عمّار 404

7 ديسمبر 2015

روّح (من السوق) إلى الداخليّة، عمّار 404

مهما تكن الأسباب التي دفعت الباجي قائد السبسي إلى الاستعانة بمن يمكن أن نسميهم «قدماء اللاّعبين» عوض جيل «الثورة» أو «الشباب»، لإعادة السيطرة على وزارة الداخليّة أو هو «ضبط الأمور» فيها، فالجزم قائم أنّ هؤلاء (جيل المتقاعدين ومن هم على الرفّ) يملكون من التجربة والمعرفة والدراية وكذلك من القدرة، ما يفوق (بكثير) اندفاع الشباب وطموحهم وكذلك «روح الثورة» فيهم.

المسألة أبعد من صراع (كروي) بين جيل «المخضرمين» مقابل جيل «الشباب»، بل نحن أمام مدرستين مختلفتين، بل متباعدتين، إن لم نقل متناقضتين. مدرسة لا تزال تتحسّس أمورها (حاضرًا) دون أن تجد لذاتها «شخصيّة» حين لم تتلبّس بعد (بما يكفي على الأقلّ) «مخرجات الثورة»، وبقيت تراوح (في تردّد شديد) بين «عهدين»، في مقابل جيل عائد بثبات وعزيمة وإدراك، يدرك ما يفعل ويعلم ما يقوم به، دون أن نعلم إن كان هذا الجيل يحسّ (حقيقة وفعلا) أنّ «جزء مؤسّس» بل يمكن الجزم أنّه «ركيزة» من ركائز نظام بن علي، بل أحد أسباب ديمومته وبقائه ومن ثمّة بطشه بالعباد وإفساده للبلاد، أم أنّهم يرون أنفسهم فوق مساءلة الذات على الأقلّ….

دون السقوط في قراءة النوايا واستقراء الدواخل، يمكن الجزم أنّ الباجي اختار بين فريقين من «ناقصي النظر»، فريق لم ير سقوط بن علي وفريق لا يرى ما يفعل راهنًا…

 

عمار 404

عمار 404

عودة «عمّار 404»، ورجوعه للعمل وللنشاط وما يمكن أن يلعبه من دور، معطوف على «انجازات الرجل» وشهرته الكبيرة (زمن بن علي)، يجعلنا (بل يلزمنا) بطرح أكثر من سؤال:

أوّلا: هل كان الرجل يتبنّى منظومة بن علي الذهنيّة والفكريّة ومن ثمّة يعمل عن قناعة لحجب المواقف واغلاق الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، أمّ أنّ الرجل عمل بمنطق «الواجب» دون الدخول في تفاصيل السياسة ودهاليز الفكر وسراديب النظام؟؟؟

ثانيًا: ما الذي يمكن للرجل أن يلعبه ضمن وضع «ما بعد الثورة»، وفي زمن لم يعد من المقبول أو المعقول أو حتّى المجدي (على مستوى صورة النظام وسمعة الداخليّة) أن يجد المبحر على الانترنت تلك الكتابة المؤلمة متبوعة برقم 404؟

دون الدخول أو الغوص في نوايا الرجل أو ما يحمل من شعور وما بداخله من وعي، ودون محاكمة الماضي ومحاسبة ما فات، يمكن الجزم بأمرين:

أوّلا: أنّ الرجل «كفاءة» (علميّة) حسب ما رشح من أخبار وصاحب قدرة علمية وطاقة على العمل، لا يمكن نكرانها.

ثانيا: محاربة الارهاب والتصدي للجريمة المنظّمة (تبييض الأموال، تهريب المخدرات، الهجرة السريّة، وتجارة الرقيق الابيض) تتمّ في جزء منها عبر الأنترنت،

من ثمّة، وفي ضوء قدرات الرجل تأتي الحرب على كلّ هذا «الرهط» (من المخاطر) استباقيّة ومن ثمّة ضروريّة، لكن الخوف كلّ الخوف أن يتمّ «دعوته» لممارسات العهد السابق، سواء مباشرة (الحجب والاغلاق) أو اللجوء إلى وسائل سريّة أخرى، من خلال شركات خدمات الانترنت، المرتبطة رسميا وعضويا بوزارة الداخليّة وشبكات الرقابة فيها.

 

السؤال في تجاوز للرجل الذي لا يمكن ويستحيل أن يتحوّل إلى الشجرة التي تغطّي الغابة، يختصر المسألة في علاقة «المنطق القائم» بما هم «رجال العهد السابق»، سواء على مستوى ماضيهم (أو ماضي كلّ منهم حين لا يمكن الجمع على مستوى الأخلاقي) ومدى قدرة كلّ منهم على تجاوز عقبات «الذاكرة» (الممزوجة بدموع الضحايا وحتّى دمائهم) وارث جيل من الممارسة القمعية والتعاطي العنيف وحتّى الاستئصالي مع مخالفي النظام…

هو تداخل حميمي وذاتي وكذلك خطير وعميق، بين عمق الفرد وقدرته على الفعل (في علاقة بالأخلاق) وطاقته على التفاعل مع «الممكن» (حين كان بن علي ونظامه من الأشياء القائمة في البلاد)…

الجميع يذكر (أو على الأقلّ عشّاق السينما) المشهد الشهير في فيلم «الاعتراف» L’aveu للمخرج الشهير «كوستا غافراس»، حين يحقّق رجل الأمن، بل هو يستنطق في وحشيّة وعنف، «المعارض» (لعب الدور الممثل «إيف مونتان»)، ويقول هذا المحقّق والجلاّد أنّه اشتغل مع النظام السابق والنظام الذي قبله وها هو يشتغل مع النظام القائم، ويتولّى تعذيب «المعارضين» في كلّ فترة. معارضون عمل تحت امرتهم وعذّب معارضيهم بأمر منهم. ممّا يعني (وهنا السؤال مطروح في الحالة التونسيّة):

هل الوظيفة (في بعدها النفعي) أهمّ من المرجعيات الاخلاقيّة والثوابت الانسانيّة؟؟؟

 

يختصر الفيلم بأكمله (فيلم «الاعتراف») علاقة السلطة بالأخلاق ضمن عامل الحكم المرتكز على الزمن، أيّ ما الذي يجعل «الزمن» (في علاقة بالبشر) في تونس يوم 14 جانفي 2011 الجنرال علي السرياطي يذهب إلى السجن العسكري والجنرال رشيد عمّار يتحوّل إلى ذلك «البطل»، الذي «رفض اطلاق النار على المتظاهرين»، و(في رواية له) رفض تسلّم السلطة على طبق من ذهب؟؟؟؟

 

كذلك ما الذي يجعل أيّ مبحر على الانترنت لا يخشى سطوة «عمّار 404» وبطشه وكذلك قدرته على منعه من الابحار، حين أثبت هذا الرجل قدرة وقوّة وطاقة على الفعل؟؟؟

لا ضمانات في تونس، القضاء لا يزال ضعيفًا والمؤسّسات الدستوريّة عديم الفعل وغير قادرة على ضمان الحريّات، ومن ثمّة يمكن لأيّ كان (كما هو حال التصنّت على الهواتف) أن يتجسّس على أيّ كان ويخترق حرمته، خارج منطق العدالة وبعيدًا عن الضمانات الدستوريّة، ومن ثمّة نكون (وهنا الخوف) قد عدنا إلى أسوأ من نظام بن علي، حين كان «صانع التغيير» يلاعبنا بوجه مكشوف (أكثر من الآن)…


error: !!!تنبيه: المحتوى محمي