تونس و«المسألة اليهوديّة»: هل تاجر المنستير هو «تاجر البندقيّة»؟؟؟

20 فبراير 2018

في دولة سجّلت وتباهت بما دوّنت في دستورها (دستور 2014) من مساواة بين جميع مواطنيها، دون أدنى اعتبار للعقيدة أو العرق أو الجهة، نجد عندما ننظر إلى ما هو قائم من واقع أمامنا، أنّ «العقيدة» [أو نفي العقيدة] وكذلك «العرق» دون نسيان عامل «الجهة» من العوامل المحدّدة لما هي «هويّة الفرد» أوّلا، وثانيا (وهنا الأهميّة)، على أساسها تقوم وتتحدّد «جبهات الصراع» داخل السلطة ومن حولها ومن أجلها، وأيضًا مجمل التدافع الطبيعي القائم (طبيعيّا) ضمن جميع المجتمعات.

في تونس راهنًا، لا يزال العامل «الديني» وكذلك «الانتماء الجهوي» وأيضًا «العرقي» [لون البشرة واللهجة المعتمدة] من الأمور التي تحدّد الموقف والموقع، بل زاد الأمر تفشيا بعد 14 جانفي، حين ظهرت هذه «الهويّات» (المتوتّرة) وصارت تناطح أو هي تسعى إلى تدمير ما روّجت لها «دولة الاستقلال» في صورة  «الهويّة الوطنيّة الجامعة»…

ضمن هذا الواقع المريض والمأزوم وأساسًا المصاب بداء الانفصام، لما هو قائم من تباعد وتناقض بين «الخطاب السياسي» مقابل «الواقع الاجتماعي»، تأتي «المسألة اليهوديّة» ضمن تناقضين اثنين:

أوّلا: هذه «الكتلة البشريّة» خارج الحساب «الدولة» سواء على مستوى «التجنيد الاجباري» أو المساواة عند الانتداب في الوظيفة العموميّة وأساسًا «وزارات السيادة»، رغم أنّ الدستور لا يحرم هذه «الكتلة البشريّة» (قانونيا وبالنصّ) سوى من منصب «رئاسة الجمهوريّة»..

ثانيا: هذه «الكتلة البشريّة» خارج الصراعات القائمة، في علاقة أساسًا بما هي «المسألة الدينيّة»، التي تعني على مستويات اللفظ والمعنى والدلالات وحتّى الوعي والإسقاط، حصرًا «الواقع الاسلامي»، سواء الخلافات حول دور «الإسلام» ومكانته في الواقع السياسي، أو تحوّل هذه «المسألة الدينيّة» إلى حلبة صراع بين النظام والاسلاميين. دون أن تعني هذه الخلافات والصراعات اليهود في تونس أو تحيل على علاقتهم بدينهم أو علاقة دينهم بالشأن السياسي في تونس.

مجرّد مسح لوسائل الإعلام وكذلك أحاديث الناس، يمكّن من الجزم أنّ «المسألة اليهوديّة» شديدة الارتباط لدى الوعي العام بما هي الصهيونيّة التي اغتصبت فلسطين وشرّدت أهل البلاد ولا تزال إلى يوم الناس هذا تقتل دون حسيب أو رقيب. أيّ أنّ الرابط الذي يراه البعض «مفترضًا» أو هو «طبيعيا» بين يهود تونس والصهيونيّة مجسّدة في الكيان الصهيوني، يجعل عدد غير هيّن من أهل البلاد، بين ريبة مكشوفة أو هو اشتراط أن يقدّم «اليهود التونسي» دليل براءته.

MVالتاريخ حاسم على هذا المستوى، بما يرفّر من معلومات: قامت الحركة الصهيونيّة منذ نشأتها بفتح فروع لها في تونس، واستطاعت أن تشدّ أعدادا من اليهود، لم يشكّلوا الفئة الكبرى أو الغالبة أو المسيطرة على المجتمع اليهودي في تونس، ودليل ذلك أنّ «الهجرة الكبرى» التي تمّت إثر نكسة جوان 1967، قادت أعداد هامّة من يهود تونس إلى تفضيل فرنسا على الكيان الصهيوني، وكذلك من هاجر إلى الكيان الصهيوني لم يكن في غالبيته العظمى مؤمنا بالفكر الصهيوني، بل جاء الأمر بفعل الفقر المدقع، أي عدم القدرة على الهجرة إلى فرنسا، وأيضا وأساسًا عامل الخوف الذي زرعته أو هي سببته «الوكالة اليهوديّة» المتورطة في أعمال عنف ضدّ اليهود، زرع الخوف فيهم ودفع غالبيتهم للهجرة إلى الكيان الصهيوني.

 

شكّلت «الأيديولوجيات اليساريّة» مجال تقاطع بين اليهود والمسلمين، حين ينتفي الشرط الديني، للانتماء إلى هذه الأيديولوجيات، وبرزت في تونس أسماء مثل جورج عدّة وكذلك جلبار نقّاش، حين استطاع كلّ منهما، أن يحسم أمره تجاه الصهيونيّة رفضًا وتنديدا وإدانة، وكذلك العمل من خلال الكتابة والنشاط، على تأسيس «مواطنة» تتجاوز «الهويّة الدينيّة» التي قامت عليها تونس ضمنًا أو تخاصم من أجلها الفرقاء ولا يزالون إلى يوم الناس هذا.

لذلك جاء الانزعاج شديدا من تقديم حركة النهضة يهوديّا على رأس قائمتها في المنستير، على اعتبار أنّ «الوعي السياسي» في البلاد، يعتبر «المسألة اليهوديّة» (في علاقة بممارسة السياسيّة)، حكرا أو تقاسمًا بين «حزب الدستور» وورثته وما تفرّع عنها، وأيضًا عائلة اليسار التي قدّم داخلها الكتّاب اليهود إضافة معتبرة للمكتبة التونسيّة، وشكّلوا [خصوصا جلبار نقّأش] أحد أهمّ الشهود والناقدين لما هي «المسألة اليساريّة» في تونس، سواء في كنهها ومفاصل حركتها أو هو الأداء بعد 14 جانفي، الذي يملك جلبار نقّاش بشأنه موقفا متميّزا، بل منفردا عن أيّ سرب وعن أيّ قطيع.

هناك نفاق سياسي غريب يعتري الطبقة السياسيّة في تونس: عدد السياسيين الذين يؤدّون «طقس الحجّ» إلى الغريبة كلّ سنة أكثر بكثير ممن يؤدّون الحج (الإسلامي) وكذلك تقبل النسوة التونسيّات (من غير اليهوديات) على تغطية الرأس طوعا (وربّما محبّة) في حين يتمّ مناقشة أصل تغطية الرأس عند دخول المساجد والمقابر.

من التأكيد أن السطوة اليهوديّة العالميّة على مجالات الإعلام وقيام لوبي يهودي متوزّع بين أوروبا والولايات المتحدة، هو الدافع الأساسي بل الأوحد لحالة «المجاملة/النفاق» المبالغ فيه الذي يؤدّيه قسم غير هيّن من الطيف السياسي التونسي، تجاه يهود تونس. دون تأمين ربع هذا «النفاق» تجاه المسلمين في البلاد.

حال استثناء اليهود [على غير الدستوري] مارسها الباجي وجسدها من خلال «لجنة بشرى بلحاج حميدة» التي تنظر في مسألة تحديث «قانون الإرث» [أساسًا]. لا هو ولا هي يملكان جرأة القول أن هذا التحديث يخصّ نظام المواريث عند اليهود، مخافة أن ينزل عليهما اللوبي اليهودي في الغرب بما يحطم كل منهما، ولا هو ولا هي يملك قدرة القول أن اليهود غير معنيين ومن ثمّة نقض الدستور الذي يمنع بل يعاقب، كلّ تمييز على أساس الدين والعرق والجهة.

الحلّ سيكون وفق أغنية الراحلة فاطمة بوساحة رحمها الله: برّا هكّاكة..


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي