سعيّد والغنّوشي : «…. أمّا أعدائي، فأنا كفيل بهم»!!!!

3 أغسطس 2021

منذ اللحظة الأولى لظهور الرئيس قيس سعيّد على الشاشات القنوات التلفزيونيّة، معلنًا تفعيل الفصل 80، فهم الجميع دون عناء أنّ الأمر لا يعدو أن يكون سوى مواصلة بطريقة جديدة، للحرب المعلنة والعلنيّة بينه وبين رئيس مجلس النوّاب ورئيس حركة النهضة راشد الغنّوشي ومع حركة النهضة (على الأقلّ) على اعتبارها الحزب الأكبر ضمن الحزام الداعم لرئيس الحكومة المقال هشام المشيشي، والداعم له في حربه المفتوحة (هي الأخرى) ضدّ رئيس البلاد.

في سرعة غريبة بل أسرع من الضوء، تأّلفّ «حزام» خلف قيس سعيّد يتكوّن من قوس قزح يحمل جميع ألوان الطيف السياسي، لا يجمع بين درجاته سوى «معاداة النهضة» لا غير، حيث اعتبر عدد كبير وقدّر أنّ تفعيل الفصل 80، «طعنة» في صميم النهضة، تمنّوا ولا يزالون أن تكون قاتلة، أو على الأقلّ تذهب بهذه الحركة إلى انكسار لا يعقبه قيام.

تأسّست منذ ليلة 25 جويلية جبهة «قتال» طرفها «فارس مغوار» اسمه قيس سعيّد استطاع ليس فقط الاستيلاء على «قلعة» خصمه راشد الغنوشي (أيّ مجلس نوّاب الشعب)، بل منعه من الدخول، حين وقف «صاحب القلعة» أمام أبوابها المغلقة، دون قدرة سوى القاء خطاب، أراد من ورائه (هذا الحارس) تسجيل نقاط معنويّة في مرمى خصمه الذي انطلق في قرارات هدفها وضع اليد أو بالأحرى السيطرة سيطرة مطلقًة على مفاصل الدولة…

ghannouchi-kaisوطيس هذه «الحرب» في بعدها الإعلامي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، غطّى على «حروب» لا تقلّ ضراوة، بل محدّدة لمصير كلّ طرف، بدءا بما يمكن تسميتها «انتفاضة النهضة» حين تُجمع أعداد متزايدة من المنتمين إلى هذه الحركة أن راشد الغنوشي رئيس الحركة وزعيمها، هو المسؤول الأكبر ولدى أخرين (ممن كانوا حوله) المسؤول الأوحد عن الهزيمة المدوّية، سواء على مستوى الصورة الحاصلة عن تظاهرات 25 جويلية، حين أشعل «متظاهرون» النار في بعض مقرّات الحركة، أو (وهنا الأهميّة) ما راكم مجلس نوّاب الشعب من صور سلبية، دون أن نغفل وطأة الأزمة الاقتصاديّة وما يتبع توتّر اجتماعي.

على الضفّة أخرى بدأت بعض الخدوش تمسّ صورة «الفارس المغوار» قيس سعيّد القويّ ليس فقط في منصبه، بل بما صار يملك من رصيد شعبي، وعلى الأخصّ الطيف السياسي، الذي يمثّل كنزا لا يقدّر بثمن، من أجل نفي صورة «الانقلاب» الذي يريد بل يعمل خصومه ليس فقط على إلصاقها به، بل جعلها «تهمة» تزيحه (إن أمكن) أو على الأقل تجعله يتراجع أقصى ما يمكن عن الخطوات التي اتخذها وعلى رأسها «تجميد» مجلس نوّاب الشعب.

يشترك كلّ من قيس سعيّد وراشد الغنوشي (بدرجات متفاوتة) في عدم قدرة الوثوق في عمق كلّ منهما :

أوّلا، راشد الغنّوشي : لأسباب داخليّة وخاصّة اقليميّة ودوليّة، يستحيل على قيس سعيّد وضع «شيخ النهضة» في السجن أو في الإقامة الجبريّة، خاصّة وأنّ الرجل (أيّ الغنوشي) يعاني من «انتفاضة» داخل حزبه، من الصعب أو من المستحيل (وفق آخرين) النفاذ منها، بل تؤكد أصوات داخل هذه الحركة ذات المرجعيّة الاسلاميّة، أنّ على هذا الرجل أن يختار بين المبادرة إلى الاستقالة «طوعًا» أو الخروج من الباب الأشدّ ضيقًا، أي بالتصويت، حين يرى العديد داخل مجلس الشورى وجوب أن يتنازل، سواء من باب تحمّل مسؤولية سياسة أدّت على المستوى السياسي إلى ما أدّت إليها، أو ضرورة ترك المكان لقيادة من الجيل الذي يليه أو حتّى من جيل الشباب.

 

ثانيا، قيس سعيّد : رغم الصورة الورديّة التي تميّز صفوف الداعمين له (ظاهريّا)، إلاّ أنّ تسليط المجهر على هذه الجموع التي لا يجمع بينها من رباط سوى كره النهضة ومقتها، يجعل الناظر، يكتشف أنّ كمّا هائلا من «المثقفين»، المعجبين به، كانوا إلى أشهر أو حتّى إلى أسابيع خلت، ليس فقط يعادونه، بل لا يرون فوارق بينه وبين راشد الغنوشي، بل هناك من يراه أخطر، ومن ثمّة، أمام أيّ بوادر لأيّ «اتّفاق» من أيّ نوع كان، تحت رعاية اقليميّة، كما يجري راهنًا، لا يُنهي حركة النهضة ولا يذهب حدّ استئصالها بالكامل ودون هوادة، سيجعل هذا الفريق ينقلب إلى المربّع الأوّل، ويعاود شتمه والاستهزاء من شخصه وحتّى التشكيك في مداركه العقلية، كما أعلن العديد منهم في خضم الحملة الانتخابية للدور الثاني للانتخابات الرئاسيّة لسنة 2019. فريق ثان يتقاطع مع الفريق الأوّل يرى بل هو اليقين لديه، أنّ الرئيس قيس سعيّد سيستعين بأفرادها، سواء لعدم قدرته التعامل مع الإسلاميين، أو لأنّ أفراد هذه المجموعة يمثلون «زبدة» المجتمع سواء على المستوى الفكر والأكاديمي، أو حتّى السياسي، ومن ثمّة (وفق ذات الرأي) لا يمكن لأيّ حاكم يعادي النهضة الاستغناء عليهم.

المختصر المفيد :

من شبه المستحيل على راشد الغنوشي أن يقنع عمق النهضة وخاصّة مجلس الشورى أنّ «شيئا لم يكن» أو على الأقلّ يهوّن من فداحة الهفوات التي ارتكبها سواء على المستوى الاستراتيجي (أي الخيارات الكبرى) أو التكتيكات المعتمدة من قبله، بل سيكون همّه المغادرة (مدعيا الأسباب الصحيّة) أو القتال دون هوادة والخروج من أصغر الأبواب.

من شبه المستحيل على قيس سعيّد أن يحافظ على «الرصيد الشعبي» الهامّ والأكيد، في حال توقّف عن «القتال» قبل استئصال النهضة، أو في حال طلب من النخب التي تساعده أنّ دورها يتلخّص حصرًا ودون إضافة أو نقصان، (كما تفعل راهنًا) في التصفيق والتطبيل والحديث عنه في صورة «المهدي المنظر» الذي نبت في تونس. بل ترى في ذاتها (هذه النخب) أنّها الأولى بالمناصب، تشاطره الحكم أو قد (ونقول قد) تزيحنه هو الآخر، مثلما هو الغنوشي راهنًا تحت تعلّة «الأسباب الصحيّة».

بعضهم أعدّ الملفّ ترقبًا لما سيأتي….


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي