انفجار اسطنبول: من المرسل وإلى من الرسالة؟؟؟

13 يناير 2016

الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ العمليّة الانتحارية الارهابيّة التي جدّت في حيّ «السلطان أحمد» وسط العاصمة الاقتصاديّة التركية اسطنبول صباح يوم الثلاثاء 12 جانفي 2016، ليس من «فعل هواة» أو جماعة تحرّكها «مشاعر مجرّدة».

تقاطع المصالح وصدام العداوات، يفتح الباب وجوبًا على تحديات أكبر واسقاطات أشدّ أهميّة، ليس لعمليّة ارهابيّة بهذا الحجم، بل لأشياء أقلّ قيمة على المستويين التكتيكي والاستراتيجي.

اعلان أنقرة على لسان رئيسها «رجب الطيّب أردوغان» أنّ منفّذ العمليّة الارهابيّة «سوريّ»، يأتي على قدر كبير من الأهميّة، مهما تكن الجهة التي (قد) تقف وراء العمليّة، سواء تبنت (هذه) «جهة» هذه العمليّة، أو كشف عنها التحقيق، لأنّ تركية ستقف أمام إحدى الحقائق الثلاثة:

أوّلا: أنّ «النظام السوري» يقف وراء العمليّة، وقد أراد منها أن يجعل تركية (بكاملها) «تألم» كما «يألم» (هو)، خاصّة وأنّ الهجوم قد مسّ (على مستوى الرمزيّة) أحد المكان الأكثر أهميّة على المستوى السياحي في البلاد، ومن ثمّة يكون النظام السوري بصدد «تطوير» نظريّة «ردع» جديدة، كانت القيادة الإيرانيّة (بما لها من وزن على القرار السوري) ترفضها رفضًا باتًا…

ثانيا: أنّ جهة «إرهابيّة» تعادي تركية وترى فيها جزءا من الحرب عليها، وأرادت «الانتقام»، حين تتوجّه الشكوك ضمن هذا الاحتمال إلى التنظيم المسمّى «داعش»، علمًا وأنّ «تركية» تعادي (رسميّا) هذا التنظيم رغم تقارير إخبارية (إماراتية بالخصوص) تتحدّث عن «تعاون بين الطرفين»

ثالثًا: أن جهة «ثالثة» تريد أن تدفع تركية إلى مزيد من «الصرامة» تجاه هذه الجهة أو تلك (الذي ستكشف عنها التحقيقات) في علاقة بالملفّ السوري، ممّا يمكّن القيادة، بفعل هذه الضربة من الذهاب أكثر في حربها، سواء على «النظام السوري» أو على «جهة ارهابيّة» ما.

Istumbil2

عملية ارهابية في اسطنبول

الاحتمال الثالث مفتوح على مصراعيه على أكثر من طرف، يملك مصلحة مباشرة في ضرب «الدولة التركيّة» في أحد أهم «رؤوس الأموال» لديها، أي القطاع السياحي، مع التأكيد أنّ «حيّ السلطان أحمد» التاريخي يمثّل «جوهرة السياحة التركيّة»، مع إضافة أنّ من بين الضحايا مواطنين ألمان ممّا يعطي للعمليّة «بعدًا دوليّا» يتجاوز القراءات «الفوقيّة» والتحاليل «البعيدة» عن أرض «الواقع»، سواء تعلّق بحقّ هذه «الدول» في ممارسة «الثأر» (الشرعي)، أو في مشاركة (ما) في التحقيق، أو في «تفعيل» هذه «الجريمة» من خلال وسائل الإعلام وأخطبوط المصالح وما فيها من «جماعة ضغط» غير بريئة…

 

تركية قادرة فعلا على تجاوز الأزمة والسياحة التركيّة (أحد أعمد الاقتصاد) لن تتأثر كثيرًا أو طويلا بهذه العمليّة، لكنّ السؤال الأهمّ:

«من يقف (فعلا) وراء هذه العمليّة؟»، وما هي «الرسالة» التي أراد تبليغها إلى هذه «القيادة»؟؟

 

على المستوى الإعلامي، البقاء يتراوح (لمن يحترم نفسه) بين سرد الوقائع، وتعداد الاحتمالات، لكنّ «أصحاب القرار» (في أنقرة) يعلمون «من فعل ماذا»، أو على الأقلّ، يملكون من الشبهات والقرائن ما يمكنهم من توجيه التحقيق ومن ثمّة الشكوك والاهتمامات في هذا الاتجاه أو ذاك.

من أبجديات السياسية، وخصوصًا في مجال «الارهاب» (الصناعة السياسيّة الأولى) أنّ «ليس كلّ شيء يُقال، وليس كلّ ما يُقال يأتي جهرًا»، ممّا يعني أنّ القيادة التركيّة، ستأخذ من قرارات المعلنة والخفيّة ما تراه أوّلا، ردّا مناسبًا على هذه العميلة الخطير (جدّا)، وثانيا (وهنا الأهميّة) ستنتقي من معلومات التحقيق وستنشر ليس ما «يخدم الحقيقة» بل ما «يخدم مصالحها».

 

Istumbil

عملية ارهابية في اسطنبول

هي جولة أخرى وجديدة من حرب أو حروب المنطقة، حرب أو حروب، يتداخل فيها هذا الطرف مع ذاك، ويختلط فيها أو من خلالها الظاهر مع الخفيّ، وكذلك (وهنا الخطورة) يمثّل الإعلام (بما يصنع من رموز) أحد أهمّ «الأسلحة الاستراتيجيّة» في هذه المعركة، ممّا يعني أنّ أخطر من «العمليّة الإرهابيّة» مهما كان عدد الضحايا ومهما تكون «الظروف»، أخطر من ذلك «التعامل (الإعلامي) مع العمليّة»، ليكون الإرهاب (سواء الفعل أو ردّ الفعل تجاهه) أحد ميادين الصراع في المنطقة…

هي جولة خسرت فيها تركيا (جزءا من) اعتبارها، وخسرت كذلك بعضًا من «كبريائها»، لكنّها «مهدّدة» (وهنا السؤال) أن تتحوّل إلى «أرض معركة» بعد أن كانت تعارك «الأخرين» (النظام السوري والأكراد) في ميدان كلّ منها.

يدرك المتربصون بتركية (الطيف بكامله) جيّدا نقاط قوّة النظام والمنظومة، وكذلك يعلمون بالتدقيق «مواطن الضعف» فيها، لذلك جاءت العمليّة الارهابيّة «مركِزة» (بكسر الكاف) على «الرمز السياحي الأهمّ» وكذلك «مركَزة» (بفتح الكاف) على مستوى الجهود لضرب هذا «المعلم» لأن لا أحد يتخيّل (لحظة واحدة) أنّ تركية (خاصّة المنظومة الأمنيّة) لم تأخذ حذرها من مثل هذه العمليات ولم تتخذ الاجراءات الضرورية، سواء لصدّها (استباقيّا) أو للتعامل معها عند الحدوث، ممّا يعني أنّ النجاح في ذاته (أي نجاح الانتحاري في الوصول والتفجير) يمثّل ضربة لكبرياء «الأمن التركي» (ضمن المعنى الواسع للكلمة)، حين تأتي الرمزيّة أحد أكبر الرهانات في هذه الحروب الحفيّة والصراعات السريّة.


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي