بوتفليقة: «الإمام» الغائب/المغيّب، عجّل الله فرجه الشريف…

10 أغسطس 2017

الصحافيون في الجزائر ومجمل رجال الإعلام، ومن يعتبرون أنفسهم «نخبة» وكذلك عدد غيّر هيّن من روّاد مواقع التواصل، لا همّ لهم ولا طلب، بل هو الهوس (المرضي لدى البعض) سوى قراءة «التسريبات» الصادرة أو المنسوبة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أو الصادرة (باسمه) عن حواشيه أو هي حاشيته. هذه «المادة الدسمة»، بل المشحونة بالغموض ومن ثمّة «الملوّثة» (بالضرورة)، لا يمكن لأيّ كان أن يتخيّل «وسطًا خصبًا» أفضل منها، لجميع محاولات الدسّ والاختراق، ومجمل أعمال التلاعب بالسلطة ومن بعدها (وهذا الأساس) بالرأي العام.

الصحافيون ورجال الإعلام ومجمل هذه «النخب» التي تدّعي العلم والدراية ومن ثمّة التحليل ومن بعدها الاستخلاص، جميعها (دون الاستثناء) سقطت في مطبّ «الخلط» (المرضي ومن ثمّة الخطير) بين «المعلومة» (المجرّدة)، أيّ ثابتة بذاتها أو المعرّفة باليقين (كما تقول أبجديات الممارسة الصحفيّة)، وبين ما هو طبيعيّ من ممارسة القراءة وكذلك التحليل وما يليه من تأويل واستخلاص.

 

دون السقوط في نظريّة «المؤامرة» والقول بوجود «مطبخ» يدير «المشهد» مثلما هو «مسرح العرائس» من خلال خيوط شفّافة، يمكن الجزم بصعوبة إن لم نقل باستحالة بقاء صحفيّ في حال «الموضوعيّة» وهو المجبر (بحكم المهنة) على تقديم «منتوج صحفي» ومجبر (بحكم قانون المنافسة) على تقديم «التميّز»، ومن ثمّة تكون الصعوبة أو هي استحالة البقاء أو التشبّث بالأبجديات المؤسسة للعمل الصحفي ضمن ضوابطه المهنيّة (بالمفهوم الأخلاقي)، وكذلك (وهذا الأخطر)، عدم السقوط بفعل السهولة أو الاغراء (المادّي أو غيره) في المطبّات التي زرعها ويزرعها في سرعة متزايدة، من يريدون ويعملون لتحصيل مكاسب سياسيّة، بدرجات متفاوتة، وفق الموقع والموقف وكذلك درجة القرب من «الرئيس»، وأساسًا ما يملك من «أوراق» يريد تثمينها في هذه «البورصة» المفتوحة دون حدود.

 

أخطر دلائل هذا «السقوط إلى الهاوية» أن يتحوّل الصحفي/الإعلامي أو صانع الرأي العام على وسائل التواصل الاجتماعي إلى «قوّال» (بتثليث القاف) [«فداوي» بالمعنى التونسي، أو «حكواتي» بالتسمية المعتمدة في المشرق العربي]، لا همّ له، سوى استراق «شظايا» «المعلومات» المتوفّرة/المسرّبة، ومن ثمّة صناعة «خرافة»، مع ما يلزم من «ملء للفراغات» وكذلك (وهذا الأهمّ) وضع أقصى ما يمكن من «بهارات» محليّة ومستوردة…

o-BOUTEFLIKA-facebookانقلب «قصر المراديّة» [القصر الرئاسي في الجزائري] إلى أشبه ما يكون بشركة انتاج سنيمائي، تسعى وتعمل في الآن ذاته، على المحافظة على «أسرار العمل» من باب «صناعة التشويق»، وكذلك «التسريب بمقدار»… هذا ما نراه ونشهده ونشاهد، بل نستهلك وأدمنه البعض: غموض شديد وعمل جبّار للحفاظ على «السريّة» وكذلك التعامل من خلال «التسريبات»…

 

دون مواربة وبصريح العبارة، وجب أن نعترف ونقرّ، ولا حاجة إلى إعادة اختراع البارود، أنّ «عدّو» بوتفليقة الأوّل والأساسي بل الأخطر، يتمثّل حصرًا في الشخص أو الجهة التي تتولّى «التسريب»، لنفهم (بناء على هذه «التسريبات) أنّ «سيادة الرئيس» أيّ المنصب الأرفع في البلاد، والقائد الأعلى للقوّات المسلّحة، وصاحب قرار السلم والحرب، ومن بيده مقاليد البلاد ومصائر العباد، عاجز عن الكلام وغير قادر على «التنافذ» مع شعبه، سوى من خلال «التسريبات»، التي هي أو أصبحت بل وترسّخت، في ما يشبه «الوحي» الذي علينا أن ننتظره، دون أن نعلم (علم اليقين) أو يظهر إلى العلن هذا «الوسيط» بين «ربّ دزائر» (في نسختها الحاضرة والسائرة)، وبين عمق شعبي، وإعلام ونخب، يترّقب (جميعها) الخيط الأبيض من الخيوط الملوّنة جميعها.

 

«الحكاية» في بعدها الروائي عديمة القيمة، مع كامل الاحترام وجزيل التقدير للشخوص. أن يغضب الرئيس ويوجه «توبيخًا» إلى «تبّون»، وأن يظهر «حدّاد» في صورة «الفائز» بجائزة «الأوسكار» (بمعنى السينما)… كلّها وجميعها «تفاصيل» لأنّ «الراوي» لا يحترم أصول الرواية والتقاليد المتبعة في علم «العنعنة»، وأيضًا، لا أحد (حقيقة) ضامن ألاّ ينقلب «البطل» (الفائز) إلى أسفل درك، ويصعد من في أحطّ وضع، ليجلس على كرسي الصدارة.

لا أحد، أو هم قليلون، من يملكون القدرة على «الارتفاع» فوق «حلاوة الدراما»، لرؤية ما هو «النسيج» (السياسي) من «اهتراء» (في الجزائر)، بل في تعارض، إن لم نقل تناقض، بين «الصورة الظاهرة» من جهة، مقابل «الصورة الحقيقيّة» لهذا «النسيج»…

هو سباق «ضدّ الساعة» على شاكلة من يقفون أمام مغارة «علي بابا» وقد انفتحت أمامهم لوقت معلوم، وعليهم رفع ما استطاعوا، بل أن يرفعوا أفضل من خصومهم، لأنّ «الساعة قائمة» لا محالة، حين يستحيل التسريب ولم يعد العمق الشعبي وكذلك النخب تصدّق أو تحتاج هذه التسريبات.

 

مثل كلّ «مسلسل»، ستنتهي يومًا «لعبة التسريبات»، لكنّ السؤال الذي يطرحه «أولي الأمر» يكمن في موعد «انقطاع» شعرة معاوية، بين هذه «الأسرة الدراميّة» مقابل «العمق الاعلامي» وكذلك مجمل النخب، وخاصّة الشعب، الذي يفهم ما يجري، وإن كان لا يتابع «التفاصيل» في دقائقها، كما يفعل أهل الاعلام…

 لا أحد، بل كاذب، من يقول أنّه «يستلذّ» بمشاهدة «مسلسل التسريبات» في الجزائر، بل هو العلقم، سواء تعلّق الأمر بصورة «الرئيس» وأين تردّت، إلى «موضوع شكّ وتشكيك» وكذلك مصالح البلاد ومصائر العباد، حين لا أحد سيصدّق أنّنا (أيّ الجزائر) «في أفضل حال»…

 

هناك قرف عام في الجزائر أمام هذا المشهد «المسيء» إلى بوتفليقة الشخص والرمز والمؤسّسة، وهناك خوف (مشروع) على البلاد والعباد، ومن ثمّة يكون السؤال (المنطقي والمشروع) عن «أسلوب الإنقاذ» وكذلك «وسيلة الخروج» من هذا المستنقع…

 

الخطر، كلّ الخطر أن يفكّر البعض في «وسائل غير دستوريّة»، ربّما تكون (ظاهرًا) «الحلّ الأفضل»، أو ربّما (ونقول ربّما) يعمل البعض أو هو صنع كلّ هذه «المسرحيّة» ليكون هذا «الحلّ غير الدستوري» ممّا تطالب به الجماهير وتنادي به النخبة… نقول ربّما درءا للشبهة وابتعادًا عن وسوسة الشيطان الرجيم…

 


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي