النهضة: «إخوان» ينقصهم «الصفاء» وخلاّن ينشدون «الوفاء»…

9 يونيو 2019

ذكرى «الميلاد» عادة ما تكون بالنسبة للتنظيمات السياسيّة، موعدًا لاستحضار الماضي، من باب تأكيد الحاضر والجزم بالسير على درب «الأوّلين» في نفس يجمع بين ما هي «حلاوة الذكرى» بما يقولون من «صفاء المنهج»…

قلّما أو نادرًا ـ في الفضاء العربي الإسلامي ـ أن يصدر ذلك «الكتاب الأبيض»، الذي وإن يتجاوز دور التأكيد على الشرعيّة أو الطعن فيها، يكون من مهامه القيام بدور «الناقد» (الموضوعي) لهذه المسيرة، من باب أنّ من رسموا هذا الدرب وساروا عليه، هم من «البشر» ولم يكن بينهم «معصوم» أو من هو «أرقى من أن يرتكب نقيصة»، وكذلك (وهذا الأهمّ)، أنّ من أخطاء الماضي، يكون ويتمّ تصحيح مسار المستقبل، بل هو الذهاب إلى نقطة «الوصول» [أي الهدف] بأقصر الطرق وأقلّ التكاليف وأيسر الوسائل.

وجب الإقرار أنّ تقاليد «الكتاب الأبيض» للنقد الذاتي وكشف الأخطاء المرتكبة، لم تكن وليس ولن تكون (في المستقبل القريب) جزءا من تراث التشكيلات السياسيّة في الفضاء العربي والإسلامي، مع استثناءات جدّ نادرة، محصورة في المكان والزمان والمثال، لخوف ماثل وعالق في حشايا الذات، بأنّ الجزء بمعنى الفقدان أو الطعن في الذات (بمعنى «النقد») أشبه بخسارة «الكلّ»، أو الاندثار والذهاب عصفًا ومأكولا. كذلك يتطلب الصراع (مع الأخرين) الدائر راهنًا، بل يستوجب الظهور في «الصورة المُثلى» الخالية من أيّ شائبة أو نقيصة، سواء بفعل الأخرين، أو (وهذا الأخطر) من خلال إعتراف «الذات» بهذه «النقيصة»… هو مرض وعلّة تعيشها التنظيمات السياسيّة جميها، من أقصى ما يسمّى «داعش» إلى الإلحاد والذهاب نحو الأقصى في الطرف المقابل. دون أن ننسى مسألة «الزعيم» ومكانته على اعتبار «ملخّص» الكيان السياسي وكذلك «المخلّص»، في نفس يقطع مع «تجريد اليسار» مقابل «شورى» التنظيمات ذات المرجعيّة الدينيّة، حين غرقت الأحزاب وريثة «التجمّع» ولا تزال في مستنقع «عبادة الزعيم»… يكفي لذلك الإطلاع على مقال في «صوت الشعب» دفاعًا عن «الزعيم» حمّه الهمّام… أو مقال في «العربي» اللندنيّة، مدحًا للنهضة و«عشقا» في زعيمها راشد الغنوشي…

 

ما يميّز حركة النهضة في تونس (بمعنى الانفراد وليس الأفضليّة) أنّها «الوحيدة» (دون شريك) في انتقالها من «العدوّ الكريه» (زمن بورقيبة وخاصّة بن علي) إلى «شريك التوافق» أوّلا وإثر ذلك إلى «شريك الإئتلاف»، لتتحوّل إلى «جوكر» الحياة السياسيّة أو هو ذلك المعشوق/العشيق الذي يحلم به هذا أو هو ذلك الخائن/الكريه لدى أخرين، الذين بنوا كامل منظومتهم السياسيّة وحلم الوصول إلى قصور قرطاج والقصبة وباردو على «سلعة» شيطنة النهضة وجعلها العدوّ اللدود.

nahda-660x330المطلّع على أدبيات النهضة خلال الأيّام والأسابيع الفارطة (على الفايسبوك اساسًا) يلاحظ انعدام النصوص الجادّة التي تأخذ مسألة «عيد الميلاد» أبعد من «عكاظيات» المديح المبالغ فيه، من استحضار لما هي «ملاحم» الماضي، أو هو بعض التأكيد على «الانعطافات» التي اتخذتها الحركة أساسًا خلال مؤتمرها «العاشر»، مؤتمر «الطلاق» (الخطابي) مع «المنظومة الإخوانيّة» من خلال السعي إلى الظهور في صورة «الحزب المدني السياسي»، كأنّ استبعاد الشيخين اللوز وشورو إلى «جناح دعوي» مستقل عن «الجناح السياسي» قانونًا، يمكن أن يمحي مسيرة، ويلغي عقليّة، ويعيد عقارب الساعة والثوابت الذهنيّة والمرجعيّة الأيديولوجيّة إلى «نقطة صفر» (جديدة) تجبّ ما قبلها وتنطلق في «حساب جديد»…

حركة النهضة وكتّابها (بمعنى كتّاب على «الفايسبوك» حصرًا) يريدون أن نصدّق خطابهم ولا ننظر إلى نمط عيشهم وأسلوب التسيير، القائم لديهم أساسًا حال الانفصام المرضي، بين القول بوجود «مؤسّسات ديمقراطيّة» في حين لا يزال الأستاذ/الشيخ راشد،/المرشد الغنوشي يستحوذ على سلطة القرار، رغم عديد بؤر «المقاومة» داخل الحركة، التي (وهنا الخطر) تتحرّك بحثا عن نصيب من كعكة «الحكم» وصولا إلى الإعداد لتحييد الأستاذ/الشيخ الذي لا يحقّ له (قانونًا) الترشّح لرئاسة الحركة في المؤتمر القادم، وليس من باب التأسيس لأيّ «ديمقراطيّة»، على الأقلّ وفق الصورة المدعاة أو التي تقول بها تصريحات المسؤولين أو كتابات بعض الكتاب (من يكتبون على الفايسبوك) على حساباتهم..

لا يمكن لحركة النهضة أن تتحوّل فعلا وحقيقة إلى «حزب مدني» وكذلك لن تتحوّل الأحزاب التي تدّعي أنّها «يسار» إلى «أحزاب مدنيّة» بمعنى «الحداثة والديمقراطيّة» وسط أجواء الضغينة والعنف اللفظي وأجواء «الانقلاب» داخل الأحزاب وبينها وعلى الدولة بكاملها.

 ما يحدث هو عكس ذلك: وسط أجواء الشحن والاصطفاف الإعلامي (الذي لا علاقة أصلا بأيّ «حريّة إعلام» ولا «ديمقراطيّة») لا يمكن الحديث عن «مسار انتقال ديمقراطي» خارج «ضرب اللغة» (بالمعنى الدارج) أي إطلاق توصيفات لا علاقة لها البتّة بما هو «الموصوف». ما نراه وما نشهده مرأى العين ولا حاجة إلى الكثير من الأدلّة: ذهاب نحو «قطبيّة» (نسبة إلى «شهيد الإخوان» السيّد قطب) من قبل القواعد، التي لا يمكنها أن تصدّق الخطابات الرنّانة وتكذّب حال الاصطفاف المفتوح على «مواجهة» في أيّ لحظة كانت. كما لا يمكنها (وهنا لبّ المسألة) القيام بعمليّة «نقد ذاتي» زمن التوتّر والبلد مفتوح على المجهول. ممّا يعني (وهنا الخطورة بمعنى علم النفس السريري) أنّ الخطابات (النهضة قبل غيرها) مفتوح وذاهب نحو «التلطيف السياسي»، بمعنى «بحث (الغنوشي) عن العصفور النادر» في حين تذهب القواعد إلى التظاهر بمعنى التصديق من باب عدم «الغدر» بقيادة الحركة وزعيمها، في حين أن النفوس تردّد آية جاءت في سورة الأنفال : «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ» (60)…

القراء من النهضة سيقولون (أكثر من غيرهم) «صدق الله العظيم» في روح من الإيمان العميق والخشوع الذي ليس مثله خشوع…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي