سوق «النوّاب» في الاسطبل والغاب

13 نوفمبر 2015

نذكر جميعًا (الذكور وليس الإناث) عند ممارسة كرة القدم في البطحاء (لدى أهل المدن) وفي الخلاء (لدى أهل الريف)، أنّ كنّا نتقاسم بعضنا، فريقين، بداء بمن هم «نجومًا» ونزولا إلى «عصافير الجنّة» الذين يحقّ لهم اللعب مع أيّ فريق يريدون، وربّما غيّر أحدهم فريقه أثناء المباراة…

نوّاب النداء هم «عصافير جنّة» لأنّه يحقّ لهم تغيير الفريق أثناء «اللعب» وحتّى المراوحة بين محسن مرزوق وحافظ قائد السبسي، مرورًا ب(سي) فوزي اللومي، الذي يشتغل «خاطبة» في الأمر…

لا أحد يعتقد أو قد يفكّر أن الانقسام تمّ بين «دساترة» من جهة، يقابلهم «يسار»، على أساس فكري وعلى قاعدة الهويّة الأيديولوجية. هوّية النواب وسيرتهم، وخاصّة ماضيهم، يثبت بما لا يدع للشكّ أنّنا أمام اصطفاف «المصلحة» (الفرديّة) وليس حتّى «الهوى» السياسي، بل إن التردّد والمزايدة والترغيب والترهيب، شبيه بما كان يجري ولا يزال في أيّ «سوق» تُباع فيه السلع لمن يدفع أكثر.

نحن لسنا أمام «سياحة نيابيّة»، بل «هجرة جماعيّة» أشبه ما تكون بطيور البطّ عندما تغادر مأواها الخريفي إلى بلد الدفء. مسألة «دفء» يعشقها النوّاب، ويراوحون بحثا عنها بين ولدى «الطرفين اللدودين»…

يختصر مشهد الصراع داخل كتلة النداء البرلمانيّة، كامل المشهد التونسي، سياسة وفكرًا. السعي كلّ السعي لتحصيل «قوّة نيابيّة» تكون الرصيد الضروري للصراع داخل «مجلس نوّاب الشعب» أوّلا من أجل التموقع ضمن لعبة الحكومة القادمة أوّلا، وثانيا صياغة الصورة الأفضل لدى المتلقين استعدادا للمواعيد الانتخابيّة القادمة.

حين نريد الغوص في عمق المسألة يتبّين لنا أنّ عمليّة الاقتراع التي هي أساس الانتخاب، التي تمثّل (بدورها) الباب الأكبر (وليس الأوحد) للديمقراطيّة، تحوّلت إلى مجرّد «وسيلة» أو «تعلّة»، لا علاقة لها البتّة أو هي انفصلت عن «العقد مع المواطن الذي مارس الاقتراع»…

نداء تونس

نداء تونس

الأزمة أزمة فكر سياسي، داخل النداء، وداخل الطبقة السياسيّة، لا أحد يفكّر فعلا في «العمق الشعبي» أو هو يفكّر فيه من باب «يمشي الغافل ويجيء الجافل»، أيّ قضاء الحاجة دون التفكير الجدّي في الغد أو المستقبل، خارج منطق «الماكينة» المعتمدة على الزبونيّة وعلى المنفعة المباشرة.

إنّها «قسمة» كرة قدم، ليس إلاّ، دون أدنى رغبة أو قدرة على ترسيخ الديمقراطيّة أو المساهمة في هذا «الانتقال الديمقراطي» (الذي جاء من أجله «جون كيري» ساعيا).

لا يمكن فصل عمليّة «تقاسم النوّاب» عن العنف اللفظي والمادي، السائد في البلاد، ولا عن «المالي السياسي» الذي اعترف به محسن مرزوق، أو ما أكّده الأمين العام لحركة «نداء تونس» من وجود مافيات سياسيّة (قد) تمرّ إلى العنف. هذا ينتج ذاك، وذاك من نتاج هذا، وبالتالي تعيش تونس عمليّة نزع لثياب الديمقراطيّة التي تشترط ديكورًا من حسن الأخلاق في بعدها الأدنى…

 

لسائل أن يسأل، كيف لصندوق الانتخاب، حين نشبهه بالرحم، أن يلد من الأيادي ذاتها (الذي صوّتت لذات اللون والورقة) نقيضين يهددان بعضهما البعض، بل وصل الأمر حدّ الرجم بالمشاركة في «الارهاب» أو «التخابر» مع «سفارات أجنبيّة» أو الاتفاق مع المخابرات الأمريكيّة على قلب نظام الحكم.

من الأكيد أن الصوت الندائي في الانتخابات التشريعيّة الأخيرة، دخل الصندوق بناء على مشروع انتخابي، أو هي صورة انتخابيّة أو حتّى وعود انتخابيّة، ولم يكن هذا الصوت يتخيّل أن تذهب الأمور إلى مثل هذا الحدّ أو هذا المستوى من العنف اللفظي أو المادي أو التخوين أو حتّى «تكسير» الكتلة النيابيّة إلى قطعتين (على الأقلّ)…

نلاحظ على المواقع الاجتماعيّة سخرية وتلذّذا بالشماتة أو حتّى التشفّي في «أسقط» درجاته، لكنّ السؤال قائم واللغز لا يزال دون جواب:

هل فكّرت هذه «الجماعات التي انهزمت ضدّ النداء» في أسباب هزيمتها، أم أنّ مجرّد الشماتة والتشفي يلغي الهزيمة من سجلات التاريخ؟؟؟

مأساة أو ملهاة «النداء» في بعدها الدرامي، قادرة على شدّ الجماهير التي قبلت أن تحوّل المنابر الاعلاميّة المسألة إلى فرجة، لكنّها «دراما» تلعب فيها الأضواء دورًا هامّا، حين تسلطّت على هذه المأساة/الملهاة دون غيرها، التي تنتظر دورها في الانفجار كمثل أيّ فيلم درامي، يحمل في طياته مشاهد «تفجير» جاء بها «السيناريو» متتالية…

وسط هذه الضوضاء وهذا الغبار المتصاعد من أرض المعركة، وقرقعة السلاح، بدأت المناداة بتشكيل «حزب جديد»، يأتي نتاج هذه «الفوضى الخلاّقة» (جدّا) التي جاءت غاية في ذاتها وليس وسيلة لفصل «الأخوة الأعداء»…

يمكن أن نحوّل الأمر إلى لعبة «تكهّن» كما تفعل البرامج الغبيّة حين سؤال عن كمّ «القطيع» الذي سيتبع هذه «الجهة» أو تلك أو الأخرى، حين لا أحد يجزم من المراقبين والسياسيين، أن النداء سينشطر إلى «شقين» فقط، فقد تكون هذه البداية والبقيّة في الطريق…

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي