيّة جميعها، في علاقة مع «الثورة» (بصورتها الناصعة أو المشؤومة)، وكذلك مع فترة 17/14، وفي ارتداد أحيانًا إلى ما يسبق هذه الفترة.

 

صورة عجيبة ومشهد غريب. ضرب تحت الحزام أبعد ما يكون عن «الأخلاق» (مهما كان التفسير) في اعتماد وتلبّس لما هي «الأخلاق» [الحميدة] الواجبة، أو المفترضة على مستوى المنطوق أو اللفظ، ومن ثمّة الكتابة والترويج على جميع وسائل الإعلام، ضمن منطق «تقديس الذات» مقابل «تدنيس المقابل»…

 

خصومة النهضة مع كمال اللطيف، تختصر ليس فقط المشهد في جميع أبعاده، بل يمكن اعتبارها (معرفيّا) المثال الأروع، على الصراع «غير الأخلاقي» من خلال «الأخلاق»، وكذلك (وهذا الأهمّ)، قيام الصراع بعيدًا عن «الثورة»، أيّ أنّ لا أحد يفكّر أو حتّى يتخيّل أنّ هذا أو ذاك من المتصارعين (أيّ راشد الغنوشي وكمال اللطيّف) يدافع عن «الثورة» (اللفظ والمنطق والفعل)، ولا أحد منهما يدافع عن «الديمقراطيّة» (اللفظ والمنطق والفعل)، ومن ثمّة يقف الطرفان وينتصبان (كلّ منهما) دفاعًا عن «المجال الحيوي»، أيّ مجاله المباشر (بالمفهوم الغريزي)، سواء من باب الرغبة في الحفاظ عمّا هو «مكسب» أو هو التوق لتوسيع دائرة هذا المجال.

kamel_ltaief-02544155من ثمّة، حين خابت الثورة في نفوس من يرون انفسهم اصحابها وكذلك في قلوب من يقدرونها سلبا، وحين لم تتحرك الديمقراطية ولم تذهب في مسار يحفظ الامل ويذكي الحلم، لا يمكن لصراع النهضة مع اللطيف الا ان يكون اشبه بما يجري في ادغال متوحشة، اي دفاعا عن المصالح المباشرة، التي لا علاقة لها بما هي «الأخلاق» أو أيّ «هدف سام»…

 

في قراءة مباشرة وفي تشخيص للمشهد، يمكن الجزم أنّ أقرب صورة لما تشهده البلاد من صراعات سياسيّة (جميعها) تأتي صراعات عائلات «المافيا» في صقليّة في ستينات القرن الماضي، حين تحوّلت «الدولة» [في الآن ذاته] إلى «وعاء» (هذه الصراعات)، وكذلك إلى «الرهان الأكبر»، في تأكيد (في الحالة الصقليّة كما الحالة التونسيّة الراهنة) على التداخل المفضوح والمكشوف والذي لم يعد مخفي، بين «الطبقة السياسية» [أيّ قيادات الدولة والأحزاب] من ناحية، ومجموعة «العالم الخفيّ» أيّ «أباطرة الفساد»…

 

أن يقبع شفيق جرّاية في السجن ويجلس يوسف الشاهد على «عرش القصبة» وما بين الرجلين من «علاقة حزبيّة» لا يمكن نكرانها، وأيضًا ما نرى من صراع [إعلاميّ إلى حدّ الساعة] مفتوح بين النهضة وكمال اللطيّف، يظهر (بما لا يدع للشكّ ولا يدعو إلى النقاش) أنّ الهاجس الأكبر لا يمكن في الحفاظ على «هيبة الدولة» وأيضًا أيّ «صورة ناصعة» للسياسة والسياسيين، بل (على طريقة المافيات الصقليّة) تحصيل النفع ومن بعدها التفكير (في درجة ثانية أو ثانويّة) في صورة هذا «التحصيل» لدى عموم المتلقين…

الصراع بين كلّ من النهضة وكمال اللطيّف هامّ وأكيد ويمثّل (دون أدنى شكّ) أحد أهمّ المحدّدات للمشهد السياسي القادم، حين لا يمكن للطرفين القبول بأيّ «نتيجة تعادل»، ولا يمكن لأيّ طرف أن يتخيلّ ذاته منهزمًا. حين تعلم النهضة أو هي عملت منذ مغادرة الحكم على «الاقتصاد في الطاقة» أيّ التحرّك بأقلّ قدر ممكن، تفاديا لأيّ اصطدام واتقاء لأيّ صراع.

 

على الضفّة المقابلة، عمل كمال اللطيّف وفق النظريّة ذاتها، أيّ الابتعاد عن «الأضواء» في تأكيد على «صناعة صورة» [لدى المتلقّي] من خلال «الإيحاء» وكذلك «الإيهام» فقط وحصرًا، وليس التصريح المعلن من قبله والفعل المباشر والحركة المرئيّة… لذلك سيجبر الصراع الطرفين على مزاوجة «الصراع» السرّي، حين يعشقان «السريّة» وقد تعوّدا عليها، بما هو «الظهور» الإعلامي. من ذلك لم يأت قول محمّد بن سالم عن كمال اللطيّف صدفة وكذلك تحرّك أذرع كمال اللطيّف الإعلاميّة أو الناطقة بدلا عنه، حبا وطواعية (كما يغني مارسيل خليفة) في تأكيد وإصرار على ذكر «محاسن الرجل» وتعدادا لمآثره، يظهر أنّنا أمام الفترة الأولى من جولة الانطلاق…

 

وفق العقل الإخواني الغالب على فكر النهضة، لم يعد من الممكن تفادي الصراع، وإلاّ كانت تفادته. ربّما أو من الأكيد ستتظاهر النهضة بالتهدئة، لكن الأمور (وفق منطق المافيا) لم تعد تسمح بوجود راشد الغنوشي وكمال اللطيّف سويّة على الساحة. ما يزيد «الحرب» في أبعادها الفرجويّة «تشويقًا»، أنّ هذا الطرف وذاك، يتناقضان على مستوى «الهيكلة» وكذلك «التسليح»…

النهضة كائن عقائدي، لم يغادر على مستوى اللحمة الجامعة والهويّة الباطنة «حاكميّة السيّد قطب»، ومن ثمّة تأتي هذه «الحرب» (في فوائدها الأولى ومنافعها المباشرة) لتؤكد أو هي تطفو إلى السطح بذاكرة موجوعة تعشق أو هي تعيش «هاجس المظلوميّة» التي وجب الاعتراف أنّها لم تعد [أيّ المظلوميّة] هاجس قيادة النهضة الأوّل… سيسابق عبد اللطيف المكّي الجميع ليؤكّد أن تعريف «الابن الضال» يمّحي أثناء «الحروب»، وكذلك سيعمل عبد الحميد الجلاصي [بلباقته المعهودة] على التأكيد أنّ «جبهة الرفض» (غير المعلنة) التي يرأسها، لا وجود لها ولا فائدة منها، بل ولا معنى لها زمن الصراع (مع اللطيّف) من أجل البقاء…

 

على الضفّة الأخرى، يمسك كمال اللطيّف أو هو يجلس على «جزء» من الدولة العميقة، المدرّبة (زمن بن علي) أفضل من النهضة على مسك دواليب السلطة، لكنّها (أيّ الدولة العميقة أو الجزء الموالي منها) لن يستشهد أيّ فرد منها، من أجل كمال اللطيّف… كما طعنوا بن علي عندما تحوّل إلى هاجس، قد (ونقول قد) يطعنون كما اللطيّف مقتلا، حين لا يمكن لأيّ كان أن يقول من باب المزح، أنّ منصب (سي) كمال راهنا داخل هذا «الأخطبوط» أفضل ممّا كان لدى «صانع التغيير» من سطوة وجبروت.

يمسك كمال اللطيّف أو هو يتربّع على «امبراطوريّة» اعلاميّة ضخمة قياسًا بفقر النهضة على هذا المستوى، لذلك ستحاول أجهزته الإعلاميّة، رغبة منه في بذل أقلّ جهد ممكن، على «استهلاك» الناطقين باسمه الذين سيكونون أقرب إلى بطاريات غير قابلة للشحن، على شاكلة مبروك كورشيد، الذي من المستحيل أن يستشهد ويبذل روحه فداء لكمال اللطيفّ، وكذلك لن بدافع كمال اللطيّف حدّ الموت عن مبروك كورشيد. مصالح تلاقت في نقطة ما لا غير… أيضًا بدأت تعمل وسائل إعلام كمال اللطيّف على توسيع قاعدة «العداء للنهضة» سواء على مستوى الداخل أو حتّى «تدويل الأزمة» بدءا بربط النهضة بما هو الإرهاب عامّة وما هي العمليات الإرهابية السابقة أو اللاحقة التي تورّط النهضة وفق ذات المنطق… إنّها غريزة تحصيل الفائدة من خلال الإيهام أوّلا وثانيا دفع «الأخرين» للقتال.

 

ختامًا: وفق منطق المافيات وكذلك الجدليّة التي أوجدت الإخوان، لا يمكن القضاء على النهضة إلى حين حسم «الأمّة» بكاملها مشاكلها الوجوديّة. في المقابل، كمال اللطيّف يأتي حاجة ووظيفة وليس رجلا مجرّدًا، ليكون ذلك المطلب الداخلي والاقليمي والدولي…

لذلك لن تموت النهضة ولن تقضي على وظيفة الرجل….

 


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي