الغنوشي يقترح «التوافق» على قيس سعيّد….

23 ديسمبر 2022

الحوار الذي أجراه الزميل عادل الحامدي ونشره موقع «عربي 21» مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي [انقر هنا للاطلاع على الحوار]، يمثّل أحد أهمّ التحوّلات الجادّة على مستوى التفاعل السياسي، منذ تفعيل الرئيس قيس سعيّد للفصل ثمانين من دستور 2014، حيث يعترف الرجل بأوضح العبارات أنّه (الشخص والنهضة) جزءا من الأزمة وبالتالي يتحمّل «جزءا من المسؤوليّة» معلنا بصريح اللفظ ضمن الأجوبة «كما يتحمل غيرها أجزاء أخرى»، ممّا يعني كما أضاف زعيم حركة النهصة «(…) ولذلك فإننا لا نريد العودة لما قبل 25 تموز، بل نريد أن نأخذ الدرس منه من أجل تجاوز أخطائه وهناته؛ لبناء مستقبل أحسن يليق بهذا الشعب العظيم وهذا البلد العريق. نحتاج أن نتعلم ونستفيد من هذه المحنة»…

من الأكيد وما لا يقبل الجدل أنّ «الشيخ التكتاك» ما كان ليتنازل عن مطلب «استعادة الشرعيّة» الذي لا يزال ديدن «جبهة الخلاص»، بل وشعارها إن لم شرطها الأوحد، مجانًا، أيّ دون مقابل، بمعنى مجرّد المغامرة من باب الإحراج المجاني لا غير.

GSالأجوبة التي جاءت على لسان راشد الغنوشي، تمثّل توسيعًا أو بالأحرى نقلا إن لم نقل إخراجا للأزمة الخطيرة التي تعيشها تونس من «صراع ديكة» في الداخل إلى جعلها معادلة اقليميّة، ترتبط أو تربط «الشأن التونسي» بما هو المطلب الإقليمي (الجزائري بالخصوص) بوجوب «مغادرة عنق الزجاجة» لما يمثّله الوضع التونسي الذي يزداد توتّرا، من خطورة على الأمن والاستقرار في الداخل أوّلا، وكذلك ما يمثّل إنفراط العقد الأمني في هذا البلد، من تهديد استراتيجي، وسط مناخ متوسطي وأوروبي شديد التوتّر، حين يمثّل قرار «تسقيف سعر النفط كما الغاز» مسعى أوروبي لإلزام الدول المنتجة لتحمّل جزء غير هيّن من فاتورة الأزمة في هذه القارّة.

من أهمّ ما جاء ضمن هذا الحوار الموقف الصريح والمباشر لرئيس النهضة تجاه «بعض الدول المنتسبة للديمقراطية» التي «ربما ترى في حق التونسيين في امتلاك إرادتهم تهديدا لمصالحهم، ونحن نقول لهم؛ إنهم بذلك يخطئون مرة ثانية كما أخطأوا عندما دعموا المخلوع».

لا حاجة إلى الكثير من التخمين لإدراك أنّ الغنوشي يعني بمن «يخطئون مرة ثانية كما أخطأوا عندما دعموا المخلوع»، دولة فرنسا دون غيرها، ممّا يدعو إلى السؤال عن السبب الذي دفع «الشيخ التكتاك» إلى مثل هذا «الخروج عن العادة» في تدوير الزوايا وتربيع الدوائر، وهو الحريص على عدم معاداة أيّ طرف دون الحفاظ على خطّ الرجعة؟

مثل عادته، لا يجد راشد الغنوشي غضاضة في قلب المعادلة والانتقال أو هو القفز من ضفّة إلى أخرى، دون حرج، بل هو أشبه بالبهلواني الذي يملك القدرة على «إيجاد المسوّغ» مهما كان شكله.

أيّ تأثير لهذا «الانقلاب» في موقف راشد الغنوشي على الأطراف القائمة على المشهد السياسي في تونس، خاصّة الطيف المناصر لزعيم النهضة، بدءا بما يسمّى «جبهة الخلاص»، التي أدمنت من خلال أصواتها على وسائل التواصل الاجتماعي الدعوة إلى «اسقاط الانقلاب وعودة الشرعيّة»، والحال أنّ «الشيخ التكتاك» لا يرى ذاته، من خلال حواره مع موقع «عربي 21» معنيّا بهذه الثنائيّة، ممّا يعني (وهنا الخطورة) أنّه سيترك لفيف من «الفايسبوكين» في التسلّل بين استدراك الأمر، وتعديل الخطاب بناء على الحوار، أو (في المقابل) الامعان على الخطّ ذاته، والظهور في شكل «الخوارج» أمام ما قدّمه الغنوشي، الذي يعلم أنّ الحوار في أساسه عبارة عن «رسالة مفتوحة» موجهة إلى «الخصم اللدود» داخليا، وإلى جميع الدول المعنيّة بملفّ هذه «المصالحة» التي وإن بدت صعبة وعسيرة، إلاّ أنّها تمثّل «قارب النجاة» الأوحد للبلاد والعباد (وفق راشد الغنوشي)…

في المُقابل الطيف المناصر لقيس سعيّد، والذي بنا كامل «ماهيته» على عداء النهضة، سواء من باب العداء الايديولوجي للنهضة أو بحثا عن موقع ضمن الخارطة السياسيّة المتحرّك في تونس (أو السببين في الآن ذاته)، سيكون هو الآخر مجبرًا على إعادة قراءة المشهد وترتيب الأوراق وفق الواقع القائم وما هو محتمل في قادم الأيّام.

يجد «الخيار الثالث» أيّ من يعادون في الآن ذاته، كلّ من قيس سعيّد وراشد الغنّوشي، ويعبرونهما «السيء» و«الأسوأ»، في تعويل على «تثليث» مفترض للمشهد لاحتلال أحد أطراف المثلث، وإن كان على مستوى «الظاهر» الإعلامي، وجها لوجها أمام مشهد جديد، يملي إعادة القراءة والخروج بمواقف جديدة…

قد يكون من السابق لأوانه رسم «خارطة طريق» والحديث عن «لقاء» على شاكلة «لقاء باريس» بين الشيخين راشد الغنوشي والباجي قايد السبسي، لكن ما يمكن الجزم به، يكمن في أنّ ما قبل الحوار لن يكن مثل ما بعده، حين تعلم قطاعات واسعة من «أنصار الشرعيّة» أن راشد الغنوشي سحب «الشرعيّة» اللفظ والمعنى والرمز، وتركهم في التسلّل، حين يقين جازم بأنّ زعيم النهضة «لم ينطق من فراغ»، بل هو ممسك بطرف خيط مهما كان رفيعًا، من الممكن أن يتحوّل (كما كان زمن الباجي) إلى «العروة الوثقى»…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي