حوار بن صالح : بين «برشلونة» و«ريال مدريد»، أم المتنبي مقابل سيف الدولة؟؟؟؟

4 يوليو 2019

بمنطق كرة القدم، يمكن الجزم أنّ «مبادرة الحوار» الذي تقدّم بها عبد القادر بن صالح، أثناء الكلمة الذي ألقاها بمناسبة ذكرى استقلال البلاد، تأتي مشابهة أو هي مماثلة، لصفّارة الحكم، التي تأذن لفريق بتغيير لاعب بآخر، بعد أن بقيت «المعارضات» أشبه بما هم «الأيتام» أمام مباراة تدور بين كلّ من «مؤسّسة الجيش»، تعبّر عنها «كلمات» نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان [ويمكن أن نضيف دون مبالغة، أنّه الناطق الرسمي/الوحيد بإسمه]، مقابل «الحراك» الذي يعبّر عن ذاته، من خلال مظاهرة يوم الجمعة وما تحمل من شعارات، بدأ التباين يسري بينها.

خطاب بن صالح يتحدّث عن «حوار» لا تشارك فيه «المؤسّسة العسكريّة»، لتفادي صورة الجيش «المتدخل في الشأن السياسي»، ومن ثمّة «الانقلابي»، وكذلك لا يمكن للحراك المشاركة فيه بالاسم والصفة والشرعية، حين لا يمكن لهذه «الهبّة الشعبيّة» المتواصلة دون انقطاع ودون كلل أم ملل منذ 22 فبراير الماضي، أن تفرز لأسباب موضوعية «قيادة» أو (على الأقلّ) «جماعة تنطق بإسمه وتفاوض بديلا عن»…

بمنطق كرة القدم، انقلنا من مباراة بين «نادي برشلونة» مقابل «ريال مدريد» إلى مقابلة من بطولة من مستوى أقلّ بكثير، حين كانت «المعارضات» بكاملها ودون استثناء، لا تكفّ بل هي تكتفي أثناء فترة «المباراة» بين مؤسّسة العسكريّة مقابل الحراك، بالسعي لملاطفة هذه «الهبّة الشعبيّة» أو هي تترقب ردود فعلها لاتخاذ موقف من وضع سياسي يتغيّر في سرعة كبيرة، مقابل البحث عن «موقف/موقع» مستحيل/خيالي من المؤسّسة العسكرية، أي ادعاء الاستقلاليّة وعدم التبعيّة الرضوخ والتبعيّة، بقدر الإعراب عن احترام هذا «اللاعب» (المسلح)، وكذلك (وأساسًا) الحاجة إليه بل عدم القدرة على انجاز «الانتقال الديمقراطي» [المدني بالضرورة] دون عون/مرافقة هذا «المارد» [المسلّح].

مشكلة المعارضات الجزائريّة، خاصّة القادرة على لعب الأدوار الأولى، حين لا يمكن أخلاقيا (على الأقل) وضع جميعها في سلّة واحدة، تكمن في أنّها تتخيّل أنّ «الحاجة لوجودها» أي المرور من مقابل الحراك/الجيش [برشلونة مقابل ريال مدريد] إلى «الحوار» الذي دعا إليه عبد القادر بن صالح [مباراة عاديّة جدّا من بطولة عادية جدّا] يمثّل ويشكّل (وهنا الخطورة على مستوى الفهم) اعتراف صريح وتسليم لا يقبل الجدل، ليس فقد بشرعيتها أو ما هو «حقّ لها»، بل أيضًا لقصور أو هو عجز كامن داخل الفريقين الأكبر، ومن ثمّة أن «تمرير المشعل» يأتي من باب «الضرورة/الواجب» إن لم نقل «الحلّ الأوحد».

Algerian demonstrators shout slogans during an anti-government demonstration in the capital, Algiers, on May 24, 2019. (Photo by Billal Bensalem/NurPhoto via Getty Images)

أخطر من هذا التخيّل أن الخطاب السياسي لهذه المعارضات، منذ زمن بوتفليقة، لا يزال حبيس منطق «الافتراض الأخلاقي» بمعنى أنّ على «ماسك القرار» بوتفليقة سابقا والجيش راهنًا الركون بل هو الرضوخ لما هي «الموعظة الأخلاقيّة» المفترضة من خلال خطاب «بلاغي» جميل بذاته بل هو «الأفضل» موضوعيا بقدر بهائه لغويا. الأخطر من هذا الخطر، أنّ هذه المعارضات عاشت زمن بوتفليقة تعبّر عن تعجبها من رفض «منظومة بوتفليقة» لهذا «التفوّق الأخلاقي» وعدم الرضوخ له، وهي لا تزال منذ 22 فبراير ترى نفسها «الأجدر» فقط وحصرًا وفق منطق «بهاء الخطاب» لا غير. أشبه بمنازلة شعريّة بين كلّ من المتنبي وأبي فراس الحمداني أمام سيف الدولة وفي بلاطه.

 

ضمن منطق «النشوء التاريخي» الذي تحلم بهذه المعارضات، مقابل منطق «موازين القوى الظاهرة» أو هي القائمة، سيلعب هذا «الحوار» الذي دعا إليه بن صالح، بدءا بما هي استقالة حكومة بدوي أوّلا، يتبعه تعيين شخصية يصادق عليها الشارع وترضاها، يتولّى تشكيل حكومة لا دخل لها ولا علاقة بالانتخابات، وصولا إلى تشكيل كيان مستقل عن وزارة الداخليّة، يعدّ للانتخابات ويشرف عليها بالكامل ويعلن نتائجها، كما أعلن عبد القادر بن صالح، بل أعاد الفقرة مرّتين.

هو (سيكون) صراع بين منطقين: بين منطق «جماليّة الصورة» وما يؤسّس له ويتبعه من ادعاء «المعارضات» أنّها «قويّة بذاتها» وإن كانت تحافظ على خطاب تجاه المؤسّسة العسكريّة، يدّعي الاستقلاليّة دون قطيعة تستوجب العداوة، مقابل منطق موازين القوى الفعليّة وفاعلة بين الأطراف الماثلة أمامنا على المشهد السياسي، بدءا بما هي «المؤسّسة العسكريّة» من وحدة وقوّة وتماسك ووقوفها خلف «الناطق الرسمي بإسمها»، مقابل حراك استكمل أو يكاد مهامه، أو بالأحرى لا يمكن وليس من مهامه المواصلة إلى ما لا نهاية، أمام معارضات تطعن في بعضها أكثر من معارضتها للجهة الماسكة

السؤال الذي ترفض المعارضات طرحه لعجز دائم عن الفهم أو لرعب (مرضي) من الأجوبة المزعجة: في حال انجاز الحوار وفق معاييرها والذهاب نحن انتخابات وفق شروطها، كم ستكون قدرة هذه الأحزاب، على اعتبارها اللاعب الأوحد عند اجراء انتخابات، على «هضم» هذا الحراك والتحوّل به من «طاقة كامنة» إلى «قوّة فاعلة» عبر الصندوق عند انتخابات تمثّل (أو ستمثّل) الخطوة الأولى (والأكيدة) في اتجاه ارساء نظام ديمقراطي قائم على ثوابت «بيان نوفمبر» المؤسّسة لمطالب نادى بها الحراك ولا يزال؟؟؟

وفق ما نرى من عجز عن فهم الحراك وإدارك كنهه من قبل الأحزاب والكيانات السياسيّة القائمة ضمن المشهد السياسي الماثل، يستحيل على هذه الجهات، فهم أو إدراك، ومن ثمّة هضم الجانب الأكبر من هذا الحراك. لكنّ العجز عن «الهضم» سيؤدّي إلى كفر بالسياسة والسياسيين…. تلك مسألة أخرى….


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي