النهضة ليست «الخروف الأسود» بين «حملان بيضاء»!!!

17 يوليو 2019

منذ أن توزّعت رسالة عبد اللطيف المكّي على الانترنت وصارت تدور بين صفحات التواصل الاجتماعي، خرج على الملإ أناس أشبه بمن اكتشفوا البارود أو الذرّة، وربّما مراكب تحملنا إلى المجرّات الأخرى… على وجوهم عجب شديد، كأنّ «النهضة» (أخيرًا) «طاحت للميدان» وها هي «فاسدة»، دون أدنى إشارة أو تلميح أو حتى إحالة إلى أنّ تونس ليست السويد، بل هي بلد «الفساد» الذي يحارب «الفساد» بتعلّة «الفساد»…

أخطر أشكال الكذب والنفاق وحتّى التلاعب بالضمائر، نجد «الحقائق المنقوصة»، حين يتمّ تسليط الضوء على بقعة واحدة، ضيّقة بحساب المصلحة وواسعة بقدر الإرادة، ليتلهّى المشاهدون بها، وينسون أو بالأحرى يتناسون البؤر الأخرى التي هي في حاجة، من باب الأخلاق والأمانة المهنيّة والوازع الوطني، وخاصة احترام المتفرّج أو القارئ إلى أضواء كاشفة هي الأخرى.

المعادلة بسيطة والتلاعب على قدر كبير من السذاجة: «فساد النهضة» جاء ليغطّي «فساد الأحزاب» الأخرى، ومن ثمّة يكون البديل عنه عند «الفرجة» الصانعة للوعي الانتخابي، لأنّ «الانتخابات» هي بؤرة الضوء الجاذبة للجميع، حين عوّض هذا ذاك، أو هي القناعة أنّ الطبقة السياسيّة بكاملها، والمقصود المشاركة في صنع القرار، بمعزل عن «طبقة المتفرجين» [من السياسيين]، لا تعدو أن تكون سوى «ناد للعراة» لا أحد فيهم بستر عورته ومن ثمّة لا أحد بينهم يملك القدرة على التشهير بقبح مؤخرة الأخرين.

الناظر إلى الطبقة السياسيّة، منذ 14 جانفي 2011 خاصّة يلاحظ أعراض عديد الأمراض النفسيّة الخطيرة. فاسد حدّ النخاع يندّد بفاسدين، ومزوّر انتخابات باعترافه يتهم أضداده بمعادة الديمقراطيّة. كلّ ذلك أسّس ولا يزال إلى «ماكينة شيطنة» الخصم اعلاميّا وعلى المنابر كأنّ «شيطنة» الأخر تعني «براءة» الذات.

http://www.dreamstime.com/royalty-free-stock-image-black-white-sheep-black-sheep-different-alone-vector-illustration-image51112176

عندما نوسّع دائرة الرؤية وندقّق في غياهب التاريخ (القريب بمعنى العشرية الفارطة) نجد أن «أضداد» (الداخل) على أساس الهويّة الدينيّة خاصّة بين «اسلامي» يقابله العلمان» هم أسرى «القرار الاقليمي والدولي»، ومن ثمّة أسرى الخطوط الحمراء وأيضًا دروب السير، جميعها (للطرفين سواسيّة) مرسومة بالكامل من قبل من هو قادر على نزع الشرعيّة من أصحاب هذا النفوذ الداخلي.

حين ننزع دون أيّ مقارنات تدخل ضمن الصراع «الإسلامي/العلماني» ما هي الفوارق (البسيطة جدّا، في حال وجدت)، بين خيارات النهضة على المستوى الاقتصادي وتلك التي تروّج لها شقوق النداء أو آفاق أو غيرها من «أحزاب الوليمة» (الحكوميّة). الجواب: لا فوارق حين نستثني الجمل المبهمة والعنتريات اللغويّة (أحيانًا). لتجلس هذه الأحزاب جميعها أمام من يمثلون صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي وغير ذلك من هيئات الإقراض، جلسة التلميذ المذنب أمام أستاذ لا يرحم.

العلامة الفارقة في ما جاء به رسالة عبد اللطيف المكّي، تكمن في نجاح دوائر القرار في الولايات المتحدة، زمن كلينتون التي رأت وفكرت ومن ثمّة قرّرت أنّ أفضل وسيلة لتجريد الأحزاب ذات التوجه الاخواني من «هالة الإيمان» وكذلك «الاستفراد بالأخلاق الحميدة»، تكمن في الزجّ بها في أتون السلطة، ليتراوح دور هذه الأحزاب (وتونس خير دليل) بين «مشاركة» الطبقة السياسيّة في «القذارة» التي كانت هذه «الأحزاب» (الاسلامية) تنعت بها «الأنظمة القمعيّة»، وكذلك (في أسوأ الحالات) أن تكون «شاهد زوز» على فساد استشرى مثل النار في الهشيم أو يقضم مثل الجراد ما استطاع زمن (هذه) الديمقراطيّة…

أزمة النهضة والغنوشي خاصّة أخطر بكثير وأعمق من مجرّد توزيع الكراسي البرلمانيّة على قاعدة القائمات الانتخابيّة. هي أزمة من أدمن القمار دون حساب وداخله يقين الانبياء بالقدرة على استرجاع رأسمال بل تحقيق أفضل ربح (سياسي) على مرّ التاريخ. منذ 14 جانفي 2011، دخلت حركة في «ريجيم» [حمية] سياسي غايته نزع «الأسلمة» عن الحركة والنزوح بها نحو «موقع ديمقراطي» يعتبر «الإسلام» مجرّد دين الدولة الرسمي، دون أن يكون له ذلك «الدولة» الذي من أجله التفت «الجماعة» (ذات يوم) حول «حلم التمكين»…

أسوة بكرة القدم، وكأس إفريقيا يشهد أيّامه الأخيرة، ما الذي يدعو «الممرّن» راشد الغنوشي إلى التخلّي عن «اللاعبين» القدامى والمخضرمين، والاتكال بدلا عنهم على «نكرات» لدى «عمق/جمهور»؟؟؟؟ الجواب على وجهين: الغنوشي يريد تفعيل الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة ضمن مشروع «نزوح الحركة» لتستقرّ بعيدًا عن «الإسلام السياسي». مشروع يرفضة «شركاء» الغنوشي في النضال والسجون والعذابات والمنافي، وتقبل به فئة «المؤلفة قلوبهم» ممّن جاد عليهم الغنوشي بمنصب في البرلمان، ليكون وليّ نعمتهم إلى الأبد، أو إلى حين رحيله، لينقلبوا عليه، كما انقلبوا من قبل على بورقيبة وبن علي.


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي