بوغلاب ـ الزعيري … من قابيل ومن هابيل؟؟؟

25 أكتوبر 2015

أثبتت التجارب الميدانيّة والملاحظات في المخابر كما في الحياة العامّة، أنّ حسن العلاقة بين رجلين أو امرأتين ينسحب على أبنائهما، وكذلك الخصومة والعراك، ومن ثمّة وجب أن ننظر إلى «عراك الصغار»، حين غاب سبب واضح (للعراك المباشر بينهما كمثل التخاصم من أجل لعبة أو هي قطعة حلوى)، على أنّه «اسقاط فوقي» من «أولياء الأمر»،

ليس فقط من باب «الاستبطان»، بل ـ وهنا خطورة الحالة التونسيّة ـ سعي طبيعي من «الأبناء» لخدمة «من هم فوق»، حين برز بما لا يدع للشكّ، أنّ المعركة بين الطرفين أو الأطراف (حين لا يمكن التمييز لضبابيّة المشهد)، هي معركة عضّ أصابع وليّ ذراع، بل كسر عظم، أيّ أنّها «معركة حياة او موت»، ممّا يعني أنّ هذا وذاك (من الابناء) يعي أنّ نعمته ووجوده (المهني) وحتّى الذاتي، مرتبط بمنتهى هذه المعركة التي لم تضع أوزارها، بل لم تبلغ أوجّها بعد…

 

الزعيري - بوغلاب

الزعيري – بوغلاب

كانت الصورة «جميلة» و«صافية»، بل «مريحة» في كلّ أركانها. محمّد بوغلاب وناجي الزعيري يتبادلان الأدوار ويتقسمان المهمّة، في تناغم فكري وتماثل أيديولوجي وحتّى وظيفي على المنابر التلفزيونيّة.

 

أيّ خطب جعل أخ أمس يقذف في وجه أخيه أقذع التهم، بل يذهب في الأمر تهديدًا بكشف المستور؟؟؟

من الثابت وما لا يقبل الجدل أنّ تونس صارت تقف على ألواح سياسيّة متحرّكة، ومن ثمّة يكون «الخوف» طبيعيّا من السقوط وكذلك «الطمع» جائزًا في تحسين الموقع، خاصّة ـ وهنا لبّ المعركة ـ أنّ الفراغ المرتقب والمعلن والصريح لكرسي الرئاسة (في قريب يراه البعض أدنى من الأنف ويعمل أخرون لذلك)، جعل أصدقاء الأمس يدخلون في حرب تصفية معلنة.

كمثل السينما، نحن نرى ونهتمّ ونتفاعل مع «الصورة على الشاشة» (التلفزيونيّة)، في حين أنّ «الصورة الاصل» (السياسيّة) تأتي في «جهاز البثّ» (الخفيّ)، الذي لا يلتفت إليه أحد أو يكاد، وكذلك يكون لزامًا على من يريد تغيير الوضع، أن يعود إلى «الصورة الأصل» سواء لمنعها من البثّ أو تغييرها،

لذلك ستكون «المعركة الصحفيّة» محرار المعركة الدائرة في الكواليس ووراء الستار وفي المجالس المغلقة، بل يمكن الجزم (كما حال معزّ بن غربيّة) أنّنا شهدنا التهديد والتهديد المضاد، ليكون التنفيذ (أو قرار تنفيذ التهديد) مرتبط بالدوائر الأعلى والقيادات التي تملك المال والسلطة والسلاح.

تأخذ أو بدأت تأخذ المعارك الصحفيّة أهميّة قصوى، لأهميّة السيطرة على المنابر الاعلاميّة أوّلا، وثانيا الحطّ من مصداقية الخصم ثانيا، وثالثًا (والأخطر) هي معركة «حياة أو موت» استوجبت «النفير العام» و«إعلان حالة الطوارئ» في أخطر درجاتها.

كلّما تقدّم الزمن وصار «عدّاد الرئاسة» إلى «نزول زمني»، كلّما اشتدّت العداوة وتصاعدت حدّة العنف، لكن وجب التأكيد على عاملين:

أوّلهما: أنّ الأطراف الصحفيّة قادرة في لحظة قراءة «مصلحيّة» ممارسة رياضة «الانقلاب» و«الالتحاق بالصفّ المقابل»،

ثانيا: أنّ المعركة ترتبط بولاء وسائل الإعلام قبل ولاء الصحفيين، لأنّ لا صحفي دون منبر، يقدر على الوصول إلى العمق الشعبي، كما وجب عدم المبالغة في تقدير قدرة «الاعلام البديل» على حسم المعركة.

من ذلك، علينا الصبر والمشاهدة، بل عدّ النقاط، أو ربّما إدراج هذه المعارك ضمن «التكهنات» التي يعشقها التونسيون، حين تأتي متعة اللعبة في كمّ الغموض ولذّة كشف الأوراق كلّما اقتربنا من الساعدة الصفر، أيّ خلوّ أو اخلاء كرسي الرئاسة بشهادة طبيّة أو غيرها من الأساليب والحيل.

عاشت تونس منذ زمن بورقيبة وبن علي هذا الصنف من العلاقات الكيديّة بين أطراف النظام، لكن وجب التأكيد أنّ زمن هذا وذاك، كان الجميع دون استثناء يحترم قواعد اللعبة، من عدم الخروج بالمعركة إلى العلن أوّلا، وثانيا ممارسة الكيد والنميمة حصرًا لدى المجاهد الأكبر أو صانع التغيير، حين كانت أقصى درجات الحرب الاعلاميّة (الظاهرة للعيان) في «العهدين السابقين»، تتمثّل في كتابة مقالات أكثر بروزًا في الصحافة الحزبيّة والحكوميّة وما جاورها من صحافة القطاع الخاص التي لا تتمّتع في غالبيتها بأيّ استقلاليّة. لذلك كان القراء المتمرسون والمتابعون المختصون، دون غيرهم أصحاب كفاءة في تبيّن «محرار» الصحافة ودرجة حرارة الصحف، لتبيّن مدى سيطرة هذا الوزير أو هذا المستشار على رئاسة التحرير أو غرفة الأخبار. يكفي أن يظهر الوزير عديد المرّات على الصفحة الأولى، أو أن يتمّ تجاهل ذاك الوزير بمقال مركون في الصفحات الداخليّة، لنفهم و تتوضّح «بورصة» الوزراء والمستشارين.

من مخاطر هذه اللعبة أن يكتشف المجاهد الأكبر/صانع التغيير هذا «الاطراء الصحفي»، بنفسه أو عن طريق الدسّ والنميمة، فيصبح الوزير فجأة «عصفًا مأكولا»…

نحن نعيش ـ راهنًا ـ دولة مفكّكة الأوصال فعلا، ودون عمود فقري أو (تلك) «هيبة الدولة» (التي يتشدّق بها الجميع)، حين نرى على المنابر الاعلاميّة من الشتم المباشر والتقريع العنيف، وحتّى الكلام السوقي والبذيء، بين من هم (افتراضًا) من ذات الصفّ (أيّ الائتلاف الحكومي)، ما يفوق الخيال، لأنّ ـ وهنا الطامّة العظمى والمصيبة الكبرى ـ تدور معركة السياسية داخل «الدولة» ومن أجلها، بأدواتها، في تقاطع مع الاحزاب والمافيات، على عكس «المعارضين/الخصوم/الأعداء»، الذين هم أشباه بالأيتام (فعلا) في مأدبة اللئام (فعلا) دون أدنى شكّ.

ليس مهمّا أن ينفّذ ناجي الزعيري وعيده، وليس الأهمّ أن يردّ محمّد بوغلاب على هذا الشتم وهذا التهديد، حين يأتي هذا وذاك جزءا من منظومة عليهما التقيّد بأصول ممارسة الصراع فيها، حين يكونان، أشبه بالشجرة الذي تميل يمنة ويسرة بفعل الريح.

نحن نرى الشجر يتحرّك وننسى أنّ الريح يحرّكه…

 


3 تعليقات

  1. الشادلي

    و من الغراب الذي سيتعلّم منه قابيل كيف يدفن هابيل

  2. خديجة ام خليل

    كتبنا دستور ،فيه فصول ،ستترجم الى قوانين،لكننا نطبق قانون الغاب

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي