حامد القروي: جريمة النسيان تتلهّف الإفناء…

13 مايو 2016

عندما يعلن حامد القروي الوجه التجمّعي (وليس الدستوري) الأصيل أنّ «ما بناه الدستوريون خلال 55 سنة هُدم في 5 سنوات»، يعني ذلك أنّ الرجل لا يزال في «العهد القديم» لم يغادره بعد، ومن ثمّة لا تعدو (ما يسمّى) «الثورة» سوى أن تكون ذلك «الخطأ التاريخي» أو هو «الكابوس» الذي على البلاد أن تستفيق منه لتعاود «الماضي» (التليد) بالضرورة…

ندرك جميعًا ونعرف ونقرّ أنّ كلام السياسيين أشبه بالشعر، أيّ أنّ أحلاه أكذبه، ونعلم كلّنا أنّنا في بلد يزايد المرء فيه على الجميع، وقد شاهدنا من يزايد على رفاق الأمس الذين كانوا عنده في مرتبة المقدّس، دون أن ننسى من زايد ويزايد على ذاته.

 

المسألة لا تعني «ضرب اللغة» ولا «الأشكال التعبيريّة»، بل أساسًا (وهنا العقدة) أن يعتبر الرجل أنّ العلاقة بين 55 سنة (والكلام له) مقابل 5 سنوات (والكلام له) تحكمها (أو هي لا تزال تحكمها) ثنائيّة «التقديس/التدنيس»، أيّ أنّ «الذات» (مقدّسة) في حين يأتي «الأخر» (مدنسّا).

غلطوه

غلطوه ورحلوه…

منطق «التجمّع» الذي حكم به وجعل من خلاله المعادلة واضحة والمشهد لا تشوبه شائبة: إمّا أن تكون مع «بن علي» عبدًا ذليلا وخادما مطيعًا، دون كرامة ودون همّة ودون شرف، ودون هيبة (مهما كان معناها)، مع ما يمكّن ذلك (طبعًا) من «حقّ» المشاركة في «تناول ما في قصعة البلاد»، من جهة، مقابل «الأخرين» الذين لا ينالون سوى العصا والسجون أو هو الاضطهاد في أقلّ مراحله…

 

كاذب ومنافق بل مختلّ المدارك (في أقلّ الدرجات)، من يقول أنّه اشتغل مع «بن علي» بكرامة وحافظ على «قدره» (بالمعنى الدارج»، حين كان زين العابدين بن علي، يعتبر ذاته «الرجل» أو هو «الفحل» (الأوحد بالمعنى الحيواني) في البلاد، ومن ثمّة لا يعدو كلام «التجمعيين» عن «كرامتهم» (المحفوظة) زمن بن علي، سوى ما هو كلام  بالزوج الديوث الذي ينظّر في الشرف أمام الناس وعلى الملإ…

الوقوف أمامه والجلوس بين يديه والكلام في حضوره، كان يتمّ وفق نظريّة السيّد (مالك كلّ شيء) والعبد (الذي لا يملك شيئا من ذاته)….

 

سؤال يهزّ الضمير ويرفع المعادلة عاليًا: لماذا ثار الشعب من 17 ديسمبر إلى 14 جانفي، وضدّ أيّ شيء ثار، وأيّ دولة أو نظام أراد أن يهدم وضدّ من تمّ رفع شعار «ديقاج» الشهير، وما يحيل على «القطيعة» التي تأبى المعاودة وترفض المواصلة؟؟؟

 

تفنّن التجمعيون (من كافة الرتب) في التهوين ممّا جدّ، سواء بالنفخ في منجزات دولتهم أو الحطّ من «سقوط دولتهم» في خلط (كما فعل حامد القروي) لعديد الدوائر أو هي المفاهيم والمعادلات:

أوّلا: لا يمكن سوى لمن فقد الانسانيّة أن يقارن بين الحقّ في الحريّة والحقّ في العيش الكريم، بل مجرّد وضع المقارنة، تنمّ عن مرض خطير.

ثانيا: لا يمكن لأّي كان أن يجعل من فساد المنظومة بعد 14 جانفي دون علاقة بالفساد قبله، تحت تعلّة (وهنا مربط كلام حامد القروي) أنّ دولتهم دامت 55 سنة، في حين أنّ دولة 5 سنوات «لا تعنيهم» أو هم منها «براء»..

ثالثًا: محاولة تنسيب الفساد أو التهوين من الظلم، على شاكلة أنّ «لصوص بن علي» أهون من «لصوص ما بعد بن علي» يمثّل جريمة موصوفة، وسعي مرضي للتأسيس لسلم للفساد، أين نرى «الفساد المحمود» في مقابل «الفساد المذموم»

 

لا يعلم السيّد حامد القروي:

أوّلا: أنّ فساد ما بعد 14 جانفي الذي لا يمكن نكراه، سواء أتاه السكّير العلماني أو المصلّي الإسلامي، انبنى وقام وتأسّس على فساد ما قبل 14 جانفي، حين لم يترك بن علي تونس وهي في وضع سويسرا على مستوى الشفافيّة وعلويّة القانون…

ثانيا: لم تستطيع «دولة ما بعد 14 جانفي» إلى يوم الناس هذا، أن تذهب في البلاد محاسبة، سواء منها المحاسبة السياسيّة أو الاقتصاديّة أو حتّى الأخلاقيّة، ممّا يعني أنّ فساد ما قبل 14 جانفي لا يزال يرتع إلى جانب فساد ما بعد 14

ثالثًا: عجز منظومة «بن علي» عن فهم المعادلة السياسيّة والمتغيرات الاستراتيجية، وما نراه من «عناد مرضي» يعني بمفهوم الحتميّة التاريخيّة، أنّ في عودتهم ستعود نسخة مشوّهة من «دولة بن علي»، حين يمكن الجزم بل اليقين الذي لا يقبل النقاش، أنّ دولة بن علي تمثلّ «المثال الأرقي» (أي الأشدّ تماسكًا) لما يمكن للعائلة التجمعيّة أن تقدّمه…

 

النهضة القارئ الجيّد للتجمعيين، فهمت المعادلة جيّدا، وأيقنت أنّ التجمّع لا يعدو أن يكون (مثلما نرى مع حامد القروي) سوى «مخبر بافلوف»، أين لا يرتقي التفكير أبعد من ثنائيّة «المقدّس/المدنسّ»، وبحيث لا تزيد الغايات ولا تذهب أبعد من تحصيل «منافع فرديّة»…

 

فهم الغنّوشي أنّهم ليسوا على قلب رجل واحد، فقد هم يخضعون لنفس «البرنامج» logiciel الذي وضعه بن علي أسوة أو هو على نمط بافلوف…

 

ما لا يعلمه السيّد حامد القروي، أو هو ما يجهله ولا وعي له به:

أوّلا: مهما تكن تسمية ما جدّ بين 17/14 (على مستوى التوصيف) يستحيل لدولة بن علي أن تعود بنفس القوّة والتركيبة ذاتها…

ثانيا: لا يمكن لأيّ منظومة رقابة ورصد وضبط (أي قمع) أن تبلغ مستوى ما قبل 17 ديسمبر، مهما فعل الفاعلون، أساسًا الأجانب….

ثالثًا: تيقّن «العمق المقموع» الذي بطبيعته خارج أو بعيد عن «قصعة المنافع» أنّ العصا لم تعد العصا ذاتها (مهما فعل ماسك العصا) ومن ثمّة صار «حلم المشاركة في القصعة» من الأمور الممكنة، سواء من خلال «التفاهم» (وهو ما يرفضه منطق القروي) أو الذهاب (أو العود) إلى العنف…

 

يمكن الجزم بل هو اليقين، أنّ من يحلّل كلام حامد القروي وأمثاله، يدرك جيّدا (دون ذكاء كبير) أنّنا أمام «إقطاع سياسيّ» لم يفهم أنّ «العبيد» صاروا لا يرفضون فقط دور العبد، بل يطالبون بنيل حقّهم (المقدّس) من قصعة صارت أفرغ وصارت الملاعق في عدد أكبر…

 

خلاصة (أو سؤال) لمن يفهمه:

هل يستطيع «الإرهاب» العود بالبلد إلى «ما قبل 17» ونسخ «ما بعد 14»؟؟؟

القارئ العادي، حامد القروي، رجل الأمن، وقاضي التحقيق: لكم حريّة تصريف السؤال وفهمه على «الهوى» المطلوب…

لا حاجة لسؤال من يتلهفون لنيل حقوقهم بالشارع، وبلوغ المراد بالدماء…


110 تعليقات

  1. رائع جدا و ممتاز…
    إجابة على سؤالك: لا يستطيع إرهاب التجمعيين العودة بالبلد إلى ما قبل 17 ديسمبر.

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي