علي بالنّور: بين البيان الأوّل والاستبداد الدائم، ديمقراطيّة زائلة.

5 أبريل 2018

أثارت تصريحات النائب بمجلس نوّاب الشعب علي بالنّور عن ترقبه وتوقه سماع «البيان الأوّل» يصدره الجيش التونسي، بعد الانقلاب على الحكم (وفق المعنى ذاته) الكثير من اللغط، بل هو الاستهجان والسخط، خاصّة وسط أجواء الشحن والتوتّر التي تعيشها البلاد، وما هو العنف اللفظي السائد بين الأطراف السياسيّة وعلى وسائل الإعلام.

لم يلق الرجل دعمًا ولم يدافع عن هذا الرأي أحد من الطبقة السياسيّة، التي لازم أغلبها الصمت وتوارى معظم الفاعلين السياسيين خلف السكوت، بما في ذلك الجهات المعنيّة، سواء مجلس نوّاب الشعب، أو القضاء بشقيه المدني والعسكري، ممّا يعني عدم وعي أوّلا بالخطورة «القانونيّة» لهذه الفكرة، وثانيا (وهذا الأخطر)، لا ترى قطاعات واسعة مصلحة في طرح الموضوع أو على الأقلّ اعتباره الموضوع الأهمّ، إن لم يكن موضوعا تنتفي أمامه المواضيع الأخرى.

 

مردّ هذا الصمت المريب والسكوت الباعث على الشكّ، أنّ ما يزعج هذه الطبقة السياسية بكاملها (أيّ الصامتة) ليس فعل «تغييب الديمقراطيّة» في ذاته، بل أن يكون الجيش هو الفاعل، مع ما يعني ذاك (بناء على تجربة انقلاب 7 نوفمبر) من قلب للواقع السياسي برمته أولا، وتحوّل هذا «الانقاذ» (كما طالب النائب علي بالنّور) إلى دكتاتوريّة عنيفة جدّا وشديدة البشاعة، أدّت إلى مراكمة كمّ كبير من التوتّر، وجد متنفسا له يوم 17 ديسمبر 2010، ونتيجة له يوم 14 جانفي 2011.

من ذلك وعندما نقارن حال التوتّر السائد راهنًا بما كان من توتّر سبق «التغيير المبارك» يوم 7 نوفمبر، يكون من المفهوم أن تتوق نفس (سي) علي بالنور وغيره كثيرون إلى إعادة ذات السيناريو، أي ذلك «المنقذ» الذي لا يمكن أن يكون سوى من العسكر، لتنعم (وفق ذات الرأي) البلاد بما تغنّت صوفية صادق به من «أمن وآمان»…

f_4801100_1دراسة صوت هذا النائب/الممثل وهو ينطق بطلبه، نجد فيه حرقة ممّا يعيش وتوقًا إلى ما يحلم به، ليكون الانقلاب «انقاذا» وليس قلبا لشرعيّة «قائمة». لنطرح السؤال المنطقي والمشروع، عمّا يدعو هذا المصنّف ضمن «الديمقراطيين» (بمعنى عدوّ «الظلاميين»)، والجالس فوق مقعد النيابة بناء على «ممارسة ديمقراطيّة» إلى وأد «الأمّ الذي أنجبته» وكذلك ذبح النظام الذي جاء به إلى السياسة، وما قدّمت له من مجد كان أبعد من الخيال زمن «الانقلاب» السابق؟؟؟؟

عوامل سيكولوجيّة عديدة، تقف وراء هذا الصوت الخائف والمرتجف، وهو يذهب مطالبًا الجيش بالتدخّل، أوّلها عدم إيمانه بالديمقراطية أبعد من كونها «سلّم صعود» أوصله إلى مكانه ضمن المجلس، ويستحيل (أيّ الديمقراطيّة) أن تتحوّل إلى «فلسفة سياسة»، ومن ثمّة (وفق ذات العقل) من سابع المستحيلات أن تحمل (أيّ الديمقراطيّة) ما يكقيها من أدوات تصلح بها  ذاتها.

نقف أمام نائب (أيّ من صفوة النخبة) يأخذ من الثلاثي المتدرّج أيّ «الاقتراع ـ الانتخابات ـ الديمقراطيّة»، ممارسة الأوّل وما جاءت به نتائج الثانية، دون أن يكون للثالثة تلك القيمة الاعتباريّة، أبعد من ضروريّات «التسويق السياسي» وما تتطلبّه ممارسة الحكم والفعل وردّ الفعل خاصّة ضمن الفضاءات المفتوحة وعلى رأسها الإعلام.

علي بالنّور، لم يطعن في عمليّة الاقتراع الذي أوصلته وفي منظومة الانتخابات التي أجلسته على كرسييه داخل مجلس نوّاب الشعب، وإلاّ كان قرن نداءه باستقالة مدوّية من هذه «الديمقراطيّة» (المغشوشة حسب فهمه)،بل فقط وحصرًا هو يريد تعويض «الحكم الديمقراطي» بما هو قائم ضمن المخيال الشعبي من ذلك «المنقذ» الذي سيملأ البلاد عدلا واحسانًا بعد أن امتلأت ظلمَا وجورًا…

 

من المضحكات المبكيات، أنّ هذا «الديمقراطي/الحداثي» المؤمن بل المفاخر بما هي «فلسفة الأنوار» المتفوقة (وفق رأيه بالضرورة ودون أدنى نقاش) على الفلسفات السلفيّة وذات الارتباط بما هو (تسمية) «اسلامي»، لا يعدو أن يكون سوى ذلك «السلفي» (المقنّع والمزيّف)، حين يشارك السلفيات الدينيّة كره الديمقراطيّة ومقت نظامها.

فارق كبير بين هذين النمطين من السلفية (أيّ الدينيّة والعلمانيّة): الأولى ترفض المنظومة جملة وتفصيلا، في حين أنّ الثانية تقبل بالاقتراع وتتبنّاه وتنادي بالانتخابات، فقط في حال فوزها وسيطرتها على السلطة ومسك دواليب البلاد بكاملها، وإلاّ تكون «الردّة» المعلنة، سواء جاء التبرير في صورة الدعوة إلى «انقاذ البلاد من الفوضى»، أو سحبها (أيّ الديمقراطيّة) من تحت أقدام «السلفيات» (الشقيقة غير الصديقة)…

لا ثقة مشتركة/متبادلة بما هي الديمقراطيّة فلسفة وفكرا وممارسة وروحا، بل الأخطر لا ثقة لأحد في ما يعلن الطرف المقابل/المعادي من «إيمان بالديمقراطيّة»، خاصّة مع انقلاب الصورة بل انتقالها من النقيض إلى النقيض: الحزب الإسلامي/الإخواني الأبرز في البلاد يصرّ إلحاحًا ويلحّ إصرارا على اتمام الانتخابات البلديّة، ليقينه بل جزمه أنّ الاجراء مكسب في ذاته والنتائج مكاسب عدّة، في حين أن من المحسوبين على «التوصيف الديمقراطي» يطالب [كما فعل محمود البارودي] بعدم اجراء هذه الانتخابات لأنّ النهضة [والكلام له] ستكون الفائزة. أيّ أنّه يعتبر «الديمقراطيّة» أشبه بما هي «آلة غسيل» وجب أن تحمل ضمانًا يكفل للمستعمل حقوقا، من بينها ارجاعها إلى «المصنع» واسترداد الثمن في حال لم تكن مطابقة للمواصفات والشروط المعلنة.

 

خلاصة: كلّ «بن علي» وأنتم دومًا فرحانين….


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي