حسنين هيكل: هرم هو أم فرعون؟؟؟

17 فبراير 2016

الجانب الغالب بل هو المسيطر اختصر وفاة حسنين هيكل في كلمات معدودات، جاءت أقرب إلى القراءة «العاطفيّة» أو موقف من «الموقف السياسي» (للرجل). هذا التصرّف لا يخصّ «العامّة» أو هم «عابري مواقع التواصل الاجتماعي»، بل يهمّ الجزء الأكبر من «النخب» التي قرأت وفاة هذا الصحفي من منظار موقفها السياسي من موقفه السياسي.

هو اختصار غريب وقراءات أقرب إلى السطحيّة أو «إثبات الوجود» من خلال «ابداء الرأي»، أي (بالمعنى السيكولوجي): «أنت كبير عندما يكون لك رأي في كبار القوم»…

 

تجاوزًا أو هو توازيا مع الموقف السياسي للرجل، يمكن الجزم بفردانيّة حسنين هيكل ضمن المشهد الصحافي والاعلامي والسياسي العربي، وحتّى المصري كذلك، ليس فقط لقدرته الصحفيّة (التي لا يمكن نكرانها) بل لأمرين أكيدين:

أوّلا: قدرته العجيبة على إيجاد موقع سياسي له سواء مباشرة بالفعل أو من خلال الكتابة والتحرير.

ثانيا: تحوّله من فاعل «صحفي» (أي مهنته الأصليّة) إلى «قارئ سياسي» أو هو «صانع السياسة» بذلك،

من ذلك لم تطلبه الصحف والمحطات والقنوات للحصول على «المعلومة» أو لنيل «التحليل»، بل (وهذا ما طلبه العرب قبل الغرب) لأخذ «الحقيقة» من عنده، عندما بقي إلى أخر لحظة من حياته في صورة «ماسك الحقائق» والقادر على قراءة «فنجان الواقع»…

 

كان الرجل وبقي إلى أخر يوم في حياته، شغوفًا بالحصول على المعلومة. صفة صاحبته منذ بداية تعاطيه لمهنة «صاحبة المتاعب»، لذلك كان يبدو ويظهر في صورة «صاحب الحقيقة» أكثر من صحفي يكتب أو محلّل سياسي يصف الأشياء ويفصّل في دواخلها.

 

هيكل وعبد الناصر

هيكل وعبد الناصر

تحوّل هيكل من صحفي إلى مؤسّسة، من شخص إلى «قيمة اعتباريّة»، لذلك أصرّ الرؤساء والملوك وأصحاب الشأن في اتخاذ القرار على لقائه، سواء للأخذ منه أو (وهذا مهمّ أيضًا) لتمرير المعلومة وتبليغ الموقف، حين يأتي من أفضل من ينقل هذه «الرسائل» في الفضاء العربي…

لا يمكن فصل حسنين هيكل عن انقلاب الضبّاط الأحرار ومشروعهم الذي أرادوا التأسيس له، لنرى ونشهد التحامًا بل تماهيا مطلقًا بين «الجناح السياسي» (للمشروع) مع «الجناح الاعلامي»، ممّثلا في رأس القاطرة حسنين هيكل، الذي قفز من «وضع الصحفي» إلى «مرتبة المستشار»، ومن ثمّة يأتي أقرب إلى العلاّمة عبد الرحمن بن خلدون الذي كتب في الشأن السياسي كثيرًا، لكنّه كتب عن ممارسة ودراية ودربة ومعرفة، ولم يكتب للتنظير والفكر والقراءات الأكاديميّة…

 

غلبت مواقف الرجل السياسيّة منذ ثمانينات القرن الماضي، فكان الناس يقبلون على كلّ كلمة ينطق بها أو يكتبها، من باب معرفة الموقف قبل الاطلاع على أسلوب التحليل، حين تفوّق الرجل بتلك القدرة على توسيع دائرة الرؤية إلى قطر لم يبلغه غيره، أي المرور من التشخيص المباشر إلى الغوص في دواخل التاريخ، سواء منه المعاصر (وما يملك من أسراره) أو القديم وما هي معرفته بتفاصيله…

اتخذ حسنين هيكل بعدًا جديدا، مع التلفزيون، حين ظهر على الشاشة (وهي الذي تربّى مع القلم والمطبعة) في صورة «الأستاذ» أو هو «الفيلسوف» (ماسك المعرفة وصاحب الحكمة). سلسلة الحوارات التي أجرتها معه قناة «الجزيرة»، جعلت منه أو حولته من رجل لا تدركه إلاّ النخبة ولا يتابعون إلى المولع بالسياسة، إلى «شارح للتاريخ» أو هو «من ينفض الغطاء عنه»…

صورة نفخت في مقام الرجل، خاصّة وأنّه تعامل مع الكاميرا كما يتعامل مع القلم، من خلال ما يقدّم من معلومة، وكذلك من خلال ذلك الربط للأحداث والقدرة على الاستقراء، لكنّه (وهذا ما ميّزه) جاء مرتاحًا في التعامل مع الكاميرا، بل بارعًا في التأثير من خلالها.

 

سواء كان الرجل مقتنعًا بعدم قدرة مرسي والإخوان على الحكم، أو هو باق على تلك «العداوة» (التاريخيّة) مع الإخوان، فإنّ الرجل جاء أقرب إلى انقلاب السيسي من دعم شرعيّة مرسي، ممّا أغضب عددا غير هيّن من «عشّاقه» وقطع حبال الوصل مع قناة الجزيرة، ومن ورائها دولة قطر. هذه القناة التي جاءته «الشهرة التلفزيونيّة» من خلالها، وهذه الدولة التي «دعمته» بكلّ ما أراد، حين يكون سخاء حكّام الخليج دون حدود في فترة الرضا…

 

يمكن الجزم أنّنا برحيل الرجل، نغلق أو نكاد جيلا صحفيا، جمع المعرفة بالقدرة على التحليل، وجعل من الكلمة الصحفية رأسمالا سياسيّا، حين لم يكن حسنين هيكل صحفيّا فقط ولا رجل سياسة فقط، بل كان «كائنًا سياسيّا» يعبّر من خلال «الكتابة الصحفيّة»…


2 تعليقات

  1. عبدالحكيم محيمدي

    برأيي حسنين هيكل تجربة فريدة من نوعها في مصر والشرق الأوسط وشمال إفريقيا فهو جامع لحقبة تارخية مهمة ومفصلية في تاريخ الأمة العربية ليته يكون كتب الحقائق التي بحوزته دون تجميل

  2. عادل بوعزيزي

    و لكنه كان ايضا عرابا للسياسيين و خاصىة للانقلابات و منظرا للمستولين علي السلطة بالقوة و تاجرا ينتهز الفرص لينقض عليها

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي