المنصف السويسي: شتم في القفا وقبلة على الجبين … سخرية شكسبير أم انقلاب الاغريق؟؟؟

24 أكتوبر 2015
المنصف السويسي يقبل الباجي قائد السبسي

المنصف السويسي يقبل الباجي قائد السبسي

هزّت قبلة رجل المسرح المنصف السويسي على جبين الرئيس الباجي قائد السبسي، الرأي العام، أو هو الرأي المتنفّذ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، على اعتبارها (اي القبلة) تأتي نقيضًا بل تعكس وتكسر ما قاله هذا الممثّل عن هذا الرئيس في احدى البرامج التلفزيونيّة، حين وصل به الاستهزاء من الباجي (المترشّح حينها) ما اعبره الكثيرون تجريحًا أو هو حطّ من كرامة الرجل.

ما الذي يجعل هذا الممثّل والمخرج ورجل المسرح المخضرم ينتقل من نقيض الانتقاد اللاذع إلى نقيض القبل «المرصوصة» على الجبين؟؟

من السذاجة والتبسيط أن نعتبر المنصف السويسي معنيا بهذه «العقليّة» بمفرده، حين نرى الكثيرون قد جعلوا منه « يهوذا الإسخريوطي» (رمز الغدر في العقل المسيحي)، ومن ثمّة صبّوا عليه ما استطاعوا من سخط وما كان فيهم من غضب.

هي عقليّة قائمة في المجتمع التونسي، ولا تزال تؤدّي دورًا اجتماعيّا عامّا بل نافذا، دون أن نستطيع المتغيّرات الجادّة أن تمحو هذا التصرّف، بل هناك من يقول أنّ الأمور تعكّرت أكثر من ذي قبل.

علينا (بالنسبة للعقليّة التونسيّة) أن نميّز شديد التمييز، بل أن نفصل بين «النيّة» (المتراوحة بحسب المعتقد الشعبي بين الحسنة والسيئة)، في مقابل «التصرّف» (الماثل أمامنا والذي على أساسه يكون الحكم ويتمّ التقييم).

العمق الشعبي التونسي، يجعل من التصرّف (القائم) وجه «النيّة» المستترة، ليكون التناقض بين الفعلين، أي التقريع الشديد على احدى القنوات الفضائيّة والتقبيل اجلالا على الجبين، دليلا للتناقض في النيّة ومن ثمّة برهانًا على سوئها وبالتالي الحكم على الرجل بكلّ الأحكام السلبيّة (جدّا) التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي…

وجب العود سواء تعلّق الأمر بهذا الرجل أو هذه الحادثة إلى الطريقة التي يتّخذ بها «الفرد» القرار ومن ثمّة يكون الموقف والتصرّف؟

ينطلق المجتمع التونسي (ككل المجتمعات العربيّة الاسلاميّة) من مجموعة قيم ترنو إليها هذه المجتمعات (افتراضًا) أو هي «المثاليّة»، ليكون الحكم على المسرحي المنصف السويسي سلبيا (بل شديد السلبية) ليس لطبيعة كلّ من التصرفيّن، بل (وهنا خطورة تقييم المجتمع) لما شهده «ضمير المجتمع» من «تناقض» اعتبره وفقا (لهذه المجموعة من القيم) «عملا غير لائق»… مع سائل من التوصيفات باللسان الدارج شديدة الفحش…

أين الأزمة إذن؟؟؟

الأزمة تكمن (لدى الفرد كما لدى المجموعة) في منظومة التقييم وعلاقتها بالقيم الأخلاقيّة، أي كيف يقرّر الفرد تصرفاته (على الأقل في الفضاء العام) مقارنة مع «القيم المشتركة والجامعة»، لندرك دون أدنى حاجة للغوص (من منظور علم الاجتماع) أنّ هناك قطيعة بين هذه القيم وهذه التصرّفات.

أيّ أنّ منظومة القرار لدى الشخص لحظة اتخاذ القرار تنفصل (وهنا الخطورة) عن هذه «القيم المشتركة والجامعة»…

الأسباب واضحة وجليّة وترتبط بمفهوم «المصلحة وتحصيل المنافع»، أيّ أنّ المنصف السويسي لحظة تقريع السبسي أثناء البرنامج التلفزيوني اعتبر مصلحته ومنفعته (مهما تكن المصلحة ومهيا يكن النفع) في مهاجمة الرجل والتهجّم على سنّه والسخرية من قدراته، وكذلك عند التقبيل اعتبر مصلحته ومنفعته (مهما تكن المصلحة ومهيا يكن النفع) تتجاوز المصافحة العاديّة والتقبيل العادي، إلى درجة أكبر ومرتبة أرفع أيّ تقبيل الجبين، وهي (في الأعراف العربيّة) توازي تقبيل اليد (في أعراف المافيا)، أيّ التسليم بزعامة مطلقة تتجاوز المكانة «المعروفة» لرئيس الجمهوريّة…

لا ننسى كذلك، وهذا الأهمّ على المستوى السيكولوجي، أنّ المنصف السويسي رجل مسرح، ومن ثمّة تستهويه بل تستفزّه «جماليّة المشهد»، فيكون «الفعل» عنده أشبه بدور على ركح مسرحي، حين لا يهمّ تناقض الأدوار من مسرحية يتقمّص فيها دور الشرير إلى أخرى يأتي فيها دور الرجل الطيّب. الأهميّة فقط في «العمق الفرجوي» لكلّ مشهد على حدة، وما قدرة الرجل عل «الابهار» في الحالتين…

علينا أن نعترف للرجل بقدرة كبيرة على الابهار في المشهدين، في الأول مثّل دور الشرير الذي ذهب تقريعًا أو هو رسم صورة كاريكاتوريّة شديد التثقيل عن الرجل، واصفًا إيّاه بالعجز ومعتبرا أنّ في البلاد «من الكهول والشباب من يقدر على تحمّل المسؤوليّة.

مشهد أشبه ما يكون بمشاهد «تاجر البندقيّة» في وصف التاجر العجوز الذي يريد أن يؤتى حقّه من غريمه…

في الثاني اعتبر أو هو ذهب في مشهد أشبه ما يكون بتراجيديا المسرح الاغريقي، حين يركع الجميع في المعبد أمام الآلهة في اكبار شديد ورهبة أشدّ، بل يكون جزءا من طقس المسرحيّة (الراهنة) «تقبيل جبين ربّ قرطاج»… [الربّ هو السيّد والأعلى لغة]…

المنصف السويسي، باحث كمثل أهل هذه البلاد عن مجده الشخصي من خلال مشاهد يتداخل فيها الذاتي بالثقافي بما هي لعبة في البلاد. هذا الرجل الذي ألّف من المسرحيات وأخرج الكثير منها ودرّس المسرح طويلا، يعلم بحدس شخصي شديد الحساسيّة وغريزة الوجود المتأصلة فيه، أنّ الأخلاق الجامعة لم تعد بالصلابة التي يتخيّلها البعض، حين صار الانقلاب داخل الأحزاب هو الأساس، ليكون السؤال ليس عن رأي الآخرين الذين سيتناسون هذا المشهد وذاك، بمرورهم إلى مشاهد أخرى، بل ـ وهنا الأهمّ ـ عاد المنصف السويسي إلى «المسرح الحياة» حين يعلم رفاقه ومن يدركون طبيعته أنّه المسرح المفضّل لديه…


305 تعليقات

  1. وكذب الممثلون ولو صدفوا

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي