سيرك الرئاسيات: الراقصة واللصّ والأفعى… والطبّال…

2 أغسطس 2019

وسط التشويق المفتعل الذي تعيشه الانتخابات الرئاسيّة في تونس وانكباب الأوساط الإعلاميّة والسياسيّة واهتمامها بأدقّ التفاصيل، بل وتضخيمها، مثلما هو الحال مع مسلسل تلفزيوني هابط، وتقاطر المعلومات الواحدة بعد الأخرى، لا أحد طرح سؤالا عن «الفوارق» السياسيّة، الأساسيّة والمحدّدة لما يمكن اعتباره «الهويّة» الفعلية لهذا المترشح أو ذاك، في علاقة بالمردود الفعلي الذي يترقبه (افتراضًا) العمق الشعبي من هذا «المسار الانتخابي»، بمعنى «الفوارق» المحدّدة والفاصلة للمردود (في حال الوصول إلى قصر قرطاج).

هذه الرئاسيات تحمل أو هي تحيل على «ظاهر» ينخرط (كلاميا) في «مسار» ديمقراطي (هو الأخر)، يستجيب (افتراضًا) لمتطلبات شعب، خرج أو هو جزء منه بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011، من أجل «حياة أفضل»، عندما تمّ إلغاء «البعد الثوري» سواء من القاموس الاعلامي أو الخطاب السياسي.

يدرك الملاحظ البسيط قبل الخبير المتمرّس، أنّنا أمام «مسرح ديمقراطي» تعيش فوقه وتلعب بل هي تؤدّي «أدوراها» كائنات «غير ديمقراطيّة»، يأتي قبولها بما هو «المسرح» [الديمقراطي] من باب ارتفاع كلفة الرفض [اقليميا ودوليا] لا غير. كذلك لم يعد همّ هذه «الكائنات» منحصرًا في احترام «الحدّ الأدنى» من قواعد «الركح الديمقراطي»، حين هزّها «الوَجْدُ» وارتفع بها نسق الصراع إلى بعد «عاطفي/غرائزي» يتناقض مع طابع الروح [الديمقراطيّة] «المفترضة» لهذا المسرح [في أبعاده الفرجيّة على الأقل].

الأخطر ممّا يدور على خشبة هذا «المسرح» الديمقراطي (افتراضًا) ما نلاحظه من انخراط المتفرجين في هذا «الوَجْد» العاطفي/الغرائزي بل يكون السؤال، من باب علم النفس السريري : هل يأتي هذا الأداء [المسرحي] تلبية لغرائز ذاتية [لدى المترشحين/الممثلين] أم هم يؤدّون دورًا ضمن نظريّة «ما يطلبه المتفرجون/المصوتون»؟؟؟ أو بالأحرى هي هذا وذاك في الآن ذاته…

A Tunisian casts his checked ballot in a box as he votes in the first free municipal elections since the 2011 revolution, at a polling station in Ben Arous near the capital Tunis on May 6, 2018. - Tunisians head to the polls on May 6 in what is seen as another milestone on the road to democracy in the birthplace of the Arab Spring, despite muted interest in the poll as struggles with corruption and poverty continue. Though parliamentary and presidential votes have taken place since the fall of dictator Zine El Abidine Ben Ali, municipal polls have been delayed four times due to logistic, administrative and political deadlocks. (Photo by FETHI BELAID / AFP)

وسط هذا «السيرك» المفتوح على مصراعيه على «احتمالات» مضبوطة بحكم الاكراهات الاقليميّة والضوابط الدوليّة، ذهبت انتخابات هذه السنة أو هي أو هي بدأت تذهب، نحو مدى لم تشهده الدورات السابقات، بدءا بدخول «ممثلين» جدد فوق الركح، في تهديد مباشر وجدّي لماسكي نواصي المرحلة، وسعي القدامى لإزاحتهم (بالحلال الديمقراطي)، مرورًا بغياب أحد أبرز «الممثلين» وتأثير ذلك على المشهد، نهاية بلعبة عضّ الأصابع وكسر العظام الدائرة راهنًا، وراء «الستار» [المسرحي] أو في المطابخ المستوردة من قبل السفارات، سواء لفرز «مرشح توافقي» يضمن ما هو قائم من استقرار مهزوز ونظام رخو، أو السعي لإستبعاد «الخوارج» وحصر الدور الفاصل بين مرشحين اثنين من «أهل البيت».

أخطر من التشخيص إصرار الممثلين الكبار وماسكي أطراف الديكور الديمقراطي، على أنّ «ليس بالإمكان أفضل ممّا كان»، وكذلك الإصرار على القول وربّما الصراخ، أنّ البلاد تسير بما هو «الانتقال الديمقراطي» وسط هذا المسرح المتقلّب إلى «ميناء» الديمقراطيّة الراسخة.

بكلّ المقاييس ومجمل المعايير، يمكن الجزم بغرق الطبقة السياسيّة [الفاعلة على مستوى فرز النخبة الحاكمة] في مستنقع لا تقدر أو هي لا تريد مغادرته، سواء لخوفها الشديد من «المجهول» [الديمقراطي]، وكذلك لخشيتها من أن تفقد بعض ما تحوز من مجالات النفوذ ومربّعات الحكم، التي تمنّ عليها بثقة في النفس، تدعمها المناصب التي صار يوزعها على «مريدين» لا حاجز بينهم وبين «الطاعة الأمثل»، عوضا عن مناضلين قدموا على مدى السنوات العجاف الكثير من التضحيات.

يمكن السؤال من باب طلب المعرفة عن شرعيّة «انتخابات» يقولون أنّها «الديمقراطيّة» بين كائنات ليس فقط لا تمارس الديمقراطيّة داخل صفوفها، بل تنقلب عليها وترفض نتائجها، مثلما هو حال النهضة ورفض زعيمها نتائج الانتخابات التمهيديّة، أو الأحزاب الأخرى حين أنزلت بالمظلات رؤساء قائمات على دوائر لا علاقة لهم بها؟

معرفيا، وعلى مستوى علم الدلالة، هناك خلط بين مستويات أو هي عبارات ثلاث: الاقتراع ـ الانتخاب ـ الديمقراطيّة. هو خلط عفوي وساذج بل غبيّ أحيانًا، حين يتخيّل هؤلاء السذج والأغبياء أنّ مجرّد وضع بطاقة في صندوق ليس فقط يصنع الديمقراطيّة، بل هو يرسخها، التي تنحصر ـ حسب ذات السذاجة والغباء ـ في تعداد عدد البطاقات بحساب المتنافسين وتوزيع «الكعكة» على أساسها…

خلاصة :

بالمفهوم المسرحي المباشر:

 

لا يمكن لزوجة أن تقبل كلمات ودّ من زوج ينطق هذه العبارات مشحونة بالكراهيّة والعنف اللفظي والاحتقار. كذلك هي الانتخابات. الاقتراع جزء مؤسّس وشرط وجود، شريطة أن يتمّ (مثل عبارات الودّ بين الأزواج) في روح من الاحترام والتقدير وعدم تهديد الوجود.

وفق ما نراه من مشهد:

وجب عدم الانزعاج حين نلاحظ أنّ التنافس بين كرسي قرطاج  موزع بين الراقصة واللصّ والأفعى… والطبّال…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي