رسالة الغنوشي وشماتة النهضة: كشف المستور وتعدّي المحظور…

17 مايو 2016

المتجوّل العادي بين مواقع التواصل الاجتماعي كما عالم الاجتماع، يجد أمامه كمّا هائلا من كتابات أتباع النهضة وأنصارها، تصف المؤتمر، حين تأتي كلمة «عرس» في موقع متميّز، مع ما يعني اللفظ وتحيل عليه الدلالة، سواء في أقصى الجنوب أو أعماق السباسب أو أعالي جبال الشمال، من رغبة أو هي الفرصة «للتباهي» وإظهار المقام الاجتماعي وإبراز القيمة، ومن ثمّة الحفاظ على المرتبة أو تحسينها.

من ذلك نفهم «سوسيولوجيا» (فقط وحصرًا) «شماتة» نائب في مجلس نوّاب الشعب عن حركة النهضة، أرادت أو هي عمدت إلى «التشفيّ» في الخصوم، أسوة بأيّ امرأة (أو رجل) يتباهى بمصاريف عرس الابن أو البنت، سواء من باب المفاخرة أو إذلال الطرف المنافس، لنصل إلى قناعة أو خلاصة: هذه المرأة مارست من خلال مقام النيابة عن الشعب، ما تمارسه أي امرأة عاديّة في أيّ قرية أو مدينة أو حتّى حيّ شعبي أو راق…

 

تحاول النهضة جاهدة، من خلال بهرج المؤتمر وبلوغ «الأرقام القياسيّة» على مستوى المظاهر البارزة للعيان أن تقنع بل تؤسّس حقيقة جديدة قديمة، تأتي قوام سياسة النهضة منذ 14 جانفي: أيّ أنّها قوّية وقادرة على الفعل والأخذ (بمعنى السيطرة)، لكنّها «تتعفّف» وكذلك «تترفّع»، لتكتفي فقط (وحصرًا) بقوّة «الردع» (هذه)، أيّ «الطاقة الكامنة»، التي يمكن (مع اصرار على يمكن) تحويلها عند «الحاجة» إلى «قوّة فاعلة». من ذلك أتى ما فهمه البعض «تهديدًا» من قبل الفيلسوف الإسلامي أبي يعرب المرزوقي، وكذلك ما قاله «حمامة النهضة» عماد الحمّامي، عندما خاطب الدولة قائلا: «أنصار النهضة على ذمتها» (لحفظ الأمن حينها)…

هي صناعة الصورة قبل تغيير الجوهر، وتحصيل الوعي (لدى الملقي) قبل العمل في العمق من أجل تحقيق «التغيير المطلوب»، حين فهم الغنوشي ومعه جيل (من القيادات) بحكم سنوات الغربة كما السجون، أنّ أهمّ من الشيء بل البديل عنه، يكمن في الصورة التي تصنع الوعي…

 

الذي يحلم بل يترقب، أن تكون النهضة بُعيد المؤتمر، نهضة جديدة، مختلّ المدارك وعديم الفكر وفاقد للعقل، فقط وحصرًا ودون مواربة، ستصنع النهضة صورة جديدة، (لاحظوا التركيز أثناء المؤتمر على دقة الألوان وبهاء الأضواء وجمال الصورة)، تخاتل بها ومن خلالها «الوعي» (الجديد) الذي تريد صياغته، مع التأكيد بل الإصرار، إن لم يكن هو الجزم بالقدرة الكاملة على العودة في سرعة أكبر (من ذي قبل) إلى «شعارات» (أيّام زمان) مثل «عليها نحيا، عليها نموت» (عند الضرورة)، لأنّ «عقل النهضة» (مهما تكن الصراعات بين الأجنحة) يتفق على ألاّ يعطي «الأمان» (أي الفصل بين الدعوي والسياسي) دون التأكد من «الأمن» (أيّ انعدام التهديد للحركة وقيادتها خاصّة)…

1-29رسالة راشد الغنوشي إلى «الإخوان المسلمين» (سواء كانت حقيقة أو كذبة) سبقتها كتابات الرجل المعروفة والتي صدرت على صفحات الكتب، وملخصها (في علاقة بالمؤتمر والرسالة) أنّ راشد الغنوشي يأتي شديد اللوم بل عنيفًا، تجاه «أسلوب» الاخوان المسلمين (في السودان) مثلا، وليس ضدّ أهدافهم أو مراميهم، ممّا يعني (وهنا الأهميّة) أنّ النهضة تحسّ بواجب «إعادة تعليب» السياسة وليس بتغييرها…

 

الأغبياء والسذّج من يعتقدون أنّ فصل الدعوي عن السياسي، في شكله الحالي، سيؤدّي إلى «علمنة» النهضة وجرّها إلى «مربّع السياسة» بعيدًا عن «دائرة الدين»، في حين أنّ العمليّة لا تعدو أن تكون سوى «إعادة هيكلة» على شاكلة «الخطوط الجويّة التونسيّة» (مثلا) حين تفصل بين رحلاتها الداخليّة ورحلاتها الخارجيّة…

بل أفضل من ذلك، ستقدّم «إعادة الهيكلة» (هذه) خدمة رائعة للنهضة، حين سيلتحق «الجناح الدعوي» بالمجتمع المدني، ومن ثمّة لا يمثل ثقلا أو حتّى تهمة للنهضة، مع «تحصيل» فوائد «الربط الافتراضي» بين القطبين…

 

في اختصار شديد:

فصل الدعوي عن السياسي، عمليّة تسويق ضخمة، تجعلك تحسّ أنّك تتناول نفس «علبة الياغورت» بطعمين مختلفين، فقط حين تمّ تغيير التعليب الأصلي إلى نسختين مختلفتين…

 

ستنجح العمليّة التسويقية لأمرين اثنين:

أوّلا: حاجة الداخل والاقليم والعالم، لصناعة «اسلام سياسي» جديد (على مستوى الظاهر على الاقلّ)، يقدّم صورة تتقاطع فيها «تلبية العمق الاسلامي» بما هي «مستلزمات المرحلة» (الاقليمية والدوليّة)…

ثانيا: لا بديل عن «النهضة» على المدى القصير والمتوسط، بل الخوف لم يعد من سيطرتها، بل (أو هو الرعب) من تفتّت الأحزاب الأخرى إلى «دكاكين صغيرة»…

 

المؤتمر سيكون أشبه بمسرحيّة، يعلم المشاهدون أنّها «مسرحيّة»، ويصرّ الكاتب (الغنوشي) والمخرج (الغنوشي) والممثلون (بطولة الغنوشي) على أنّها «الحقيقة»، لنكون (نحن) من يتفرّج أمام سؤال يطرحه النقّاد ويبحث في مداه علماء الاجتماع:

ما الذي يدعونا إلى الضحك أو البكاء، حين نعلم أنّ المسرحيّة وكذلك الشريط السينمائي مجرّد «تمثيل في تمثيل»…

الجواب: حاجة في نفس «المنتج» (الغنوشي) وحاجة في نفس «المتفرّج» كذلك… لذلك يكون السؤال: «كم سيدوم العرض»؟؟؟ أو متى ستكون «المسرحيّة القادمة»؟؟؟


365 تعليقات

  1. يوسف الرقيعي

    بعد 14 جانفي استطاع كاتب المقال ان يظهر على الشاشة والصفحات, وله عديد الكتابات عن حركة النهضة ولكنه لايؤمن بان الحركة تتطور و تعيش في زمانها بكامل جسمها أو لا يريدها ان تكون هكذا. ما أصاب حبيبتيه… لم يشاهد حال بعض الاحزاب مازالت تعيش في 1917 1953 1979 .. و الحقيقة انه لايستطيع الخوض في ذلك.لان هوى المطرقة و المنجل اقوي من ان يصدع بالحقيقة.
    يجب ان يعلم والحقيقة انه على علم بان حركة النهضة ماضية في التأقلم و التطور ولا مستقبل لحياة سياسية متطورة في البلاد بدون حركة النهضة رغم انف بعض الاستأصاليين….

  2. الهادي بن علي

    المشاهد يقدر على تجاوز وقع الصورة و السردية كلها حين يتذكر أن المسرحية مسرحية و الفلم فلم ..وقتها لا معنى لنردف بوصف العنف أو الرعب .. لافت التشبيه بهيكلة الخطوط الجوية ..بين داخلي و خارجي ..ولافت التشبيه بتنويع العلب ..لكن تستقيم الصورة ..لا يفترض تغير الطعم بتغيير عملية التعليب ..وقتها يستقر السر في العلبة لا في مضمونها ..
    وقع الشماتة بطابع نسوي عادي يجد وهجا حين يكون بعلبة النائب .. النائب الذي يمر عليه ما يمر على البشر جميعا..تلك صور من الحياة ..
    التغيير يتحول ضرورة و هاجس التقدم يحتاج أحيانا إلى خطوات إلى الوراء .. تسمح بالخروج من وضع التشبع الذي لا يوحي بالحركة .. الأطراف الأخرى لا توحي بوجود حياة و حركة ..على نفس المكان أو في الفضاء الرحب .. صورة الدكان و انغلاق الأفق قائمة بما يشبه الصدمة..
    أفضل ما في المقال هي صور التشبيه مبثوثة بوجوه مختلفة ..

  3. نبيل رميدة

    هم هكذا دائما “الاسلاميّون” امثال مصطفى … لا تتّسع صدورهم ابدا لمن يخالفهم “و انا ادرى بهم و اعلم و بدون مزايدات” الاّ نادرا … هم يقفزون مباشرة الى العداوة و السبّ و الى اشياء اخرى ان وجدوا الىها سبيلا … حتّى اذا قال الشيخ “قفوا” … يقفون و يقفن.
    كانوا … الاسلاميّون بجناحيهما “الجناح الدعوي” رموز دعويّة داخل التنظيم و خارجه (كايمة مساجد مثلا) … و “الجناح سياسي” بقيادة الصقور و ما ادراك ما الصقور … و منذ الثورة متوتّرون جدّااااا … متوثّبون للانقضاض على كلّ شيء و على ايّ شيء … يمنح لهم الامان و يعوّض لهم بعضا ممّا فقدوه … (و ما فقدوه كان كثيرا جدّا حقيقة) … فمنحهم الشعب الكريم مليون و اربع مائة الف صوت في اوّل انتخابات … فقالوا و بصوت واحد و مرتفع “هــــــــــــاذه هــــــــــــــي” ذاك ما كنّا نبغي … كنّا ننتظر منهم تواضع المصطفى يوم فتح مكّة فبادروا شعبهم بالاصفار و بالفواصل … كنّا ننتظر منهم بان يعملوا بنصيحة “المسيحيّ” الجنوب افريقي “مانديلا” حينما قال لهم اعملوا مع النّاس ما فعل نبيّكم محمّد (صلّى الله عليه و سلّم) مع من عادوه “لا تثريب عليكم اذهبوا فانتم الطلقاء” … فتورطوا بارادتهم في معركة الهويّة و الايديولوجيا “او استُدرجوا اليها” في حين لم تكن بتاتا لا هي معركتهم و لا هي معركة التونسيين … فقدوا البوصلة و ادعوا بانهم متمسكون بالشرعيّة الانتخابيّة “بمليون و نصف”… سنتين بالتمام و الكمال و نحن “هزّ ساق تغرق الاخرى” … حتّى “قدّر او سهّل ربّي” الانقلاب في مصر و اعتصام الرحيل في باردو … المشكلة الحقيقية و الكارثيّة هي كامنة في عقليّة قيادات الاسلاميّين … ما يفهموا كان “بالرزام” … كان صوت الصقور اعلى من صوت “الشيخ” فاين كان الشيخ حينها ؟ … يحرق فيهم بالواحد بالواحد ؟ و الاّ ماكانش يحسابها توصل لهكّا ؟ … في كلا الحالتين و رغم تغيّر مواقف الغنّوشي منذ ذلك الحين الى نقيض ما كان يعلن فهو يدعم التصوّر الذي يقول بان هذا “التحوّل المرتقب” هو مصطنع و لن يثبت وهي ليس قناعة فكر وايمان بسياسة بقدر ما هو اضطرار و تكتيك “مؤقّت و سيدوم” … بمعنى ان الغنّوشي سيكرّس هذا “التميّز التونسي” و يُفعّل الفصل بين الدعوي و السياسي و ربّما يتنكّر لكل ماهو دعويّ و يحتفظ بموقعه كلاعب في السياسة و يترك اصحاب “الدعوة” ينبحون بعيدا … و ان ارتفع صياحهم خارج التنظيم و في صلب المجتمع المدني … فكانّي ارى الحبيب اللوز او الصادق شورو “يلبس قضيّة” الاخلال بالامن الوطني و بمعادات الجمهوريّة … وبقرار من الشيخ او بتزكيته ادام الله ظلّه… وهو الذي يفعلها … لقد اتخذ قرارا لا رجعة فيه وهو المُضيّ قُدما في التحرّر و التخلُّص من جميع “المكابح” التي تؤخر الركب الى قرطاج.

  4. لم أرى في حياتي حقدا على النهضة و الإسلام بصفة عامة كما أراه منذ سنوات من هذا الجزائري الحركي المدعو نصر الدين بن حديد … يا أخي إرجع إلى بلدك الجزائر و أنعم هناك بعلمانية قتلت 250.000 من أبناء بلدك و دعنا نحن في تونس و إسلاميونا و نهضتنا

    • مراد العربي شلاقو

      يبدو انك سي مصطفى لم تقرا المقال بعقلك بل بقلبك وعاطفتك النص ليس فيه شيئ من الحقد او الغل او الكره نص تحليلي ورؤية فيها الكثير مالتمجيد والاطراء للحركة ورئيسها والاعتراف بأنها قاطرة المشهد السياسي في تونس وقائدته وان المؤتمر والعملية برمتها ستزيد من نفوذ الحركة وتوسعها ارى ان خوفك وتهجمك مرده انك مازلت في الدعوي ولم تؤمن بالسياسي لجد اللحظة وهذا حال كل نهضاوي غير سياسي فهو يعتبر حركته بكارة يتربص بها المتربصون أعد قراة المقال بعقلك علك تفهم

  5. هذه افتراضات مبنية على فرضيات سياسوية على زاوية الاغلاق بفتحة صغيرة اسمها تحليل ..اما الباقي من ظهر الداءيرة فلم تاتي عليه سوى ما ظهر من اللون و الضوء لجعله في شرحك مسرحية ذات بعد واحد يتحاكى . في (وان مان ش) من شخصية الغنوشي الجدلية بالنسبة لغير انصار النهضة ..هذه الثقافة الساءيدة منذ عهد المخلوعين الاثنين ..ولكن منظومة الاسلاميين لن يفهمها غيرها الا بقلب داءيرته مفتوحة على كل الابعاد الايمانية و الادبية و المنظومة الاسلامية برمتها….و الخلاصة ..مناهج متباينة …و عليكم الفهم بقلب مفتوح …

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي