عماد دبّور والبشير بن حسن: من على الشجرة ومن على الأطلال؟؟؟

7 فبراير 2018

أسوة بكل المعادلات ذات العلاقة بالدين والهويّة واللغة ومن ثمّة الانتماء والحضارة، نجد المسألة في حال تنازع بين حدّين:

أوّلا: معادلة فوقيّة ذات بعد «حداثي» مرتبط بما هي «عولمة الحقوق» وما صار من «أخلاق النخب» الماسكة لمقاليد الحكم ودواليب السياسية.

ثانيا: معادلة تحتيّة، ذات بعد شعبي، مرتبط بما هو «الاسلام الاجتماعي» الذي تأتي جميع المعادلات لديه بسيطة على مستوى التصنيف، بين «إيمان فطري» يعاضده «انتماء بالسليقة».

بين هذين المستوين تقف أو تقع معادلة «عماد دبّور» ومسألة إشرافه أو تقديمه لبرنامج على التلفزيون الحكومي. التلفزيون الذي وجب (افتراضًا) أن يكون تلفزيون الجميع، وهو كذلك المؤسّسة التي تنال ميزانيتها من جيوب أفراد الشعب. الصعوبة حيال «معادلة دبّور» أنّنا نقف أمام معادلتين: معادلة يؤسّس لها الدستور حين لا تصنيف لأيّ فرد من المجتمع على أساس العقيدة والمذهب أو الجهة أو الانتماء العرقي، ومن ثمّة، لا مانع بحساب القانون يقف أمام جلوس (سي) عماد أمام الكاميرا، ليقول ما يريد عمّا يريد. في المقابل هناك عمق شعبي، يأتي بحكم قرون من «الاسلام الاجتماعي» المسيطر على القناعات إلى حدّ الخلط بين هذه القناعات والإيمان في بعده المجرد، بأنّ الذي «انقلب» من دين أبائه وأجداده يكون ليس فقط «كافرًا» بالمفهوم الديني، بل «خائنًا» وفق أخلاق المجتمع، وأخلاق «القبيلة» التي سبقت هذا المجتمع وأسّست له.

الأزمة ليست على مستوى كلّ معادلة، بل في الصدام بين المعادلتين، بل يذهب الإنفصام أكثر، حين يرى عمق شعبي غير هيّن أنّ «المرجعيات الاسلاميّة» (من خارج إسلام السلطة والحكم)، أسوة بالشيخ البشير بن حسن أمثاله، لا يجدون مكانًا، في حين أنّ هذا «الفرد» (أيّ عماد دبّور)، الطارئ على التاريخ، يجد كلّ الترحاب… كلّ هذا معطوف على ما يحسّ هذا «الإسلام الاجتماعي» من غبن متأصل، منذ أن أمسك بورقيبة ورقة الاستقلال الداخلي إلى حين جاء التوافق بين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي.

أخطر من «تراث المظلوميّة» المتأصل داخل الاسلام الاجتماعي، سواء تعلّق الأمر بما هو «الإسلام» ذاته (الدين والعقيدة والعبادات) أو «الأخلاق» حين صارت القناعة لدى كلّ جيل (منذ الاستقلال على الأقل) أنّ الدولة متراوحة بين «إفساد الشبيبة» أو عدم فعل ما يجب من أجل المحافظة على الأخلاق، أخطر من كلّ هذا ما صار هذا العمق الشعبي يشعر به من «يتم»، حين كانت الأصوات الاسلاميّة (في المهجر خصوصًا) تؤدّي وظيفة الدفاع (بالبيانات) سواء تعلّق الأمر بتجريم الحجاب أو غيرها من أشكال «تجفيف الينابيع» الذي كان بن علي يمارسه.

IDصار «الإسلام الاجتماعي» يتيمًا، حين انقلبت حركة «النهضة» (كبرى الحركات ذات التوجه الاسلامي في البلاد) جزءا من النظام، ومن ثمّة أقرب إلى الصمت أو التغاضي أمام حالات «النشاز»، أمام «فرد/مسيحي» غلب واستأثر بما هو «حقّ» وفق هذا الاسلام الاجتماعي لمن هم «مجموعة/علماء»…

أخطر من هذا «الانفصام» بين المنطقين، وما هي حالة السيطرة بقوّة مسك مقاليد السلطة ودواليب الإعلام، ما يراه عمق شعبي غير هيّن من حقّ له بحكم «قانون الديمقراطيّة» أي لعبة موازين القوى بحكم العدد. هذه «الديمقراطيّة» التي تمثّل الراية الخفّاقة الأولى التي تتباهى بها النخب الماسكة لمقاليد الحكم ودواليب الاعلام، بل تعتبرها «التفوّق النوعي» على «الاسلام الاجتماعي» وما يمثله هذا العمق الديني الأقرب إلى الإيمان من قربه إلى الديمقراطيّة.

هذا الشعور بما يرون «غبنًا» مثل أحد أهمّ مصدر للتوتّر القائم على أساس الدين/الهويّة منذ نشأة دولة الاستقلال الداخلي إلى يوم الناس هذه، وكذلك أحد أهمّ جبهات الصراع القائم بخصوص «نمط الحكم» والنزاع المرير والدموي الذي لا يزال قائمًا بخصوص «دين الدولة» وما هي التفسيرات الممكنة اجمالا والمقبولة من قبل أيّ من طرفي الصراع بخصوص مسألة «دين الدولة»…

لا يمكن فرز وجود/تعيين عماد دبّور على شاشة القناة الحكوميّة، عن السماح بزواج الفتاة التونسيّة (التي يفترض العمق الشعبي أنّها مسلمة) بمن لا يدين بدين الإسلام. هكذا تأتي صورة لدى قطاع شعبي غير هين، يرى كذلك بشرى بلحاج حميدة ووجودها على رأس تلك اللجنة ضمن مسعى «تحديث» منظومة «مجلّة الأحوال الشخصيّة» في صورة «المؤامرة» على عقيدة (هذا) الشعب…

حين نريد تلخيص المسألة نجد ضمنها عشرات المتناقضات، بل جبهات قتال متداخلة، ولدّت في السابق انفصامًا قاد وأدّى إلى أن كانت تونس البلد الأوّل على «مستوى» تصدير «الطاقات الارهابيّة» إلى (ما يسمّى) بؤر التوتّر. هذا في ظلّ وجود صراع بين «دولة الحداثة» مقابل «اسلام سياسي» اتخذ موقع المدافع وإن كان في سلبية كبيرة عن «الاسلام الاجتماعي» الذي يرى نفسه «الحصن الأخير» أمام «الفساد الأكبر»…

استقالة النهضة عن مهمّة الدفاع عن «الإسلام الاجتماعي»، على اعتبارها القوّة الأكبر على مستوى «الاسلام السياسي»، سيدفع طاقات من «اسلام الهامش» (أيّ التنظيمات أو بالأحرى ذات التوجه الاسلامي، غير المعترف بها لا من قبل الدولة ولا من قبل النخب، إلى ملء الفراغ، والانتصاب مدافعا عن هذا «الشرف»…

ظهور صورة عماد الدبّور على شاشة القناة الحكوميّة، يختصر سؤالا لا يزال «الاسلام السياسي» يبحث له عن إجابة منذ زمن نابليون في مصر: لماذا المسلمون ليس خير أمّة أخرجت للناس، ولماذا يتقلّد «غيرهم» هذه المناصب الرفيعة في الدولة وفي الإعلام وكذلك على جميع المنابر؟؟؟

الإجابة: داعش وأخواتها شكّلت الجواب أو أحد طرائق البحث عنه…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي