دبّ (روسي) في صحراء (العرب)؟؟؟ مشهد قد نألفه قريبًا…

20 أكتوبر 2015

لم يصدق أحد (حينها) أن روسيا بقيادة بوتين قادرة على قضم القرم دفعة واحدة وبنهم شديد، بتلك «الوقاحة»، بل «الصفاقة» (من منظور غربي وتركي) حين جاءت التقارير الاستخباريّة جميعها تؤكد أنّ بوتين (في الأقصى) سيلعب من خلال «الانفصاليين».

ها هو ابتلع القرم دفعة واحدة ويلاعب الغرب داخل شرق أوكرانيا، الجزء الأغنى بالمناجم والصناعة وكذلك على مستوى الانتاج الفلاحي.

لم يصدق أحد (حينها) أن روسيا بقيادة بوتين قادرة على النزول بكلاكلها في طرطوس، بأرقى طائراتها وسفنها الحربيّة وطائراتها العموديّة ودباباتها، وخيرة جنودها، بتلك «الوقاحة»، بل «الصفاقة» (من منظور غربي، تركي وخليجي)، حين جاءت التقارير الاستخباريّة جميعها تؤكد أنّ بوتين (في الأقصى) سيلعب من خلال النظام السوري وعناصر حزب الله والمدد الإيراني والدعم العراقي.

ها هي طرطوس تتحوّل إلى رأس جسر للوجود السوري، وقد بدأ الطيران وشرع منذ اليوم في ضرب أعداء النظام بالجملة وليس (ما يسمّى) داعش فقط…

هل نصدّق (أو من يصدّق) أن روسيا بقيادة بوتين، قادرة على أن تفكّر بالطريقة ذاتها بخصوص الملفّ اليمني، الذي يبدو (ظاهرًا) «حربًا منسيّة»، أو هي حرب المائة سنة، حين عجزت (ما يسمّى) «دول التحالف» على تحقيق نصر ساحق وسريع ومؤثّر (كما أعلنت في قوّة واصرار قبل البدء)، ونحن نشهد هذا التحالف يراوح بين اعلان عدد القتلى (المرتفع دائمًا) في صفوف الأعداء، والتأكيد على «عدم شرعيّة أو حتّى انسانيّة» هذا «الطرف المقابل».

بشار - بوتين

بشار – بوتين

تأتي اليمن مغرية بكلّ المقاييس بالنسبة لهذا «الدبّ الروسي» الذي يبدو أنّه استفاق من غفوة سنين، في نهم غريب ورغبة شديدة لملء فراغات تركها الاتحاد السوفيتي. أهميّة اليمن أنّها تطلّ على أحد أهمّ الممرات المائية في العالم، وهي كذلك خاصرة المملكة العربيّة السعوديّة، كبرى دول مجلس التعاون الخليجي، موطن المقدسات الاسلاميّة وأعلى مدخرات النفط في العالم، والدولة المسيطرة على القرار في هذا التجمّع الاقليمي (باستثناء عُمان)، وثانيا (والأهمّ) أنّ «الحلف المعادي» لهذا «التحالف» (الحوثيون ومن معهم) استطاع ليس فقط الصمود أبعد ممّا هو مقدّر (من قبل استخبارات دول الخليج خاصّة)، بل جرّ السعوديّة وأخواتها إلى حرب استنزاف طويلة ومكلفة. حرب جرّبها الجيش المصري زمن عبد الناصر، وخرج منها مكسورًا، خاصّة وأنّ الوضع في «غرفة القيادة السعوديّة» (أي مجموعة الامراء المعنيين بالقرار وولاية العهد والتوريث) ليس بالاستقرار الذي تعلنه وسائل الاعلام السعوديّة والموالية لها، علمًا أنّ هذه «الغرفة» ابتدعت «ولاية ولاية العهد» (التي لا عهد للعرب قاطبة بها) كدليل مادي واثبات لا يقبل الدحض على تراجع منسوب الثقة داخل «الغرفة» وبين من فيها…

عنصر أخر شديد الأهميّة:

أظهر الحوثيون (ومن معهم) قدرة قتاليّة كبيرة وطاقة «ممتازة» على التفاعل مع غارات دول (ما يسمّى) التحالف، إضافة إلى امتلاك قدرة صاروخيّة ضخمة (استعملت بعضها من باب «التدليل»)، تغطّي المناطق الاستراتيجيّة في المملكة السعوديّة وربّما أطرافها كالإمارات وقطر.

أهميّة اليمن تأتي في أنّها الصورة الأخرى عمّا يجري في سورية، حين تنقلب الأدوار من هذا البلد إلى ذاك. ليصبح الأمر تهديدًا بتهديد، حين تعلن «مصادر سعوديّة» عن تسليح المعارضات السوريّة بصواريخ مضادة للطائرات (سواء منها النفاثة أو العموديّة)، سيكون حينها الروس (في حال تأكّد الخبر) قد سلحوا الحوثيين بصواريخ مشابهة، لأنّه من المستحيل أن يرى الروس السعودية تمد أو تموّل أعداءهم بصواريخ، يملكون نظيرها ولا يمدون بها أعداء السعوديّة…

الثابت وما لا يقبل الجدل:

أنّ التاريخ أعاد نفسه في المنطقة، حين أفهمت روسيا السعوديّة أنّها «ستغضّ» الطرف على «التدخّل السعودي» كما أفهمت في السابق الولايات المتّحدة عن طريق سفيرتها في بغداد، صدّام حسين أنّ مشاكل بلاده مع الكويت وطريقة الحل لا تعني بلادها.

سقط الملك السعودي في الفخ، حين حسب موافقة روسيا على قرار مجلس الأمن بخصوص اليمن «إشارة خضراء»، كما سقط صدّام حسين في فخّ الولايات المتّحدة، التي ـ كما أعلن رامسفيلد ـ لم تكن تبحث سوى عن تعلّة للتدخّل…

الثابت وما لا يقبل الجدل:

أنّ الملفّ اليمني يأتي أمام «غرفة القيادة السعوديّة» في صورة السرطان الذي يصعب علاجه. التقدّم مكلف، المراوحة مكلفة والانسحاب أشدّ كلفة، علمًا وأنّ «الحليف الأمريكي» لن يملك، [حين نسأل هل التاريخ (القريب) قادر على إعادة نفسه]، جرأة الروس، ويُنزل قوّات المارينز وطائرات الفانتوم ودبابات أبراهمز وطائرات أباشي العموديّة في عدن أو غيرها ، نصرة لآل سعود وجيش آل سعود، وحلفاء آل سعود من دول الخليج المشاركة، الغارقة جميعها في مستنقع اليمن.

الثابت وما لا يقبل الجدل:

أوّلا: لم يعد بإمكان أيّ دولة في الشرق الأوسط وشرق المتوسط، الادعاء أنّها خارج دائرة الصراع أو أنّها بمنأى عن «تبعات» هذه الحرب (أو الحروب)، ومن ثمّة لم يعد السؤال يعني مبدأ احتمال «المشاركة» من أصله، بل ـ وهنا السؤال الحاسم ـ ما هي القدرة على الإضرار بالطرف المقابل، وما هي القدرة على تحمل ضربات هذا الطرف المقابل؟؟؟

ثانيا: تأتي تركيبة دول الخليج الديمغرافيّة هشّة بل شديدة الهشاشة، حين يمثّل «الوافدون» (التعبير «الملطف» للدلالة على العاملين وعوائلهم) في عديد البلدان نسبًا، جدّ مرتفعة بل مقلقة إن لم نقل مفزعة، إضافة إلى هشاشة اجتماعيّة، حين اعتادت هذه الدول على أشكال من الترف والرفاهيّة مثلت الأساس بل «البند الوحيد» في العقد الاجتماعي مع الأسر المالكة، ومن ثمّة يأتي السؤال عن مصير هذا «العقد» في حال تعرّض أحد البلدان (خصوصا السعوديّة، الإمارات وقطر) إلى ضربات مباشرة وفي العمق، سواء من اليمن أو من أيّ مصدر أخر…

كذلك تأتي اقتصاديات دول الخليج جميعها معتمدة على النفط والغاز، ولم تستطع (رغم نجاح نسبي في دبي) التحوّل إلى «اقتصاد ليبرالي حقيقي» لغلبة الدولة وسيطرتها على الاقتصاد بحكم سيطرة نسبة المحروقات على الناتج القومي الخام، وثانيا ارتهان الدولة بكاملها لهذا القطاع الاستراتيجي في زمن تهاوت فيه أسعار النفط ممّا دفع هذه الدول إلى «خطوات [اقتصاديّة] غير مسبوقة»…

على المستوى العسكري، لا تملك هذه الدول جميعها ودون استثناء «بنية عسكريّة» (ضمن أيّ معنى كان للكلمة) رغم تكديس أسلحة بمبالغ خياليّة، بل فلكيّة، لاعتماد هذه الجيوش (في نسبة كبيرة وفي اختصاصات عسكريّة حسّاسة) على عناصر «من غير أهل البلاد» (أي مرتزقة)، لخوف جاثم كالغول في قلب العائلات المالكة من تشكيل «جيوش وطنيّة» قد يراودها حلم «الانقلاب» على السلطة…

يبدو جليّا من ذلك، أنّ اللقمة اليمنيّة تأتي أشبه بخليّة نحل أو غزال جريح، أمام دبّ (روسي) جائع، بل شديد الجوع، ليس فقط، رغبة في توسيع مجاله الحيوي عودة إلى نظريّة «رقعة الشطرنج» التي ابتدعها «كيسنجر»، بل من باب ردّ الصاع ألف صاع لمن يحفرون له «جبّا» في الشام وكذلك لعلمه ويقينه أنّ دول الخليج «الراعي الأوّل والأهمّ» لأعداء النظام السوري، لم تفهم بعد أنّ زمن اللعب في حدائق الأخرين فقط قد ولّى…

ها هو الدبّ الروسي مشتاق لصحاريها…


تعليق واحد

  1. mabrouk bennour

    mabrouk

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي