حكومة النصف الملآن أم الفارغ؟؟؟؟

7 يناير 2016

ترقب التونسيون حكومة وكان الأمل منها (وإن كان ضعيفًا) أن تحدث ما هو مطلوب من «نقلة نوعيّة» في العمل الحكومي والعمل السياسي (عامّة) حين لا يزال الأمل قائما (وإن كان في تناقص) بقيام «ديمقراطيّة» (مستقرّة) قادرة على تأمين الحدّ الأدنى «الاستقرار» القادر على الذهاب بالبلاد على طريق تحقيق الأهداف (الرئيسيّة على الأقل)، التي خرج من أجلها الناس يوم 17 ديسمبر وما تلاها من الأيّام.

هنا فارق بين السقوط في الترقّب السياسي والبقاء ضمن الانتظار الحزبي، أي البحث (استباقيّا) في تركيبة الحكومة، والقول بأن يكون فيها ذاك الشخص، وأن يحتّل ذاك المنصب، ومن ثمّة توسيع الرؤية إلى «التقاسم السياسي»، أو هي «المحاصصة الحزبيّة» القائمة في البلاد، من جهة، أو في المقابل، السؤال والتساؤل، والبحث أساسًا عمّا يستطيع الحبيب الصيد فعله أو بالأحرى تحقيقه عامّة أو بهذه التشكيلة أو تلك.

بالمختصر، وجب أن نبحث قبل الأسماء والمناصب والمحاصصة، وهي أشياء طبيعية في كامل الديمقراطيات، في أمرين:

أوّلا: الأفق الذي جاءت ضمنه، هذه الحكومة، أي القاعدة الحزبيّة والبرلمانيّة التي تستند إليها، ليس فقط على المستوى الكمّي (أي عدد النوّاب المساندين للحكومة) بل المشروع الذي على أساسه ستنال هذه الحكومة رضا هذه الكتلة وتتمّ المصادقة عليها للانطلاق في العمل.

ثانيا: ما هي الأدوات التي تملكها هذه الحكومة بغية تحقيق الحدّ الأدنى الضامن لتسيير دواليب الدولة ومحافظة الإدارة التونسية على حدّ أدنى من الخدمات، حين صار التفكير العام والهاجس الشعبي، مرتبطا أكثر بعدم «التقهقر»،

ثالثا: حين الجزم قائم، بأنّ تونس لم تدخل (بعد) مرحلة التحوّلات (الكبرى) والمشاريع ذات البعد الاستراتيجي، يكون السؤال، عن الأسباب التي يمنع ذلك، ويجعل من هذه الحكومة «حكومة عابرة بين حكومات عابرة»، وليس حكومة القطع مع الموروث كما السائد، أيّ أن تكون «حكومة الانطلاق نحو هذا الأفق الجديد».

يبدو بجميع المعايير، أنّ هذه الحكومة، تأتي صورة طبيعيّة ومنطقيّة عن الواقع السياسي القائم، إلى حين تبيّن الأفق السياسي القادم، حكومة عبّرت أساسًا أو بالأحرى عكست نتائج صراع «الاخوة الأعداء» داخل النداء، وكذلك جاءت (من ذلك) صورة (جديدة) عن هذا «التوافق» (الجديد)، بين النهضة القائمة والنداء الجديد القادم من حسم (عنيف).

 

هي حكومة الترجمة الفعليّة لمغادرة «شقّ مرزوق» النداء، أيّ أنها تأتي حكومة «حسم الإرث» أو هي حكومة «تصفية التركة»، إن لم نقل حكومة «القطيعة» (إثر الطلاق الذي تمّ)…

الباجي ـ الصيد

الباجي ـ الصيد

من ثمّة تنقلب الصورة، وتصبح الحكومة ليس فقط (كمثل كافة الديمقراطيات) حكومة تمثّل «التوازن السياسي»، بل هي حكومة «تصنع التوازن داخل الأحزاب وبينها»، وبالتالي، سيذهب النداء (أو شقّ حافظ بالتأكيد) في مسار الهيكلة (الجديدة) على أساس أنّ هذه «الحكومة» تمثّل جزءا من هذه «الهيكلة» أو هي الخطوة الأولى، بل الأهمّ، إن لم تكن المحدّدة أصلا للقطيعة مع «الشقّ الأخر»، ولهويّة الحركة وتوجهاتها القائمة والقادمة.

يمكن الجزم بل هو اليقين الذي لا يقبل النقاش، أنّنا أمام حكومة «ذات بطاريّة غير قابلة للشحن»، أيّ أنّ الجميع، وأساسًا النداء (الجديد) والنهضة، يقبلان أو هما أسّسا هذه الحكومة وما يلزمها من «توافق»، ضمن أفق كلّ منها، سواء النداء ومؤتمره أخر شهر جانفي، أو النهضة التي ستعقد مؤتمرها (كما هو معلن) نهاية شهر مارس القادم.

أيّ أنّ كلّ من الطرفين الأساسيين داخل هذا «الائتلاف الحكومي»، سيدخل المؤتمر أو حتّى الاعداد له، على اعتبار أنّ «الحكومة» (في ذاتها) من «المكاسب» التي سيتمّ «التغنّي» بها سواء في التقرير الأدبي أو سرد «الانجازات السياسيّة»، وكذلك (وهذا الأهمّ) ستشكّل الحكومة إحدى وسائل «الترضيات» (الضروريّة في كلّ مؤتمر)، أي أنّ اللاعب الحزبي أثناء الاعداد للمؤتمر وحتّى انعقاده، سيعتبر «الحكومة» جزءا أساسيّا، أو هي «الجزء الأكبر» الذي تختفي خلفه جميع «الجوائز الأخرى»….

إذا استثنينا التحويرات على مستوى الأشخاص، والسبب الذي يقف وراءه أو النتائج الحاصلة، يمكن الجزم أنّنا أمام الحكومة ذاتها، حين لا أفق أرحب، ولا ظروف أفضل ولا انطلاقة لها، سوى تدوير الزوايا وتربيع الدوائر، من السعي للمحافظة على الحدّ الأدنى الضامن للصورة السياسيّة المطلوبة في أيّ دولة، وفي دولة تعيش التحوّلات التي تعيشها تونس…

 

بمنطق كرة القدم، عشنا «شوطًا جديدًا» في مباراة، ستشهد الركلات الترجيحية الأولى في مؤتمر النداء، والجولة الثانية من هذه الركلات أثناء مؤتمر النهضة، أيّ أنّ إطلاق صفّارة الحكم بنهاية المباراة، ومن ثمّة التحضير للبطولة القادمة، مرهون في عقد المؤتمرين (من أساسه)، وما هي «الثوابت» كما «المتغيّرات» داخل كلّ مؤتمر، ومن ثمّة، مثل الفلاح الذي يرقب السماء بعين تتراوح بين طلب الرحمة والطمع في الغيث النافع، تقف تونس الآن، طالبة الشيء ذاته من المؤتمرين، حين سيكون لهذا التوجه أو ذاك داخل هذه الحركة أو تلك عظيم الأثر على الحركة ذاتها، ومن ثمّة عظيم الأثر على الخارطة الحزبيّة في البلاد، وبالمحصّل عظيم الأثر على «حكومة ما بعد المؤتمرين»…

نحن (ضمن الصورة العامّة للبلاد) نقف أمام «عائلة سياسيّة» بصدد تشييد منزلا فخما أو هي تسعى لذلك، فرأت أن الوضع يستوجب «تأجير منزل» في انتظار أن يجهز «القصر»، فكان أمامهم الحبيب الصيد، حاملا في يده، لافتة: «شقّة مفروشة للتأجير» (إلى حين ختم المؤتمرين)…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي