النفاق والحقيقة في عهدة بوتفليقة: يعمهون، ولا يفقهون…

24 فبراير 2019

يمكن الجزم دون أدنى شكّ أو نقاش أو سؤال، أنّ تاريخ الجزائر سجّل يوم 22 فيفري 2019، في سجل التواريخ الكبرى والحاسمة وحتّى المفصلية، أسوة بفاتح نوفمبر 1954 و5 جويلة 1962 وغيرهما من التواريخ، لسببين اثنين:

أوّلا: أنّ «التغيير» بل هي «المفاجأة» لم تأت من «الدولة/النظام» وكذلك لم تصدر عن «الطبقة السياسيّة» ولا عن أحزاب الإئتلاف أو المعارضة، ولا عن «نخبة» ثقافيّة أو فكريّة، بل جاءت «الفكرة» وكان «التنفيذ»، من قبل «عمق شعبي» وسمه الكثيرون باللامبالاة وأنه قابل للارتشاء من قبل النظام، وأن شبابه بين حلم الهجرة واستهلاك المخدرات، وما بينهما ومعهما من «ضائقة الاتكاء على الحيطان»، حين أصبح الاتكاء وظيفة بل هي هويّة، أشبه بمن ينتظر السحاب الممطر في عزّ الربع الخالي. أثبت هذا «العمق الشعبي» أنّ قادر على تجاوز هوس الهجرة ومحنة المخدرات وكذلك القطع (العضوي) مع حيطان ملّت المتكئين منذ أمد طويل.

ثانيا: مثّل (هذا) «الوعي الشعبي» فارقة، حين فزعت أصوات قريبة من «العهدة الخامسة» أو هي ناطقة بصوتها، مؤكدة وجازمة (عند الاعلان عن موعد التظاهرة) بأنّ اللجوء إلى الشارع مدخل فتنة وباب مفتوح على «ربيع عربي/عبري» لن يحفظ انجازا ولن يبقي حجرا على حجر. أثبت هذا العمق الشعبي أنّ معادلة الخيار بين «الخنوع» مقابل «الدمار» مغلوطة من أساسها، بل هي «مدسوسة»، من قبل من يقايضون «هناء العيش» مقابل «الطاعة والانبطاح». متظاهرون قدّموا مثالا رائعا على أنّ لا أحد يحتكر «الوطنيّة» أو هو مكلفّ بتوزيعها أشبه بما هي «صكوك الغفران» التي تراها الكنسية الكاثوليكيّة مفتاحا لأبواب الجنّة، المغلقة أمام غيرهم.

هذه الاعتبارات جاءت بمثابة «الزلزال» داخل المشهد السياسي الجزائري، لسببين:

BTأوّلا: قدرة العمق الشعبي على نقض (بل كنس) قانونا صدر سنة 2001 (في عزّ العشريّة السوداء) يمنع بل يجرّم التظاهر والتجمهر وحتّى التجمّع في الفضاءات العامّة، وقد عاملت الدولة المخالفين دائما في عنف شديد وسدّت الطريق أمام «تفعيل الشارع» عاملا مؤثرا ضمن الجدليّة السياسيّة القائمة في بلد المليون ونصف المليون شهيد. ممّا يعني (وهنا الأهميّة) أن عقدة قد حُلّت وجدار قد تهاوى، ومن ثمّة سيصبح «الشارع» ذلك الفضاء أو «الملعب» المفضل لمن شاء أن يعبّر أو يثبت وجوده.

ثانيا: فقدت «الانتخابات الرئاسيّة» كنهها وماهيتها الأصليّة، أي فرز «رئيس» للبلاد من بين المترشحين للمنصب، ليتحوّل السؤال/التساؤل، أو هو يتراوح بين مآل هذا «اللجوء» إلى الشارع الرافض لما هي «العهدة الخامسة» من جهة، وكذلك قدرة النظام على التعامل (سواء قبل الاقتراع أو بعد صدور النتيجة)، مع هذه «المتغيرات/الانقلابات» ضمن المشهد السياسي، بدءا بما هي «انتفاضة صحافيي الاذاعات الحكوميّة» أمام ما يرونه انحيازا عن الدور الأصلي والمشروع لما هو الإعلام الحكومي من وقوف على «المسافة ذاتها» من جميع المترشحين، وثانيا نقل «المعلومة» (عن تظاهرة يوم الجمعة) في جمع بين المهنيّة والموضوعيّة….

من ذلك ساذج وغبيّ ومتخلف ذهنيا (كلّ معنيّ يختار التوصيف الذي يليق بمقامه)، من لا يقرأ هذه «المتغيرات» بل هي سلسلة الرجّات التي هزّت وتهزّ وستهزّ المشهد السياسي الجزائري، بدءا بالسؤال عن مآل «ترشّح بوتفليقة» لعهدة خامسة، وكذلك قدرة النظام أو هي رغبته، ضمن منطق الربح/الخسارة المضيّ قدما مع رفض لهذا «المناخ» الجديد أو على قاعدة «تحسينات/اصلاحات» لا تطرح المعادلة في نسقها الصحيح ولا تنظر إلى المتغيرات سوى في صورة «سحابة صيف عابرة» (وفق ذات الرأي)…

الجلسة التاسيسية الذي نظمها (ما يسمّى) « تجمع المواطنة والمجتمع المدني» (الجزائري) في العاصمة تونس يوم الأحد 24 فيفري 2019، تحت شعار ««تحسيس الجالية بالانتخابات» تثبت أنّ من فكّر ونظّم وعقد وأشرف وخاطب «الجالية» لا علم له ولا إدراك ولا وعي ولا احساس ولا حتّى دراية بهذه «المظاهرة/الزلزال»، دون أن ننسى مبدأ «حياد الدولة» (افتراضًا) وأن لا تكون الحكومة ووزاراتها ومن ثمّة سفاراتها، في خدمة هذا «المرشّح» أو ذاك.

BT2الجلسة كانت تحت شعار «الجالية الجزائريّة (في تونس) مع عبد العزيز بوتفليقة لجزائر أمنة» تمّ خلالها تلاوة الرسالة التي صدرت نيابة عن الرئيس الجزائري، والتي من خلالها عدّد انجازاته وأعرب عن نيّته الترشّح للانتخابات القادمة التي ستدور يوم 18 أفريل القادم. ممّا يدلّ أن الاجتماع عبارة عن «حملة انتخابيّة» سابقة لأوانها، علمًا وأنّ سفارة الجمهوريّة الجزائريّة الديمقراطيّة الشعبيّة في العاصمة تونس، من تكفّلت بمصاريف النزل وما طاب ولذّ من الطعام.

أخطر من هذه «المهزلة» عدم الوعي بها والسقوط أو هو التردّي في مستنقع خطير، أشبه بذلك «الملك العاري» الذي يتكل على صمت/خوف «الرعيّة» وكذلك على «مديح/نفاق» الحاشية، ليتخيّل ثوبا من الحرير المزركش. ليكون التناقض المرضي بين سبب جمع هذا اللفيف من الحضور وما جاء في هذا اللقاء. مصيبة بل جريمة «دعاة العهدة الخامسة» أنّه اختصروا الدولة في «فريقهم» واختصروا الوطنية في «ذواتهم»، وقسّموا العباد وشطروا البلاد إلى نصفين: فريق جعل بوتفليقة أشبه بآلهة الاغريق خالد ما أرادوا (له) من العهدات، مقابل «الكفرة/المارقين» الذين رفضوا الاصطفاف وراءهم/تحتهم. المظاهرة أثبتت أنّ غالبية العظمى من رافضي هذه العهدة لا مشكل لهم مع شخص عبد العزيز بوتفليقة وان الرفض لا يعني انتقاصا منه أو من كرامته أو مسّا من منصب الرئاسة أو ما يرمز إليه أو المؤسّسة التي يمثلها. فقط هو برّ بالرجل ورحمة به ورغبة في ألاّ يكون طرفا في «لعبة/خدعة» سياسيّة هو (أيّ الشخص/السياسي) رفضها عندما صدح بقولته الشهيرة: «طاب جنانه»….

 

ربّي ارحمهم إنّهم لا يفقهون….


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي