«قبلة السجن» والمقيم العام: الانحناء التونسي والاستثناء الفرنسي…

10 أكتوبر 2017

من حقّ «المقيم العام الفرنسي» (الحالي) أن يظهر أقصى درجات الغضب وحتّى السخرية، بل التدخّل في ما هي «العدالة التونسيّة» دون أن يشعر بذنب أو أيّ احساس بتجاوز أيّ محظور، حين استثنت الدولة التونسيّة السيّاح الغربيين، بل مكّنتهم من «قوس» يمارسون من خلاله حياتهم (أثناء الوجود في تونس) وفق ما هو قائم في بلدانهم من «أخلاق»، سواء تعلّق الأمر بالعلاقات الجنسيّة أو مفهوم «الزواج» أو شكله.

تهلّ على مطار تونس كلّ يوم عشرات الطائرات الحبلى بآلاف السيّاح الأوروبيين، ولا أحد (من السلط الرسميّة) صار يملك ذرّة جرأة على طرح سؤال عن «شرعية» المبيت في ذات الغرفة، بل تُقام حفلات عيد الميلاد في المطاعم والحانات والمقاهي (في الفنادق وخارجها)، يتبادل خلالها «الأزواج»، بمن فيهم «الشواذ» القبلات الحارّة شديدة السخونة، على مرأى ومسمع من الحاضرين، بل تحت وابل من تصفيق الذين يباركون هذا «الاحتفال» حين يجلب من «العملة الصعبة» ما تحتاجه البلاد، حاجة العطشان المشرف على الموت، لكأس من الماء الزلال.

عاشت تونس ولا تزال حال من «النفاق/الانفصام» الرسمي والعلني، بل المفضوح أو هو المرضي، بين «قوانين جدّ محافظة» تجرّم (رسميّا) أيّ علاقة جنسيّة خارج إطار الزواج أو المواخير الرسميّة، من جهة، وممارسات فتحت المجال للسيّاح الغربيّين لتصير لهم «مناعة» عند الممارسة و«حصانة» عند المحاسبة، لذلك من المقبول بل المعقول أن يغضب (معالي) «المقيم العام» الفرنسي، عندما يشاهد أنّ «السلطة التنفيذيّة» تستثني الاستثناء (عند ضبط مواطنه)، وتعود إلى تطبيق القوانين التي لا غبار عليها (على مستوى النصّ)، لكنّها (بفعل الترك وتراكم الغبار) صارت أقرب إلى أيّ من «أثار» متحف «اللوفر» من الحضارة الفرعونيّة…

لا شرطي في تونس أو عون حرس أو أيّ من الأسلاك «المسلّحة» كان سيفكّر في تحرير محضر من أيّ شكل كان، في حال العثور على سائحين اثنين أو مجموعة من السيّاح (من الأوروبيين الأقحاح) بصدد ممارسة التقبيل أو تعاطي الجنس من أيّ درجة كانت، لأنّ كامل هذه الأسلاك تستبطن «حال الاستثناء» هذا، بل يستبطنون أنّ مهمّتهم تتمثّل في «حماية السيّاح» سواء تمدّدوا يستمتعون بأشعّة الشمس أو يمارسون الجنس من أيّ صفة كانت.

الخواجة والصبايحي

الخواجة والصبايحي

مستثنى من هذا الاستثناء أهل البلد les indigènes، وبدرجة أقّل (قليلا جدّا) كامل طيف العرب والمسلمين، في ما صار يشبه «القانون» غير القابل للنقاش، طالما «منظومة السياحة» وما يصحبها من «الأطياف» التي تقتات من السياحة، يجدون (جميعًا) معاشهم من هذه «الممارسة» التي تعمل وفق «قاعدة» غير مكتوبة، لكنّها أشدّ رسوخا من فصول الدستور جميعها…

«العقدة» (لأنّ في الأمر «عقدة») تكمن في التعارض بل هو الصدام، إن لم تكن القطيعة بين «التكييف» الحضاري/الثقافي/القانوني الذي اتخذه أعوان الحرس الذين ضبطوا تلك «التونسيّة» وذلك «الجزائري» في «وضع مخلّ بالأخلاق» حين اعتبروا أنّ الثنائي، وخصوصًا «الرجل» محسوب على «الأعراب» الذين لا حقّ له أن يتمتّع بما هو «الاستثناء» الساري منذ بداية سبعينات القرن الماضي، من ناحية، في مقابل (معالي) «المقيم العام» الفرنسي الذي يرى أنّ «الرجل» فرنسي الجنسيّة، ومن ثمّة يحقّ له التمتّع بما هي «الاتفاقيّة» غير المكتوبة، التي تستثني «الفرنجة» وكذلك «ممارساتهم الجنسيّة» من قوانين الدولة التونسيّة، المستقلّة (تمامًا) عن فرنسا بتاريخ 20 مارس 1956.

الضجّة الذي ثارت أو أثارها الإعلام وكذلك من هبّ ودبّ وشاء وأراد من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، تأتي أشبه بالضجّة التي يثيرها «زوج مخدوع» بل «يخدع نفسه» (عن علم ودراية وقناعة)، حين لا قبل لتونس ولا حاجة لها بتطبيق «قوانينها» على «الأوروبيين» بنفس الصرامة التي تطبقها على «الأهالي» والعرب والمسلمين، وكذلك لا قبل لها ولا حاجة بأن تجعل (هذا) «الاستثناء قانونيّا» أو يتخذ أيّ شكل مكتوب أو حتّى شكل اعتراف شفاهي من أيّ مسؤول مهما كان موقعه أو منصبه…

حالة «البين بين» هذه، هي التي يستند إليها «المقيم العام» الفرنسي متهكّما ومنتقدا بل ناصحًا العدالة التونسيّة باستدراك أمرها، وكذلك هي التي تضع تونس أو بالأحرى قطاع السياحة بأكمله في حرج، خاصّة وأنّ قطاعات واسعة من الإعلام الأوروبي (عامّة) والفرنسي (خاصّة) تطرّقت إلى «قبلة السجن» من منطق «جريمة الدولة» إن لم نقل «فضيحة الدولة» التي بتطبيقها للقانون (الواضح والصريح) «أساءت» أو هي هدمت «المجال الممنوح» للسيّاح الغربيين، خارج نطاق التشريعات التونسيّة، ممّا أساء للسياحة التونسيّة بكلّ تأكيد، حين لا يمكن، بل يستحيل على «وزيرة السياحة» (مثلا) أن تصرّح بأنّ الدولة التونسيّة، ستعود إلى «عادتها القديمة» بتمكين السيّاح الغربيين من «منطقة لا قانون (لتونس) فيها»…

من الممكن بل واجب أن نندّد بتصرّفات «المقيم العام» الفرنسي، التي تنمّ عن «عنجهيّة» مرضيّة لم تتخلص من «لوثة الاستعمار» المفرغة (من أيّ قيمة حضاريّة) بحكم تقهقر «الدولة الفرنسيّة» على جميع الأصعدة، لكنّ السؤال الأهمّ يخصّ «الواقع التونسي» وما هي علاقة الدولة بقوانينها وأساسًا هذه «المفازات» المفتوحة (غير المكتوبة) أمام «السيّاح الغربيين»، حين يمكن لأي عون أمن أو حرس أن يطبق القوانين المكتوبة وفق ما هو مطلوب منه وما هو ضميره، وأساسا قاعدة «المساواة أمام القانون» بمن فيهم «رعايا» دولة «المقيم العام» المتهكّم والساخر من الواقع التونسي وقوانين بلد وجب عليه احترامها…


تعليق واحد

  1. عبدالرزاق الجملي .... تونس

    عندما نعلي من شأن القانون في بلادنا سوف نشفى سريعا من مرض أو داء النفاق/ الفصام وساعتها لن يتجرأ “المقيم العام ” ولا من هو” اثخن ” منه على انتقاد قوانيننا أو تجزئتها فتحاسب أحدا على فعل مجرم قانونا وتتغاضى على المبجلين من حاملي الجنسيات الأجنبية …… المقيم العام يعلم تمام العلم ويعرف تمام المعرفة ان القانون في بلادنا يطوعه من بيده الامر مثل المطاط اللين ويطبق حينما وحيثما اراد الحاكم بأمر نفسه ويستثني الطبقة المختارة …. لكل هذا انا لا أستغرب تدخله وان كنت لدينه وفي القلب غصة على الهوان الذي صرنا فيه

error: !!!تنبيه: المحتوى محمي