النقّابات الأمنيّة: حرصت فندمت….

26 يناير 2016

أقصى ما تخشاه أيّ جهة (رسميّة) تملك السلاح وبإمكانها استعماله أن تنافسها في هذا الدور جهة غير «واضحة المعالم» أو هي «جهة» نزلت إلى الميدان من خلال «الأمر الواقع» أكثر منه «قوّة القانون»…

هذه الخشية طبيعيّة ومشروعة ومردّها أنّ الأمر سيختلط بين «الطرفين» وكذلك سيقود «يوما ما» إلى «الصدام» (الحتمي)، كما هو الحال في ليبيا، ليس فقط الحرب الدائرة والمزمنة بين الأطراف التي تناصب بعضها البعض «عداءً واضحًا»، بل داخل كلّ طرف، حين تتنازع السلطة والنفوذ ومن ثمّة الثروة والمركز أكثر من جهة، سواء على مستوى البلاد بكاملها أو هي تقسيمات هذه البلاد أو مناطق النفوذ فيها.

هذا المنطق أسّس له في تونس:

أوّلا: محمّد الغنوشي: عندما طلب بُعيد «ترحيل» بن علي من «الجميع» النزول إلى الشارع وممارسة «مهام الحماية»، وهو اعتراف رسمي وصريح ومباشر بأنّ «السلطة» (المكلّفة رسميا بالحماية) «غير قادرة» أو «غير مؤهلة» أو مرفوض أن تؤدّي هذا الدور…

ثانيا: محسن مرزوق: حين طلب أو ذكر وجوب أن «تؤمّن كل جهة» (سياسيّة) أمنها الخاص، أي الذهاب نحو «تكوين مليشيات مسلحة» تحت قانون «شركات الحماية» (الخاصّة)، أسوة بالعراق وأفغانستان وعديد دول أمريكا الجنوبيّة، حين يتجاوز دور هذه «الشركات/المليشيات» البعد الدفاعي (البحت) لتتحوّل إلى «قوّة خاصّة» (مكلّفة بالعمليات «القذرة»).

ثالثًا: عماد الحمّامي: (القيادي الحمامة داخل النهضة) الذي عبّر عن استعداد النهضة لدفع «قواعدها» للمساهمة في حماية المنشئات العامّة والخاصّة…

في الحالات الثلاث ومهما كان الظرف ومهما تكن المسوّغات جاء الطلب أو العرض أو حتّى الاقتراح بناء على قراءة بعجز «القوّات الرسميّة» عن أداء مهامها أو قراءة برفض هذه القوّات أن تكون «أمنًا جمهوريّا»…

يمكن الجزم سواء صدّقنا قيادات النقّابات الأمنيّة أو صدقنا خصومهم، أنّ هذه النقابات تأتي أكثر من (مجرّد) نقّابات، أي تهتمّ بالجانب المهني المباشر، وبالتالي تحوّلت إلى «رقم صعب» ضمن المعادلة «السياسيّة/الأمنيّة» في البلاد، سواء على مستوى تأثيرها في مجرى القرار الأمني أو (وهنا الأهمّ) تحوّل قياداتها إلى أهمّ «الخبراء» في الشأن الأمني (في البلاد)…

 

49في بلد فقد توازنه السابق (الذي كان زمن بن علي) ولم يبن أو هو عاجز (إلى حدّ الساعة) عن بناء «هرميّة» (جديدة) يأتي طبيعيّا أن تحاول كلّ الجهات (مهما كانت) إلى توسيع نطاق نفوذها، سواء النقابات أو الأحزاب أو حتّى الجمعيات وكذلك الجهات والمناطق، دون أن ننسى الدوائر السياسيّة النافذة من سياسيين ورجال أعمال.

تبدو «النقابات الأمنيّة» أكثر في الصورة لخصوصيّة المشهد الأمني وخطورة «الإرهاب» والخطر الذي يمثله انخرام الأمني على التوازنات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وحتّى السيكولوجيّة، لكن هذه النقابات (كمثل الجميع) تعمل على قاعدة «توسيع المنافع» مقابل «درء المكاره»، وهي تعلم أنّها تعيش «فرصة (أكثر من) تاريخيّة»…

 

في الطرف المقابل يمكن الجزم أنّ جانب غير هيّن من التونسيين لم يعد يقبل أو يصدّق أو يؤمن بهذه «المنظومة الأمنيّة» (القائمة):

أوّلا: لعدم قدرتها على «تأمين الأمن» كما كان في السابق، سواء لعجز فيها أو انخراط أو عدم رغبة في الانخراط في أجندات سياسيّة

ثانيا: تحوّل هذه النقابات إلى «فاعل سياسي» يرضي (تارة) هذا اليوم ويغضب (تارة أخرى) ذاك، مع امكانيّة انقلاب الصورة بين رفض وقبول،

ثالثًا: اعتبار أنّ هذه «القوّات» لم تتحوّل (لدى فريق غير هيّن) إلى «أمن جمهوري» أساسًا على مستوى احترام الحريّات والقدرة على توفير الأمن واحترام حقوق الانسان….

 

خطأ المنظومة الأمنيّة ومصيبة (بعض) القيادات، أنها تخيّلت وصدّقت أنّ العمق الشعبي سيسلّم لها «أمنه» (دون نقاش) على اعتبارها «الذراع الشرعي» للدولة (الديمقراطيّة) في تأمين الأمن وضمان الحقوق. عدد متزايد من الناس صار يطعن في هذه «المسلّمة» أوّلا ومن ثمّة يقود الأمر إلى حالتين متوازيتين:

أوّلا: عدم الاعتراف بالمنظومة الأمنيّة بكاملها وعدم الاعتراف (بعد ذلك) بالسلطة السياسيّة التي تقف وراءها، لذلك نرى أعدادًا متزايدة من الشباب في موقع المقاطع والرافض للمنظومات القائمة في البلاد، بدءا بالسياسيّة نهاية بالأمنيّة.

ثانيا: نزوع أعداد كبيرة من المواطنين إلى امتلاك «السلاح» سواء منه المعدّ للصيد البرّي أو السلاح الحربي، من باب طمأنة الذات أوّلا وثانيا عدم الثقة في نوايا المنظومة الأمنيّة أو قدرتها….

 

التحرّك النقّابي الأخير الذي أقدمت عليه النقّابات الأمنيّة يمكن الجزم أنّه سيكون «نقطة ستفيض كؤوس عدّة»، خاصّة أنّها (في الآن ذاته) جهة نقابيّة وجهة مسلّحة، وبالتالي سيعتبر قطاع واسع من العمق الشعبي أنّ تحصيل «الحقوق» (النقّابيّة) تمّ بفعل (مسك) «السلاح»، أيّ أنّ النقابات قايضت الأمن مقابل حقوقها…

 

هذه الصورة المرسومة في أذهان قطاع غير هيّن، سيدفع جهات أخرى إلى التصعيد وإلى المطالبة بحقوق يراها أصحابها مشروعة، كما رأت قيادات النقّابات الأمنيّة حقوق منظوريها مشروعة، ومن الطبيعي وكذلك «المشروع» (عندما تأسّس هذا المنطق) أن يهدّد كلّ طرف بما يملك من «سلاح» أو أن يبترك لنفسه «سلاحًا» يقايض به هذه «الحقوق» سواء كانت مشروعة او مختلقة…

البلاد ستدخل في دوّامة من المطالب «العنيفة»، حين لا يمكن لأيّ قيادي في نقّابات الأمن أن يقول ويصرّح أنّ نقاباتهم أرفع من النقابات الأخرى (في البلاد) وأنّ «مطالبهم» أشرف من مطالب الأخرين…

 

ستعمل الدولة سواء في القريب العاجل أو المتوسط على تحجيم هذه النقابات وتحجيم دور قوّات الأمن الداخلي خاصّة، سواء بتقوية أجهزة مسلّحة أخرى بالرجال والعتاد والسلاح أو ادخال تحويرات على المنظومة لكي يحتلّ «الجيش الوطني» مهامًا «أمنيّة». هذا الجيش الذي لا تخشى منه الدولة مراجعة أو مساءلة أو مطالبة أو حتّى مجرّد تفكير (خارج النطاق) قبل تنفيذ الأوامر…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي