تونس تفادت السيناريو السوري، وتقف أمام السيناريو التركي…

20 يوليو 2016

دون الحاجة إلى مسح علمي يعتمد ضوابط أكاديمية صارمة أو قراءة علميّة دقيقة، يمكن الجزم أن المحاولة الانقلابية التي جدّت في تركية، قسمت أو هي شطرت الساحة السياسية التونسيّة وكذلك الإعلامية وخصوصا الفايسبوكية، بين مؤيد للانقلاب في مقابل الرافض له، أيّ «مؤيد الشرعية».

جبهة الصراع هذه اختصرت «المسافة الجغرافية» الفاصلة بين البلدين لتجعل «الانقلاب» أو هي حولته من حادث يجدّ في «بلاد بعيدة»، إلى «مسألة داخلية»( تونسية)، تأسست أو هي عمقت «جبهات القتال/الاقتتال» القائمة، على الأقل منذ الصدام الذي تم بين كل من «اعتصام الرحيل» مقابل «اعتصام الشرعية»…

 

لم يفتح الانقلاب التركي جبهة جديدة (في تونس) بل نفخ في رماد معارك سابقة، محولا الجمر إلى لهيب من جديد

 

هي صورة متناقضة بل قمّة الانفصام بمعنى علم النفس السريري. أطراف تعيش حال من التوافق «الاستراتيجي» (ظاهرًا) قائم على «تفاهمات» (قالوا أنّها) «عميقة»، ينسون (فجأة) هذا «التوافق» ويتجاوزون هذه «التفاهمات» عندما يقفون أمام «الانقلاب التركي»، ليقين كل طرف بل هو الجزم القاطع بالتأثيرات الاستراتيجية، بل الخطيرة جدا، سواء نجح هذا الانقلاب أو فشل، على الوضع الداخلي في تونس، سواء جاء التأثير مباشرا أو هو من جملة ما تهزه الرياح التي أطلقتها محاولة الانقلاب على المنطقة والعالم.

نور الدين البحيري

نور الدين البحيري

عندما يتجاوز «داهية النهضة» نور الدين البحيري الموازين المؤسسة للتوازنات القائمة بين النهضة والنداء ويطلق صفة «الإرهاب» على «انصار الانقلاب»، نفهم بل ندرك علم اليقين أننا أمام حال من «الوعي الوجودي» (بالمفهوم الغرائزي). أي تجاوز ونفي وقطيعة مع هذا «التوافق» وهذه «التفاهمات». حين غلبت غريزة البقاء (بالمعنى الوجودي) حاسة التحرّك السياسي (وفق أبجديات المصلحة).

 

نقف بل هو المشهد ذاته، صراع أحزاب الترويكا مع خصومها/أعدائها، كأنّ هذا الفريق وذاك عاد من «فترة استراحة»، أو هو أغلق «قوس هدنة» لمواصلة اللعبة على «الميدان التركي». إنّه استدراج مرضي للجغرافيا واستدعاء خطير للتاريخ، وسعي «محموم» (من الأطراف جميعها) لحسم «الموقف» (الكلامي على الأقلّ)، مع ما تستدعيه المسألة أو تستوجب المعادلة من «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»…

 

حجم العنف (المستورد من تركية) مع إسقاط للمعنى على الطرف المقابل، مفزع، بل خطير، إن لم نقل شديد الخطورة، سواء على مستوى تهديد هذا «التوافق) وهدم هذه «التفاهمات»، أو (وهذا الأهمّ)، الدخول بالبلاد والعباد في حال وسيط (وخطير جدا) من عدم الاستقرار السياسي، الذي يستعصي حسمه، حين لا تملك أيّ جهة في تونس، قوّة أيّ جهة في تركيا، أو (وهنا الأهمّ) جرأتها وإقدامها وعزمها على حسم المسألة.

السؤال قائم في تونس بل هو منطقي وطبيعي ليس فقط عن حجم هذا العنف أو مدى الكراهية القائمة دون أن ننسى حجم النفاق السياسي المتبادل، بل عن قدرة هذا «التوافق» وهذه «التفاهمات» على أن تكون أو تمثل صمام الأمان كما يريد المحيط الإقليمي وتبغي القوى الدولية أمام المخاطر الداخلية والهزات الإقليمية؟؟؟

 

جاء الانقلاب او هي المحاولة أشبه بكرسي عالم نفساني استطاع ان يعري الطبقة الرفيعة من «الماكياج» (النفاق) السياسي لنكتشف ما يلي:

أوّلا: لا يستقيم خطاب «داهية النهضة» نور الدين البحيري عن «إرهاب» (أعداء الشرعية) مع ما تعلن النهضة من ورع سياسي وتقوى، الشيء الذي جعلها تبدو في صورة «الناسك المتصوف»، «المتعفّف» أصلا وكذلك «المترفّع» (بطبعه) عمّا يدور (فعلا) من «قذارة مقرفة» في الساحة السياسيّة

ثانيا: لا يستقيم ما عبر عنه مستشار «داهية قرطاج» من موقف تجاه الانقلاب الفاشل مع ما تعلنه رئاسة الجمهورية وما تعطي لذاتها من دور «متوازن» وقيمة «مترفعة» عن «التدنّي» (السياسي) الغالب على الطبقة السياسيّة….

يتبين بالكاشف ودون الدخول في محاسبة النوايا أننا امام حال من «التوافق» المصطنع وكذلك «التفاهمات» المغشوشة القائمة على النوايا المنقوصة والتمنيات الناقصة وأن الاستقرار في تونس لا يعدو ان يكون حالة مصطنعة بفعل الضغط الاقليمي والاكراهات الدولية، ليس من باب القناعة والايمان بل (وهنا الخطورة) صبر على الضيم وقبض على الجمر الى ان تحين فرصة «الانقلاب»….

 

الخطر بل المصيبة في تونس، أنّ يتمّ الحديث عن «التوافق» أو هي «التفاهمات» في صورة «خارطة الطريق» القادرة على التأسيس لما يقول أصحابه أنّه «الانتقال الديمقراطي»، تونس على النقيض من ذلك لا تعيش سوى «وقف صراع» أو تأجيله (إلى حين)، حين جاءت الضغوطات الإقليميّة والاكراهات الدوليّة دافعة نحو «الحدّ الأدنى» (المطلوب اقليميا والمشروط دوليّا) من باب المحافظة على «السلم» (بمفهوم المافيوزي) الضامن لمصالح تتقاطع بين الداخل والمحيط والعالم.

 

كما لا يمكن الحديث عن «السعادة» (بين زوجين) في غياب تام للثقة (في بعدها الأخلاقي) يستحيل الحديث عن «توافق» أو هي «تفاهمات» وسط ما نسمع من «طبول الحرب» بين الأطراف الفاعلة في تونس.

لا يمكن لحركة النهضة (الفكر والقيادة والتنظيم والقواعد) التطبيل وحتّى الرقص والتباهي، بل هي مباركة «حملة التطهير الشامل» الذي يقوم بها أردوغان في بلده، والتبرير لها، وكذلك المناداة بما هو «التوافق» في تونس وضرورة العمل وفق قاعدة «التفاهمات» التي أسّس لها «لقاء باريس» وملحقاته في تونس. هي حالة مرضيّة وانفصام خطير، ودليل ماديّ لا يقبل النقاش، على أنّ ما تعيشه النهضة لا يمكن أن يكون «قناعة عميقة» بل هي (وهنا الخطورة) من «اكراهات المرحلة» التي يعيشها من باب «الخوف» المرضي، القائم على «ذاكرة» لا تزال تنزف بل هي جراح نتنة لم تعرف الشفاء بعد.

 

في المقابل، لا يمكن لخصوم النهضة وأعدائها في تونس، أن يصفّقوا للانقلاب ويتضرّعون لله سبحانه بالدعاء الصادق طلبًا لنجاحه ويفاخرون بذلك جهرًا وعلانيّة، ثمّ ينقلبون إلى «طلاّب توافق» ومن ينادون بتطبيق التفاهمات، سواء تعلّق الأمر بما هي «حكومة الوحدة الوطنيّة» أو المسار العام للبلاد القائم والضامن للتوازنات الدقيقة التي لولاها لكانت تونس في حال أتعس من تركية.

الخلاصة: الجميع يؤمن بتلاوة «سورة يس» لكن يؤمن أكثر بمسك أكثر من حجر في يده…


تعليق واحد

  1. محمد الناصر الفرجاني - تونس

    لا فضّ فوك أخي نصر الدّين بن حديد، أنا أتوافق مع تحليلك، و خاصّة إستشرافك، و تحذيرك من مخاطر المرحلة القادمة، لا قدّر الله ، فقط أريد أن أوضّح لك، و للقرّاء بعض الحقائق المتأكّد منها، و التي عايشتها شخصيّا – نورالدّين البحيري ليس داهية النّهضة، بل على العكس، فالدّاهية هو راشد نفسه. و هو، أي البحيري من جملة من لم يكونوا يعلمون بإرساء التّوافق بين الشّيخين منذ نوفمبر 2012 بمنزلي بحيّ الغزالة بتونس. و هو كان من جملة المتطرّفين و الوسطيّين بالنّهضة المعارضين لأيّ سعي للتّوافق و هم بحكومات التّرويكا. – و نفس الشّيئ، صحيح داهية النّداء هو كان متقبّل عن إيمان، و قناعة بالتّوافق، بل كان أكثر حماسا من جماعة النّهضة الذين كانوا دوما غير واثقين من موقفه. نعم، لا تستغرب، الأخ الباجي قايد السّبسي كان أكثر ميلا، و حماسا، و إخلاصا للتّوافق يومها في نوفمبر 2012، و ذلك نظرا لمخاطر الإنزلاق للوضع السّوري، و اللّيبي يومها. و لكن أيضا كان أغلب جماعة النّداء، بما فيهم الإبن حافظ قايد السّبسي، قلت كانوا لا يعلمون بالتّوافق الذي إتّفقت حوله النّهضة و النّداء!! نعم، لا تتعجّب. و كان المتطرّفون من النّداء يعارضون أيّ تقارب بين الشّيخين. هذه هي الحقيقة، و الله العظيم، و هو ما دفعني لمغادرة تونس في 9 سبتمبر 2013 عندما شعرت بتفطّن بعض المتطرّفين من الجهتين لدوري بالتّوافق (رغم أنّني كنت أقابل الباجي بمنزله، و ليس بالبحيرة)، و خفت أن يلحقوني بالشّهيدين بلعيد، أو البراهمي، و مكثت بمنزلي ببعلبك – لبنان لغاية 2 سبتمبر 2015 أي سنتين، واصلت خلالهما التّوسّط، و دعم التّوافق عبر الإيميلات، و الهاتف. و عدت مخيّرا الإنسحاب، و الإبتعاد عن المشهد ما دام التّوافق قائما، حتى و لو تمّت سرقة مجهوداتي من قبل الرّباعي، و سيناريو الإخراج المسرحي بلقاء باريس!؟ هههه. أمّا الان، فنحن نرى الهوج، و المهرّجين من الطّرفين، مع دخول فرقة كراكوز اليساراويّين، و القومجيّة، و اللّيبيراليّين، و الحداثيّين أعداء العروبة و الإسلام، و أيضا بعض بقايا أنظمة البايات/الإستعمار، و بورقيبة و بن علي، عودتهم، و رقصهم بالسّاحة السّياساويّة. و هم إغتنموا فرصة الإنقلاب الفاشل بتركيا، و صعقة الكهرباء التي أعادت لهم بعض الأمل لإعادة إشعال فتيل التّناحر، مستفيدين بمبادرة حكومة الوحدة الوطنيّة و ضبابيّة الأفق، و ذلك لرمي البلاد في أتون حرب أهليّة لا قدّر الله. خيّب الله مسعاهم، و حمى بلادنا، و أولادنا من شرورهم أجمعين، و لعنهم، و محقهم أجمعين، آمين، سلام.

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي