تونس ورومانيا: «ثورة» هذا، «مضادة» هناك!!!!

5 فبراير 2017

بين «ثورات» أوروبا الشرقيّة ضدّ الأنظمة الشيوعيّة ذات السياسة الشموليّة (ما تفاوت الحالات)، يمكن الجزم أنّ «الحالة الرومانيّة» (نسبة إلى رومانيا) تمثّل المثال الأنجح في «الانقلاب» على «الثورة»، بمعنى عودة «الماضي» في حلّة «الحاضر»…

نجح أنصار الحزب الشيوعي الذي كان حاكمًا زمن «نيكولا تشاوسيسكو» في العود إلى سدّة الحكم بأسماء جديدة، بل بوجوه جديدة، جاءت أقرب (على مستوى الصورة) أقرب إلى «الثوّار» بل استطاع هؤلاء أن يزايدوا على «من ثاروا» ويرتقون فوقهم، أو هم تفوقوا عليهم في الانتخابات.

على عكس تونس (وهنا السؤال والرهان والمقارنة)، غابت في رومانيا الوجوه «السلبيّة» بالكامل، بين استقالة وانكفاء وهروب إلى الخارج وحتّى دخول للسريّة،  بل خرجت «السكوريتات» Securitate (مخابرات زمن تشاوسيسكو) إلى العالم بوجوه «نظيفة» تزايد في الديمقراطيّة وحقوق الإنسان وكذلك الحقوق المدنيّة والاقتصاديّة أعلى وأرفع من جميع خصومهم.

 

شكّلت «التجربة الرومانيّة» الدرس الأرفع في الانقلاب على أيّ «ثورة» مهما كانت أسبابها ومهما يكن أصحابها، بل جاءت أقرب إلى «السحر»، أيّ عودة «القديم» في شكل «الحاضر» وقد تخلصّ (دون رجعة) من مآسي التاريخ وآلام الدكتاتوريّة…

 

على عكس تونس، أين تحاول «المنظومة القديمة» التي حكمت بل أمسكت بزمام الأمور قبل 14 جانفي، ليس فقط نفي التهمة والرجوع إلى سدّة الحكم، بل لا تزال هذه «الوجوه القديمة» تصرّ إلحاحًا وتلحّ إصرارًا أنّ «دولتهم» (أيّ دولة بن علي بدرجة أولى مع ارتداء «معطف» بورقيبة عند الضرورة)، تأتي ليس فقط أفضل من «دولة ما بعد 14 جانفي»، بل (وهنا الخطورة)، جاء «سقوط 14 جانفي»، أيّ «هروب/تهريب» بن علي (وما نتج عنه) «خطأ» يستوجب الإصلاح…

topelementهذه المنظومة لا تزال متراوحة بين «نفي الماضي» (نفيا تامًا) وكذلك (وهذا الأخطر) تعمل دون هوادة على «إصلاح الخطأ»… تعيش تونس راهنًا على وقع هذا «النفي» وهذا «الإصلاح»، حين لا يأتي «التوافق» بين «شيخي» (البلاد والعباد)، سوى الترجمة الفعليّة والتمشّي الفاعل، لهذه «الرغبة» من الجهتين. الباجي يريد الحكم والسلطة والسطوة، بناء على هذا «النفي» وهذا «الإصلاح»، في حين يريد الغنوشي أن يكون طرفًا في هذه «اللعبة» (المزدوجة)، مقابل «صكّ براءة» (داخلي) يتمّ صرفه في المحافل الاقليميّة والدوليّة مقابل «حقّ الوجود»، سواء من باب «ضمان» الاستقرار الداخلي وما يستلزم من توازنات في الحكم، أو «النفع» (أيّ نفع هذه الجهات الاقليميّة والدوليّة) أساسًا (وبدءا) ضمن الملفّ الليبي…

 

مقابل «النفي» و«الإصلاح»، جاء «الضمان» و«النفع»، لتكون معادلة «الوجود» التونسي أقرب إلى لعبة «القط والفأر» وسط مخاطر حقيقيّة وجادّة، بأن تنفلت المعادلة ممّا يملك «الشيخان» إلى نسخة «ليبيّة» مفتوحة على «التجربة الصوماليّة»….

 

يعيش الشارع الروماني هيجانًا شعبيّا، من قبل أعداد كبيرة، بل متزايدة من المواطنين الذين لم يعد يصدّقوا «ثوّار ما بعد الثورة»، أيّ من عادوا من «الشبّاك» حين تمّ طردهم من «الباب»… تراجع رئيس الوزراء (هناك) عن قرار «العفو» (أو يكاد)، عن «مفاسد» الطبقة السياسيّة وارتباطاتها بطبقة رجال أعمال، وأعلن على شاشات التلفزيون أنّ مجلس الوزراء سيجتمع بغية إلغاء مشروع القانون.

هذا في رومانيا، أين جاءت مسرحيّة «الثورة/ الثورة المضادّة» في صورة شهد الجميع، أنّها ليس فقط «الأفضل»، بل تمثّل «الدرس/المثال»، إن لم تكن «الكمال»، فكيف ستكون «الصورة» القادمة في تونس حين يشهد القاصي قبل الداني أنّ مسرحيّة «الثورة/ الثورة المضادّة» لا تعدو أن تكون سوى «سيّئة التأليف، وكذلك «بذيئة الأداء»، وأيضًا «رديئة الإخراج»، أين لا يزال «أزلام النظام السابق»، ليس فقط ينفون التاريخ الذي أثبت جرائمهم، بل يصرخون بأنّهم الأفضل؟؟؟

 

أعاد الشارع الروماني كرة «الثورة/الثورة المضادة» إلى المربّع الأوّل، في نفي (خطير بل شديد الخطورة) لما صارت إليه «دمقراطيّة» (الأزلام السابقون والديمقراطيون الحاليون)، لينقطع «حبل الثقة» أو هو صار إلى «التآكل» بشكل كبير بما يدع للشكّ في قدرة «النظام الروماني» (القائم) على إعادة «المسرحيّة» في شكل يحفظ «السلطة» (في العمق) ويلبّي الرغبة في «ديمقراطيّة» (الظاهر)…

 

الطبقة السياسيّة في تونس عاجزة (بالكامل ودون حدود) عن قراءة «التجربة الرومانيّة» حين يأتي مسعى الحكومة التونسيّة، ومن ورائها أو قبلها مجمل الطبقة الفعليّة والحاكمة، شديد القرب أو هو مطابق للمسعى الروماني، في العفو عن «أزلام النظام السابق» سواء السياسيين أو «رجال الأعمال» الذي انتهى إلى فشل شديد وإخفاق دون حدود…

بمنطق كرة القدم لا يزال «الفريق» السياسي (التونسي) مصرّا على «خطة» ثبت فشلها وتأكّد إخفاقها في رومانيا، رغم القدرة الفائقة للطرف الروماني والجزم بل هو الإجماع على التفوّق أو هو تميّز «حكّام بوخاريست»، فكيف سيكون حال «فريق تونس» حين يتأكّد (بما لا يدع للشكّ) أن «الشارع التونسي» لن يكون في وداعة نظيره الروماني؟؟؟؟

 

عيون العالم، أو هي الجهات المهتمّة بمصير «الثورات/الثورات المضادّة» مشدودة إلى رومانيا، لمعرفة مصير العلاقة القائمة بين «حكومة شرعيّة» (بحكم الانتخابات) مقابل «شارع» لم يعد يعترف أو هو يثق في هذه «الحكومة»، بل يعتبرها «ناقصة أخلاقًا» إن لم تكن عديمتها؟؟؟


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي