تركية في عفرين: عفاريت وليس عفرين…

23 يناير 2018

يمكن الجزم بما لا يقبل النقاش أو يحتمل الجدل، أنّ تركية مثّلت ولا تزال، اللاعب الأوّل بل الأهمّ، ضمن الطيف/الحلف الذي عمل على اسقاط النظام في سورية، حين شكّلت تركية أهمّ قاعدة امداد بالمال والسلاح والرجال، للمعارضات المسلّحة، المتراوحة بين التطرّف والتطرّف الشديد، حين لا يمكن لعاقل أو من يملك ذرّة عقل واحد أن يتخيّل وأساسًا أن يصدّق أنّ (ما يسمّى) «داعش» نشأت وترعرعت وكبرت وتوسّعت، وخاصّة مارست جرائمها العديدة والمتعدّدة، في غفلة من المخابرات التركيّة والنظام السياسي الحاكم في أنقرة…

حين يتمّ محاسبة أيّ فعل سياسي على أساس قاعدة ثلاثيّة: ما تمّ إعلانه من هدف، الوسائل المتوفّرة، وأخيرًا ما تحقّق من الهدف المعلن عند البدء، يمكن الجزم، أنّ حسابات «البيدر التركي» لا تتوافق البتّة مع تمّ جنيه من «الحقل السوري»، أساسًا إعلان قيادات تركيّة عديدة ومرّات متعدّدة أنّ «سقوط النظام السوري مسألة وقت، دون أن ننسى إعلان أردوغان قرب صلاته في المسجد الأموي في دمشق.

 

صار النظام السوري أمرًا واقعا ضمن الخارطة التي تنظر إليها القيادات التركيّة، السياسيّة منها والعسكريّة، وكذلك (ضمن سلّم الأولويات) لم يعد النظام الحاكم في دمشق، يحتلّ رأس العداوة وأيضًا يمثّل الخطر الأشدّ على تركية ومصالحها: منذ المحاولة الانقلابيّة وقبلها المراهنة الامريكيّة الصريحة والمعلنة (بل الوقحة وفق التعبير التركي)، فهم النظام الحاكم في أنقرة، أنّ المراهنة الأمريكيّة على الأكراد، لا تمثل مجرّد «ورقة ضغط» أو «أداة مناوره» بل ـ وهنا الخطورة ـ خيارًا استراتيجيا غربيا (أيّ الولايات المتحدة + أوروبا + أوستراليا + زايلندا الجديدة) يهدف إلى تقزيم تركية والعود بها إلى سالف عهدها، أيّ قبل أن تتحوّل إلى ما هي عليه من قوّة…

لذلك من السذاجة النظر إلى «غزوة عفرين» في صورة «الجولة السياحيّة» التي ستمكّن تركية من إقامة «منطقة عازلة» تجعل الخطر الكردي بعيدا عن مجالها الحيوي. مجرّد أن تعلن قيادات تركيّة وأصوات إعلاميّة ناطقة بالنيابة عن حكّام أنقرة، أنّ هذه «الغزوة» تأتي ضروريّة بل هي باب لزوميات ما يلزم، يتبيّن المراقب العادي ما يلي:

أوّلا: فشل المقاربات التركيّة منذ الرصاصة الأولى (على الأقل) التي أطلقتها الجماعات المسلّحة ضدّ النظام الحاكم في دمشق، بل انقلب «الشأن السوري» إلى مصدر أرق شديد لدى القيادات التركيّة،

ثانيا: أنّ تركية أو بالأحرى القيادات التي تروّج لما هي «الغزوة» تهوّن من المخاطر من باب زرع الأمل، لا غير، حين يعلم الأتراك (أفضل من غيرهم) كمّ السلاح ونوعية، التي مدّ به الأمريكان أكراد سورية، وكذلك استعداد الولايات المتحدة (رغم إعلانها العكس) على تعويض ما يلزم وعند الضرورة.

20167162237169الخطأ التركي القاتل بل المميت، الذي سيكلّف البلاد والدولة والنظام السياسي غاليا، أنّه صدّق أنّها (أي تركية) تمثّل شريكا يمكنه المناورة في وجه «الحلف الغربي» الذي يريد تدميرها. هي بالنسبة لهذا الحلف، مجرّد لون يختلف فوق الخارطة عن لون سورية التي أصابها التدمير، لكن تملك ذات الصفات وذات الصورة، ليشملها «زلزال التدمير» ذاته.

 

تعلم القيادات التركيّة أنّ حظوظها في النجاح في عفرين، تكمن في اتمام المطلوب (أو المعلن) في أقصر فترة ممكنة، وإلاّ ليس فقط تتحوّل عفرين إلى «مستنقع» يأتي الخروج منه أخطر من البقاء فيه دون نصر، بل ـ وهنا الخطورة ـ أن تتحوّل عفرين لدى الأكراد إلى ما يشبه القدس عند المسلمين، أو «حاملة شرفهم» الذي هتكه «المحتلّ التركي» ليكون «واجب الجهاد» على كلّ الأكراد، سواء توجهوا إلى عفرين، أو قام الصهاينة والأمريكان ـ وفق خططهم ـ بتفجير الوضع داخل المناطق الكرديّة في تركية.

يراهن أنصار تركية على المجد الذي بناه «حزب العدالة والتنمية» وما صاحب من قفزة اقتصادية، حوّلت البلاد إلى الأفضل في المنطقةـ لكن لا أحد من هؤلاء فكّر لحظة واحدة، عمّا يمكن أن تكون هذه «القوّة» حين يقرّر الغرب ضربها، خاصّة وأنّ تركية تأتي «يتيمة» في المنطقة، لا نصير لها ولا ساند (بالمعنى الاستراتيجي)، أيّ أنها لن تجد دولة تسندها وتشدّها وتقاتل معها ومن أجلها، كما فعلت إيران حيال سورية.

يدرك الغرب نقاط ضعف تركية، بل سيطعنها في هذه النقاط مقتلا، بدءا بما هو «الملفّ الكردي» حين تأتي عفرين مجرّد «شرارة» تستهدف تفجير «البرميل الكردي» داخل حدود تركية، وثانيا لم يقدّر حكّام أنقرة أو هم قلّلوا من أهميّة أن يقف «الحبر الأعظم» للفاتيكان داخل الأراضي الأرمينيّة ويذرف دموع الحزن من أجل «شهداء الأرمن» الذين سقطوا (وفق ذات الرواية) بفعل «المجازر» التي ارتكبها الأتراك حينها. نهاية بتحريك الملفّ القبرصي، على اعتبار «الشطر الشمالي» (الواقع تحت سيطرة تركية) أرضا «مسيحيّة» يحتلّها «مسلمون»…

 

بلغة المطاعم، عفرين تمثّل مجرّد «سَلَطة» أو هي «الطعم» الذي سيقود إلى التهام طعمًا أكبر. لن تجد تركية حينها من سيقبل بالذود عنها، بل سيتراوح المتفرجون (أي سورية وإيران وروسية) بين المشاهدة أوّلا، والتدخّل لجني الثمار أو هو الدفاع عن مصالحهم، وسيتلذذون بمشاهد تركية تنال من «دواعش الأكراد» ما نالوا هم من «دواعش تركية»…

 


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي