النداء أصبح صراخا وهراوات، والنهضة «راقدة في الخطّ»!!!!

4 نوفمبر 2015

من الصورة الأولى ومن النظرة الأوّلية، إلى صراع «الاخوة الأعداء»، داخل نداء تونس، يبدو جليّا ما يلي:

  1. أنّ هذا الحزب لا يحسن الجمع عنصرين، «التماسك» وكذلك «السلطة»…
  2. أنّ هذا الحزب لا يحسن الوقوف على قدميه مستقيمًا دون الباجي قائد السبسي على رأسه…

في الصفّ المقابل أو الموازي (الذي قال الباجي أنّهما لا يلتقيان) تأتي النهضة متمسكة بثابتين:

  1. عدم المراهنة بزعيمها «راشد الغنّوشي» ضمن أيّ انتخابات كانت،
  2. قبول النهضة أن تكون شريكًا صوريّا في الحكومة،

ممّا سبق (كلّه) نستخلص ما يلي:

ـ الندائيون تكالبوا على السلطة، بل تخاصموا في العلن أكثر من السرّ، وفاحت رائحة هذه الخصومات على المنابر الاعلاميّة، على عكس النهضة التي فضلت «الانحناء أمام الشهوات»، مكتفية بوزير «يتيم في الحكومة»،

ـ اصرار «شيخ النداء» على الوصول إلى «عرش قرطاج» لم يخدم النداء البتّة، بل شكّل أحد العوامل التي جعلت دفّة الحركة دون قائد، على عكس «شيخ النهضة» الذي فضّل عدم المخاطرة أو المغامرة (في أيّ انتخابات)، والاكتفاء بتحريك ما تصل إليه يديه، من بعيد،

رغم صورة التناظر، حركة تقابل حركة، وشيخ يلاقي شيخًا، إلاّ أنّنا أمام منطقين متناقضين ومفهومين للسلطة لا يلتقيان البتّة، من ذلك وجب قراءة مشهد كلّ حركة لوحدها، وأيضًا (وهذا المهمّ) وضع المسألة بما تستوجب من تناظر أو هو تعاكس.

أوّلا جاء «نداء تونس» ضمن رغبات محليّة مع توافقات اقليميّة وحاجة دوليّة، من أجل «صناعة» كيان سياسي يعاكس النهضة أولا، من باب ملء الفراغ (كما أعلن عن ذلك الأزهر العكرمي) وثانيا يتولّى هذا «الكيان» قيادة أركان منظومة اسقاط حكومة الترويكا وابعاد النهضة عن السلطة، ومن ثمّة يكون من الطبيعي أن يتولّى هذا الحزب السلطة.

قائد السبسي - مرزوق - بالحاج

قائد السبسي – مرزوق – بالحاج

وجب القول أنّ الغرب القارئ للواقع التونسي، وأكبر الفاعلين في المشهد وكذلك الأطراف العربيّة والاقليمّية الفاعلة في الساحة التونسيّة، تتفّق على اعتبار «العائلة اليساريّة» (قوس قزح بأكمله) من «أدوات التحريك» وليس «الحكم»، أيّ أن اليسار التونسي (بالرجوع إلى التاريخ منذ نشأته في الجامعة التونسيّة) لم يتجاوز دور «الملعقة» التي تحرّك ولا تأكل، وأيّ «شخصية يساريّة» شاركت في الحكم (زمن بن علي خصوصًا)، فقد ثبت (بالتاريخ) أنّها دخلت بصفة «فرديّة» نظير منافع «ذاتيّة» ولم يثبت مرّة واحدة أنّ شخصيات يساريّة دخلت الحكم في جبهة أو هي حافظت على أدنى تناسق في الأداء.

من ثمّة ما يجري في نداء تونس الآن هو محاولة فصل «مكوّن» (مارس السلطة منذ 1956) في توارث للماكنة الحاكمة، أي ما يسمّى «الدولة»، في مقابل «مكوّن» يتولّى المشاركة بفاعليّة في إعداد الولائم «السياسيّة»، لكنّ «الفيتو الغربي» وضع لك «كمّامة» تمنعه من «تناول» ما شارك في طبخه…

ليست المرّة الأولى التي تتخلّص فيها «ماكينة السلطة» من «اليساريين» بعد اتمام «المهمّة» (أي اسقاط النهضة والوصول إلى السلطة)، لكنّها هذه المرّة تختلف عن سابقتها (في عهد بن علي) حين تمّ التخلّي عنهم الواحد تلوى الأخر، كمثل المحارم الورقيّة، غير القابلة للاستعمال بسبب ما تحمل من «أوساخ» (السلطة).

على النقيض من ذلك، فهمت النهضة، أو فهم العقل المدبّر فيها «راشد الغنوشي» أنّ تونس تعيش وستعرف «غربلة» جديّة للطبقة السياسيّة فيها وأنّ وصول النداء إلى الحكم، وإنّ مثّل تتويجا لمسار اسقاط النهضة وهزمها انتخابيّا، إلاّ أنّه (وهذا ما لم يفهمه اليسار وعلى رأسه محسن مرزوق)، وسيلة جيّدة لضرب سرب من العصافير بحجرة واحدة، أيّ إضافة إلى المهام السابقة، إخراج اليسار من المعادلة السياسيّة (الفاعلة أيّ الحكم) والابقاء عليه ضمن «المعارضة» لممارسة رياضة «التهويش» (كعادته) عند الضرورة.

بلغة «النظام القديم» لا يعدو الأمر أو لا يزيد عن ساعة حائطيّة (تونس) تلاعب البعض بعقاربها (أي الثورة) وجاء الوقت لإعادة العقارب على هيئتها القديمة، لكن مع بعض التعديلات وبعد الترتيبات.

أوّل هذه التعديلات تكمن في أن يكون «الطلاق» عنيفًا داخل النداء لكي تبقى القطيعة ما يلزم من الوقت ليفهم «اليسار» حجمه وخصوصًا «دوره» ضمن المعادلة القائمة والقادمة.

ثانيا: أنّ يكون الصراع «عنيفًا» لتدخل الشخوص التي شاركت في «المسرحيّة العنيفة»، وفازت في «الامتحان»، عهد «ما بعد الطلاق» ضعيفة وقابلة للتطويع.

ثالثًا (والأهمّ): تطويع حركة النهضة، من خلال زرع داخلها من «القنابل الموقوتة» ما يجعلها تعيش «سيناريو النداء» (الحالي)، أيّ ذلك الصراع بين «الدعوي» في مقابل «السياسي»، في علاقة بقنبلة «عزل الأئمة» وسجن الإمام رضا الجوّادي، وكذلك (وهذا الأهمّ) تفعيل الصراع بين «مؤسّسات الحركة» (المنتخبة «ديمقراطيّا»)، في مقابل «مؤسّسة ديوان راشد الغنوشي» (الماسك الفعلي للسلطة وللقرارين المالي والتنفيذي)…

رغم التباين الفعلي والحقيقي بين الرجلين على مستوى التاريخ والمسيرة والمسار وحتّى «النضال»، وكذلك الأحلام والمألات، إلاّ أنّ راشد الغنوشي والباجي يتفقان حدّ التطابق حول أهمّية «مركزيّة القرار» (بين يد كلّ منهما) وسيطرة (كلّ منهما) سيطرة تامّة، غير منقوصة، على كامل «آلية صياغة (هذا) القرار»، بل استطاع هذا وذاك أن ينسجا من «اللعبة الديمقراطيّة» ما يكفي لستر هذه «الآليّة» وجعلها بمنأى عن العيون، بل وبمنأى عن الحساب والمحاسبة.

على مستوى «الهويّة» (هويّة الحركة)، قَبِلَ نداء تونس (كمثل التجمع الدستوري الديمقراطي) بتصريف هذه «المسألة» الاستراتيجيّة من خلال «القول الظاهر» المتصادم مع «الفعل البيّن»، أيّ قاعدة «الإيهام بالشيء يساوي وجوده»… عملت بها منظومة بن علي ويعمل بها النداء.

على عكس حركة النهضة التي تعيش أزمة «الهويّة»، في داخلها، بشكل خطير، حين تمسّ التساؤلات ليس فقط «الأداء السياسي» (للقيادة)، بل (وهنا الخطورة) علاقة الأداء بالتأصيل الفقهي (الإسلامي) لمفهوم المصلحة. بين خوف من المستقبل وعجز عن افتكاك المقاليد من بين يدي «الشيخ» (وجماعته)، تبدو «المعارك الكلاميّة» (الراهنة) أقرب إلى تدريبات (بدنيّة) من «حرب (عسكريّة) حقيقة»، لطبيعة الذات «الاخوانيّة» أوّلا، لأولويّة مراقبة التطوّرات «الميدانيّة» (أي حرب الاخوة الأعداء داخل النداء) ثانيا، وكذلك في انتظار التغيّرات الاقليميّة والدوليّة الكبرى بدءا بالانتخابات المصريّة ونهاية بالانتخابات التركيّة وما بينهما من وضع في سورية مفتوح على جميع الاحتمالات…

يتأكّد للناظر إلى الساحة التونسيّة ما يلي:

ـ يستحيل عودة النداء واحدًا موحدا، كما كان (يبدو) عند الاعلان عن الانتخابات التشريعية والرئاسيّة (على الأقل)

ـ تحمل حركة النهضة في داخلها من بوادر الصراع، ما يجعلها المسألة حتميّة، ليكون السؤال [المعرفي] عن آليات هذا الصراع وساحته فقط.

قالت الفرنجة:

ابحث عن المرأة Cherchez la femme،

وجب القول هنا:

ابحث عن «الشيخ» الذي (في الخفاء يترقب) ينتظر تعويض «الشيخ الظاهر»…


4 تعليقات

  1. اخر فرصة للاحزاب و الكيانات المحلية لتكوين جبهة سياسية قادرة على افتكاك السلطة و تحرير القرار الوطني ولكن البوادر غير مشجعة…

  2. اتمنى ان يكون مايحصل في النداء درس للجميع
    واتمنى ان تكون قراءتك لواقع حركة النهضة خاطئي
    وان ينتبه قياداتها الرافضين لبقاء الشيخ حساسية المرحلة

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي