ترامب: «نبيّ» كفر بآلهة قومه!!!!

20 يناير 2017

يتراوح وزراء الاقتصاد والمسؤولون عن القطاعات الماليّة، في أفقر الدول أو أغناها، عند الحديث «العولمة» بين المبشّر بفضائلها والداعين لها، وبين من يعتبرها «قدرًا» (لا مردّ له)، ومن ثمّة (في الحالتين) يكون الإصرار بل هو اليقين بعبثيّة أيّ محاولة للوقوف في وجه هذا «الوحش»…

هذا النفس «العولمي» وقف في وجهه على مرّ «التاريخ» (على الأقلّ منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية)، كامل «الطيف اليساري» من منظور أيديولوجي مناقض لهذه «العولمة» سواء في بعدها الفلسفي والأيديولوجي أو تطبيقاتها الاقتصاديّة وحتّى الثقافيّة والإعلاميّة.

 

ضمن هذا التناظر أو هو حال العداء، نبت دونالد ترامب، ليس فقط رافضًا لهذه «العولمة» المتوحشة، في نسختها الرأسمالية الرافضة (بدورها) لأيّ ضبط أو إيقاع، بل (وهنا الغرابة) مناديا (في يخصّ الولايات المتحدة) بالعود إلى «التقوقع» (من جديد)، ومن ثمّة «الانعزال» دون العالم.

 

عودًا إلى التاريخ (منذ الحرب العالميّة الثانية) يمكن الجزم أنّ الولايات المتحدة بنت إمبراطورتيها الاقتصاديّة على «حتميّة العولمة» ليس فقط على اعتبارها تلك الريح العاتية التي لا يقف أمامها أحد، بل اعتبار من يقف أمامها «المجرم» الذي يستوجب «القصاص» مهما كان.

فعل دونالد ترامب أشبه بمن كفر بما هو «دين» أجداده، حين اعتبر العولمة «كفرًا» وكذلك «فسقًا»، بل هي باب هلاك ومدخل ضلال، مؤسّسا لما يريد أن يراه، من وجوب العود إلى «الانعزال» وكذلك «تفضيل» الداخل على الخارج، على عكس «العولمة» التي تساوي (نظريّا) بين ما صار من مجال اقتصادي (ومالي خاصّة) مفتوح دون حدود…

 

نقف فعلا أمام «انقلاب» بالمفهومين الفلسفي والثقافي، ومن ثمّة السياسي، حين تبيّن (بما يدع للشكّ) أنّ «العولمة» التي صدّق العالم أجمع (أو يكاد) أنّها «قدس الأقداس» لا يعدو أن يكون بين «أبله» صدّق «السراب» أو هو «ساذج» لم يفهم «المعادلة»، حين لم تكن «العولمة» سوى «عدّة شغل» أيّ مجرّد وسيلة أو هي ممّا يحمل «الساحر» في جعبته…

 

العجب (العُجاب) يكون بين صورة «ترامب» المنادي بالانعزال أو على الأقلّ المراوحة بين مراقبة الحدود أو إغلاقها، من جهة، مقابل رئيس الصين الشعبيّة التي لا يزال يحكمها «حزب شيوعي»، ينادي (أثناء «لقاء دافوس») ليس فقط بمزايا «العولمة»، أيّ فتح الحدود أمام انتقال السلع والأموال دون حدود، بل (وهنا العقدة)، تحولت الصين الشعبيّة (الشيوعيّة مذهبًا) إلى حاملة لواء العولمة…

صورة «ترامب» رجل الأعمال الذي يجعل النفع المادي يسبق «السياسة» في بعديها الفكري وحتّى الفلسفي، لم تأت من فراغ، حين لم تعد الولايات المتحدة قادرة (وهنا السؤال والخطر) على تحويل تفوقها «العالمي» إلى منافع «داخليّة» (أيّ منافع لعموم الشعب الأمريكي)…

 

من السذاجة والتبسيط اعتبار «دونالد ترامب» في صورة ذلك «الفرد» الذي استطاع التفوّق على «غول اللوبيات» أو هزم «بعبع الدولة العميقة»، حين يمكن الجزم أنّ الرجل لا يعدو أن يكون سوى «الجزء الظاهر» من جبل تحت الأرض أو هو خلف الأروقة (أي اللوبيات) التي ترى مصلحتها في الانعزال، حين لم تعد «العولمة» (في نسختها المعمول بها) تمثل فائدة أو تقدّم نفعًا…

المسألة أو هو الرهان، لم يعد أو هو تجاوز «منافع» أو «خسائر» العولمة، بل هي تهمّ بنية أو هي رهان وجود الولايات المتحدة، في بعدها الاجتماعي القائم على منظومة اقتصاديّة جديدة أو أخرى، تكون قادرة على «إعادة المجد» للصناعة في الولايات المتحدة الأمريكيّة، التي بدونه (أيّ المجد) لا يمكن الحديث عن وجود الولايات المتحدة ومن ثمّة مصالح الطبقة الفاعلة أو هي «المسيطرة» على مفاعيل السياسة والاقتصاد من ثمّة «النفوذ» بمفهوم «المجد»…

Trumpمن عادة الولايات المتحدة الأمريكيّة، منذ الحرب العالميّة الثانية أن تكون «انتقائيّة» في اعتماد قوانينها وكذلك القوانين (بمعنى القواعد) الضابطة لمجرى الأحداث على المستوى العالمي، ومن ثمّة تريد قيادة واشنطن أن تواصل في هذا النهج، أيّ أن تمارس هي «الانعزال» وتكون الأسواق على مصراعيها أمام منتجاتها، ليكون السؤال عن «موازين القوى» (الجديدة) الضابطة لقواعد اللعب، على المستوى العالمي، بين الولايات المتحدة (وقوانينها) مقابل الدول التي سترى نفسها «متضرّرة» من هذا النفس الانعزالي….

 

دون الحاجة إلى الكثير من البحث وبناء على «إطلالات» ترامب، يمكن الجزم أنّ الصين (بفائضها الاقتصادي) تمثّل «العدوّ» (الجديد) للولايات المتحدة، ومن ثمّة يكون السؤال عن مدى قدرة واشنطن على الوصل بين «حلمها» (الانعزالي) مقابل «واقع» لم يعد يخضع (كما كان من قبل) لإملاءات «العمّ سام»…

 

من الأكيد وما لا يقبل الجدل، أنّ وقتًا (غير هيّن) سيمرّ قبل أن تستطيع الولايات المتحدة «الاستدارة» من «عولمة» (دون حدود أو منفتحة) إلى «انعزال» بمعنى انضباط «الفعل الخارجي» بإيقاعات «الانعزال الداخلي»، سواء على مستوى البنية الفكريّة والفلسفيّة القائمة، وكذلك أدوات الفعل العاملة (وزارة الخارجيّة، وزارة الدفاع، وأجهزة الاستخبارات)، تحت ظلّ اللوبيات الاقتصاديّة والجهات ذات المصالح الماليّة على مستوى التوازنات الاستراتيجيّة…

 


20 تعليقات

  1. تعقيبات: true religion jeans for women

  2. تعقيبات: Pierre Hardy online

  3. تعقيبات: sales at victoria's secret in store

  4. تعقيبات: canada goose store

  5. تعقيبات: mcm outlet shop

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي