دفاعًا عن شفيق جرّاية… وعن يوسف الشاهد!!!

26 يوليو 2017

مهما تكن التعريفات المقدّمة أو القائمة عمّا جدّ في تونس يوم 17 ديسمبر أو بين هذا التاريخ و14 جانفي، أو ما جدّ عشيّة «تهريب بن علي»، أو ما بعده من الأيّام. مهما تكن التعريفات ومهما تكن التوصيفات، سواء هي «ثورة» [وفق المعاني الدارجة عبر التاريخ] أو هي «ثورة» [من نمط جديد] ترتبط بلفظ «الياسمين»، أو هي «انتفاضة»، أو حتّى «تمرّد» دون أن ننسى التوصيفات الأخرى على شاكلة «الربيع العربي»[أو «العبري» في نسخة أخرى]، أو هي «مؤامرة»، صريحة أو مستترة. رغم هذا «الضباب» على مستوى التسميات والمعاني وكذلك الدلالات وحتّى الإسقاطات، يمكن ويكمن «الحسم»، من خلال سؤال واحد ووحيد، يبيّن إن كان هذا «الطارئ التاريخي» يحمل أو يحيل على إضافة: هل ما جاء [مهما كانت التسمية] يحمل «مشروعًا أخلاقيا»؟؟؟

دون بعد أخلاقي صريح، يكون «العمود الفقري» للمشروع البديل/الجديد، لا يمكن الحديث عن «مشروع» ينهض بالبلاد والعباد، ويقطع مع «المظالم» ويحقّق «الحريّة والعدالة والكرامة الوطنيّة»…. يمكن طرح السؤال التالي: هل ما جدّ وما جاء في تونس منذ عشيّة 14 جانفي يحمل ويعمل ويحيل على «مشروع أخلاقي» في حدّ أدنى يقطع معرفيّا ووظيفيا مع ما كان يجدّ قبل 17 جانفي، أو إلى حين ظهور محمّد الغنوشي في شكل «المشروع البديل» الحامل للبعد الأدنى من «النفس الثوري»؟؟؟؟

 

لا ثورة دون «مشروع أخلاقي» لا وجود لأيّ «ثورة»، مهما كان الخطاب ومهما تلبّست الأدبيات «الثورة» مجرّدة. الأخلاق في معناها الشامل، أيّ تفوّق «القاعدة الأخلاقيّة» على «الحالات الخاصّة»، بمعنى أن تشمل الثورة أو هي تقرن بين «العدالة» في بعدها الكوني وبين «احترام الذات البشريّة» في بعدها الإنساني كذلك.

 

من قواعد الثورة أن يتمّ معاملة «أعداء الثورة»، بل «ألدّ الأعداء» من خلال «أخلاق الثورة»، ومن ثمّة يكون الرهان أو هو الامتحان بخصوص التطابق أو الاختلاف بين «أخلاق الثورة» وكذلك «أدبيات الثورة»، مقارنة بما هي «الممارسات» [الثوريّة]… على أرض الواقع التونسي منذ 14 جانفي إلى يوم الناس هذا، يمكن الجزم أنّنا في غالبية الحالات، بل النسبة الطاغية، مع بعض الاستثناءات، نرى ونشهد بل هي مطالبة بممارسة «الانتقام الثوري» أيّ معاملة من يتمّ وضعهم ضمن خانة «أعداء الثورة» من خلال أدوات «ما قبل الثورة» وفق «منطوق ثوري»….

yousse-chahedالذي أرادوا شنق «الطرابلسيّة» دون محاكمة عادلة والذين أرادوا أو حلموا بعودة زين العابدين بن علي من «المطار (مباشرة ودون محاكمة) إلى المشنقة»، إلى مجمل الحالات، وصولا إلى «شفيق جرّاية» وما تبع إيقافه من «شماتة» أو هي مطالبة بممارسة «الانتقام» من باب «طهرانيّة» يتماهى معها «العمق» المطالب بما هي «العدالة»، جميعها حالات «مرضيّة» لا تختلق عن «منطق بن علي» سوى من خلال «ظاهر اللسان» (الثوري).

 

هناك خلط مرضي لدى الغالبيّة العظمى من عموم الشعب وسواده، وتلاعب ونفاق لدى الغالبيّة العظمى من القيادات السياسية، سواء منها الحزبيّة أو حتّى من تتقلّد المسؤوليات ضمن هرم الدولة أو الحكومة. الإعلام الذي غطّى «الإيقاف» [أيّ إيقاف شفيق جرّاية] مارس (في غالبيته العظمى)، من «التحريض» ومن «التصعيد»، ما جعل «المتّهم» [وفق التعريف القانوني] «مذنبًا» بالضرورة ودون بحث أو محاكمة…

 

علينا الاعتراف أنّ «الدولة» أو «الحكومة» من باب التدقيق، وضعت أخطبوطها الإعلامي، الذي يمارس التحريض على «الأعداء»، بل «الشيطنة» في أعلى درجاتها. هذه الممارسة تأتي تواصلا وتماهيا مع ما جدّ طوال حقبة بن علي وتتمّة لما مارسته وتمارسه وسائل الإعلام منذ 14 جانفي (دون انقطاع) إلى يوم الناس هذا.

وسائل الإعلام هذه، ومن ينطقون نيابة عن الأحزاب وعلى لسان الدولة، يتلبسون جميعها، نفسًا «اقطاعيّا» يقسم البلاد أو العباد إلى «فسطاطين» أو إلى عالمين، أو هي «دار السلم» مقابل «دار الحرب»، وأنّ «الضدّ» أو «الخصم» [وهنا الخطورة والمصيبة] مجرم بذاته وليس بما (قد يكون) صدر عنه من «أفعال»…

 

هناك تداخل بين «العاطفة» الجياشة من ناحية مقابل «واجب الأخلاق» عند التعامل من منطلق «الدولة/الثورة» مع الفاعلين ومع الأحداث. أيّ أنّنا أصحاب حقّ مقدّس بإسم الثورة/القانون في اعتبار يوسف الشاهد دون أدنى أهليّة لممارسة أيّ دور سياسي، لكن هذا «الحقّ» لا يعني ولا يعطي حقّ حرمان (سي) يوسف الشاهد من حقوقه في الاحترام وعدم رجمه بالغيب ومن ثمّة عدم اتهامه سوى بما ثبت بالأدلّة والقرائن.

 

قد نقبل من العامّة ومن الرعام ومن السواد والدهماء ما نرى من «هوجة» هنا أو هناك، لكن الخطر أن تمارس «النخب» أو هي تصل إلى هذا «الانحطاط» الذي يتوسّل الكذب المفضوح والاختلاق العجيب، وسط التصفيق الشديد وآهات الاعجاب. من العجيب أو هو ما يستدعي «التعجّب» الشديد، أنّ «النفس الثوري/الأخلاقي» لا يستفيق سوى لدى «الضحايا» الذين يطالبون بتطبيق «المرجعيات الأخلاقيّة»، في حين أنّهم يتجاوزونها عند الحديث عن أضدادهم.

ما دامت «العجلة السياسيّة» ومن ورائها أو معها «الاعلاميّة» و«الأمنيّة» و«القضائية»، تعمل وتدور بناء على منطق «الحسم الكامل» مهما كانت التكاليف، تبقى الحرب قائمة بين أطراف النزاع… كلّ يشيطن الضدّ وكلّ يطالب بعدم شيطنة الذات. لا أهميّة للأسماء ما دام الانتقام والتشفّي سيّد الحالة السياسيّة وصاحب الحسم أو هي الروح التي يقوم عليها «الصراع السياسي»…

 

في الملخّص هو «عمى الألوان» حين تصرّ كلّ جهة على تحقيق ذاتها بأيّ ثمن كان وكذلك الدفاع عن حقوقها بأيّ ثمن كان، لتصبح «الحرب» ليس من أجل «الثورة/الدولة» في أي صورة كانت، بل دفاعًا عن «الذات»…

لا هي «ثورة» [لدى من يدّعون «الثورة»] ولا هم يحزون، ولا هي «دولة» [لدى من يدّعون «الدولة»] ولا هم يفرحون…

فقط براقش (سواء كانت تشرب الماء الزلال أو الخمر المعتق وفق نظريّة «التوافق») ستجني على الجميع…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي